مجلس الوزراء: رئيس الجمهورية يسدي أوامر وتوجيهات لأعضاء الحكومة الجديدة    استقبل وفدا عن مجلس الشورى الإيراني.. بوغالي: الجزائر وطهران تربطهما علاقات تاريخية    تمتد إلى غاية 25 ديسمبر.. تسجيلات امتحاني شهادتي التعليم المتوسط والبكالوريا تنطلق هذا الثلاثاء    "رواد الأعمال الشباب، رهان الجزائر المنتصرة" محور يوم دراسي بالعاصمة    مشروع القانون الجديد للسوق المالي قيد الدراسة    عرقاب يستقبل وفدا عن الشبكة البرلمانية للشباب    رئيس الجمهورية يوقع على قانون المالية لسنة 2025    عبد المجيد زعلاني : مذكرة الاعتقال ضد نتانياهو وغالانت زلزال قانوني وقضائي    الخبير محمد الشريف ضروي : لقاء الجزائر بداية عهد جديد ضمن مسار وحراك سكان الريف    غرس 70 شجرة رمزياً في العاصمة    ساعات عصيبة في لبنان    صهاينة باريس يتكالبون على الجزائر    نهب الثروات الطبيعية للصحراء الغربية : "يجب قطع الشريان الاقتصادي للاحتلال المغربي"    الرابطة الثانية: إتحاد الحراش يتعادل بالتلاغمة ومولودية باتنة تفوز على جمعية الخروب    يرى بأن المنتخب الوطني بحاجة لأصحاب الخبرة : بيتكوفيتش يحدد مصير حاج موسى وبوعناني مع "الخضر".. !    حوادث المرور: وفاة 2894 شخصا عبر الوطن خلال التسعة اشهر الاولى من 2024    تركيب كواشف الغاز بولايتي ورقلة وتوقرت    شرطة القرارة تحسّس    الدكتور أوجرتني: "فتح الأرشيف وإعادته للجزائر مطلب الكثير من النخب الفرنسية"    اختتام الطبعة ال14 للمهرجان الدولي للمنمنمات وفن الزخرفة : تتويج الفائزين وتكريم لجنة التحكيم وضيفة الشرف    صليحة نعيجة تعرض ديوانها الشعري أنوريكسيا    افتتاح الطبعة ال20 من الصالون الدولي للأشغال العمومية : إمضاء خمس مذكرات تفاهم بين شركات وهيئات ومخابر عمومية    الجزائر العاصمة : دخول نفقين حيز الخدمة ببئر مراد رايس    بوغالي يستقبل وفدا عن لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية بمجلس الشورى الإيراني    تبسة: افتتاح الطبعة الثالثة من الأيام السينمائية الوطنية للفيلم القصير "سيني تيفاست"        ارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة إلى 44211 والإصابات إلى 104567 منذ بدء العدوان    العدوان الصهيوني على غزة: فلسطينيو شمال القطاع يكافحون من أجل البقاء    الكاياك/الكانوي والباركانوي - البطولة العربية: الجزائر تحصد 23 ميدالية منها 9 ذهبيات    الألعاب الإفريقية العسكرية: الجزائرتتوج بالذهبية على حساب الكاميرون 1-0    مولوجي ترافق الفرق المختصة    مولودية وهران تسقط في فخ التعادل    قرعة استثنائية للحج    المديرية العامة للاتصال برئاسة الجمهورية تعزي عائلة الفقيد    التعبئة الوطنية لمواجهة أبواق التاريخ الأليم لفرنسا    دورة للتأهيل الجامعي بداية من 3 ديسمبر المقبل    مخطط التسيير المندمج للمناطق الساحلية بسكيكدة    حجز 4 كلغ من الكيف المعالج بزرالدة    معرض وطني للكتاب بورقلة    45 مليار لتجسيد 35 مشروعا تنمويا خلال 2025    دخول وحدة إنتاج الأنابيب ببطيوة حيز الخدمة قبل نهاية 2024    الشروع في أشغال الحفر ومخطط مروري لتحويل السير    نيوكاستل الإنجليزي يصر على ضم إبراهيم مازة    إنقاذ امرأة سقطت في البحر    "السريالي المعتوه".. محاولة لتقفي العالم من منظور خرق    ملتقى "سردية الشعر الجزائري المعاصر من الحس الجمالي إلى الحس الصوفي"    السباعي الجزائري في المنعرج الأخير من التدريبات    سيدات الجزائر ضمن مجموعة صعبة رفقة تونس    حادث مرور خطير بأولاد عاشور    دعوى قضائية ضد كمال داود    وزارة الداخلية: إطلاق حملة وطنية تحسيسية لمرافقة عملية تثبيت كواشف أحادي أكسيد الكربون    سايحي يبرز التقدم الذي أحرزته الجزائر في مجال مكافحة مقاومة مضادات الميكروبات    التأكيد على ضرورة تحسين الخدمات الصحية بالجنوب    الرئيس تبون يمنح حصة اضافية من دفاتر الحج للمسجلين في قرعة 2025    هكذا ناظر الشافعي أهل العلم في طفولته    الاسْتِخارة.. سُنَّة نبَوية    الأمل في الله.. إيمان وحياة    المخدرات وراء ضياع الدين والأعمار والجرائم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رحلة استكشاف لبلد يسير نحو الانفتاح دون التفريط في هويته
الشروق تمتطي قافلة مهرجان "طريق الحرير" وتجوب المحافظات السورية

الصحفية ليلى لعلالي في دمشق
حينما كنت استعد للسفر إلى سوريا نصحني أحد الأصدقاء بعدم تفويت فرصة الاستمتاع بجمال وسحر هذا البلد. وعملت بهذه النصيحة منذ اليوم الأول للرحلة التي دامت عشرة أيام في إطار مهرجان "طريق الحرير" في دورته السابعة والذي تنظمه سنويا (وزارة السياحة السورية)، فقد توغلت رفقة زملائي الصحفيين في قلب سوريا والتمست حضارتها وتاريخها العريق وحاضرها وكيف يتم التزاوج بين هذه العناصر الثلاثة..
*
وجدت كل هذا في خانات دمشق القديمة، وفي جامع الأمويين، وفي آثار الرومانيين، وفي معابد المسيحيين الذين يشكلون سبعة عشر بالمئة من سكان سوريا البالغ عددهم حوالي عشرين مليون نسمة. اكتشفت أن سوريا هي فسيفساء ولكن شعبها متجانس ومتعايش لأنه مقتنع بأن سوريا الوطن تتسع للجميع.
*
*
قلعة محصنة رغم الضغوط الخارجية
*
*
ورغم الضغوط الدولية، يحاول هذا البلد البحث عن مخارج كي لا يقع في فخ التبعية للغرب، وقد اختار لنفسه خطة طريق واستراتيجية تعتمد البحث في صميم المقومات الذاتية وتكريسها لخدمة البلد وتطويره وتأمينه من كل الأخطار. ويعد مهرجان "طريق الحرير" تجربة رائدة لإبراز الوجه الآخر لسوريا وتسويقه إلى العالم وخاصة إلى القوى الغربية التي تعمل على تجريد العرب من هويتهم وحضارتهم وتصويرهم كمجرد بدو جهل وإرهابيين.
*
مهرجان "طريق الحرير" الذي شاركت فيه لأول مرة من بين 250 صحفي عربي وأجنبي كان بالنسبة لي فرصة لاكتشاف العديد من الجوانب التي كنت أجهلها عن هذا البلد، وصحيح أن العشرة أيام لم تكن كافية لإشباع فضولي الصحفي، إلا أنني استنتجت أن سوريا التي وضعت تحت المجهر الدولي منذ اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري عام 2005 تشبه القلعة المحصنة، حيث يشعر من بداخلها بالأمن والحماية، ولكن مع ذلك فقد التمست أن هناك قلقا وخوفا، ربما لأن البلد عرضة لتهديدات دائمة من طرف إسرائيل وحلفائها، وربما لأن العملية الإرهابية التي وقعت بالقرب من مطار دمشق منذ أكثر من شهر أعادت إلى أذهان السوريين ما حدث في بعض الدول العربية من تفجيرات وعمليات إرهابية حصدت في طريقها آلاف الأرواح من الأبرياء. هذا الخوف عبر عنه الوزير الأول، في الندوة الصحفية التي جمعته مع الإعلاميين المشاركين في مهرجان "طريق الحرير"، بقوله إن هناك أطرافا تحاول العبث بأمن واستقرار بلاده، ولو أنه لم يذكر هذه الأطراف ولا هدفها من استهداف بلاده.
*
ومع ذلك فقد لاحظت من خلال الأيام التي قضيتها هناك أن سوريا تعمل كل ما في وسعها من أجل الحفاظ على صمودها في وجه كل الهزات، أولا من خلال التمسك بمواقفها وثوابتها كمعقل للتيار العروبي المقاوم، وثانيا من خلال محاولات الانفتاح على الغرب والتعامل معه وفق ما تقتضيه المصالح المشتركة وبمنطق الندية والمساواة. وقد أخبرتني ميرفت، المرشدة السياحية السورية التي رافقت الوفد الصحفي الجزائري، عندما سألتها عن ما إذا كانت سوريا ستتخلى عن دعم الفصائل المقاومة مثل حركة حماس الفلسطينية وحزب الله اللبناني في حال ما توصلت إلى اتفاق سلام مع إسرائيل، أخبرتني أن سوريا لا تبيع مواقفها ومبادئها، بالإضافة إلى ذلك فهي تطالب بسلام شامل وعادل في منطقة الشرق الأوسط. فهمت من كلام ميرفت أن للسوريين استراتيجية محددة للتعامل مع التطورات الجارية، وأنهم استفادوا كثيرا من التجارب العربية التي سبقتهم في هذا المجال.
*
في شارع ليس بعيدا عن مسجد الأمويين في قلب العاصمة دمشق لاحظت صورة معلقة فوق أحد المحلات، الصورة تجمع كلا من الرئيس بشار الأسد والأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، بالإضافة إلى الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد. كما أن وجودنا في دمشق تزامن مع زيارة كان يقوم بها وفد قيادي من حركة حماس الفلسطينية، وبينهم الدكتور محمود الزهار. هاتان الإشارتان أكدتا لي أن دمشق ما تزال مأوى لكل حركات المقاومة ضد إسرائيل، رغم أنها دخلت منذ شهور في مفاوضات سلام غير مباشرة مع هذا الكيان الغاصب بوساطة تركية، هذه المفاوضات التي قال عنها وزير الإعلام محسن بلال إنها يمكن أن تصبح مباشرة في حال أثبتت إسرائيل جديتها.
*
المسؤولون السوريون الذين التقوا بالوفود الإعلامية العربية والأجنبية ضمن مهرجان "طريق الحرير" أكدوا مرارا على أن بلادهم لم ترضخ للاملاءات والشروط التي كانت تفرضها عليها بعض القوى الغربية، واليوم تبين أن الحق مع سوريا وأن الكل يتوجه إليها ويستنجد بها من أجل حل مشاكل المنطقة، مثلما أكد وزير الإعلام محسن بلال.
*
*
بلد يعتمد على نفسه ولا يعرف الاستيراد
*
*
عندما تسلمت دعوة المشاركة في مهرجان "طريق الحرير" لم أكن أعرف عن سوريا سوى أنها بلد جميل تعاقبت عليه الحضارات منذ آلاف السنين، ولكنني والحق يقال وجدت أن هذا البلد وبالإضافة إلى ارثه الحضاري يحقق قفزات نوعية في العديد من المجالات، ويكفي أنه يحقق الاكتفاء الذاتي ويعرف كيف يستفيد من الإمكانيات الطبيعية والبشرية التي يزخر بها. ويفتخر السوريون الذين تحدثت إليهم بأن بلادهم تعتمد على نفسها ولا تلجأ إلى الاستيراد مثلما هو حال معظم البلدان العربية، وهو ما أكدته لي مرافقتنا ميرفت والتي قالت لي إن بلادها تعتمد بصفة خاصة على القطاع الزراعي، حيث تعد من المنتجين الرئيسيين للقمح في العالم العربي، بالإضافة إلى إنتاج القطن والزيتون الذي تنافس فيه تونس على المرتبة الرابعة عالميا.
*
كما أن هناك مشاريع طموحة في مجال النفط والغاز وأيضا الفوسفات. وعلاوة على ذلك، فإن سوريا هي واحدة من أقل الدول من حيث انخفاض المديونية، وعملتها غير مرتبطة بعملة واحدة، وهو ما جعل الليرة السورية لا تتأثر بالتقلبات الحاصلة في السوق المالية العالمية. وزيادة على تأمين الغذاء للمواطن، تعمل القيادة السورية على توفير السكن والمأوى للجميع. وفي ظل الاكتظاظ الذي تشهده العاصمة دمشق، وضعت مشاريع لبناء وحدات سكنية في بعض المحافظات.
*
وتجدر الإشارة إلى أن عدد سكان سوريا يبلغ حوالي عشرين مليون نسمة "20"، سبعة وستون بالمائة "67 %" منهم سنهم دون الثامنة والعشرين. ويتوقع أن يتضاعف هذا العدد خلال السنوات القادمة، ولذلك هناك توجه بتقليص عدد الأولاد، حيث تكتفي الأسرة بطفلين. وبالنسبة للتعليم فهو مجاني، وهناك اثنان وعشرون جامعة بين حكومية وخاصة..
*
*
مهرجان "طريق الحرير".. تجربة رائدة للترويج السياحي
*
*
أكثر ما لفت انتباهي وأثار إعجابي خلال زيارتي إلى سوريا، كان مدى الاهتمام والرعاية التي يوليها المسؤولون في هذا البلد لقطاع السياحة، فصحيح أنه يزخر بمعالم تاريخية وحضارية فريدة من نوعها في العالم، إلا أن الاستراتيجية السياحية المتبعة أضافت الكثير لهذا القطاع الحيوي. ومهرجان "طريق الحرير" الذي انطلق عام 2002، هو فكرة جيدة لخدمة السياحة والتعريف بمعالمها المتنوعة، حيث يتم دعوة الوفود الصحفية من مختلف مناطق العالم ويطاف بها في المحافظات والأماكن التي تحتفظ بتاريخ وحضارة سوريا. وبفضل هذه التجربة ازداد عدد السياح وبلغ عام 2007 أربعة ملايين وستمائة ألف سائح. وهناك مشاريع للترويج للسياحة السورية في بعض العواصم الغربية مثل باريس ولندن، وكذلك لجذب المستثمرين.
*
ومهرجان "طريق الحرير" هو إحياء لتفاعل الثقافات والحضارات التي كانت تحمل البضائع التجارية على خط طريق الحرير الذي كان يمر عبر الأراضي السورية قادما من أقاصي الصين.
*
وخلافا للأعوام السابقة فقد اختارت وزارة السياحة والمشرفون على مهرجان "طريق الحرير" هذا العام قلعة دمشق العريقة لإعلان انطلاقة المهرجان، وذلك لكون دمشق هي عاصمة الثقافة العربية لهذه السنة. وكانت عاصمة الأمويين قد تحولت إلى فسيفساء بحيث جمعت كل ألوان الطيف من خلال استعراض لوحات استعراضية لوفود الدول التي كانت على خط طريق الحرير..
*
*
ثقافات وديانات في بوتقة واحدة بدمشق
*
*
قافلة "طريق الحرير" إذن كانت قد انطلقت من دمشق، حيث كانت رحلة استكشاف هذه المدينة التي تعد أقدم عاصمة في العالم. وقد عرجت الوفود الإعلامية العربية والغربية على أهم معالم المدينة، مثل قلعة دمشق، مسجد الأمويين، قصر العظم، سوق الحميدية، الخانات والمتحف الوطني.. هذه المعالم يقف الزائر أمامها باهتا لأنها تؤرخ للمراحل التاريخية التي مرت من هناك.
*
ومن بين أهم ما يميز دمشق القديمة هي تلك البيوت المتجاورة الموجودة داخل الأسواق المغطاة والتي تسمى الخانات، وعددها حاليا ثمانية عشر. وهذه الخانات كان قد بناها العثمانيون وتحمل العديد من الأسماء مثل خان الحرير وخان العمود وخان الزيت.. وما زالت هذه الخانات مراكز تجارية مرموقة مثلما كانت في الماضي.
*
*
مسجد الأمويين تحت إشراف جزائري
*
*
بالإضافة إلى الأسواق الشعبية التي تعج بالحركة، يعتبر الجامع الأموي من أهم المعالم التي تجذب السائح الأجنبي بغض النظر عن دينه وجنسيته، وقد لاحظت خلال زيارتنا إلى هذا المسجد الواقع في نهاية سوق الحميدية جموع من الزوار الأجانب يتلقون تعليمات قبل الدخول، حيث يلزم الرجل بنزع حذائه بينما تلزم المرأة بلبس زي شرعي احتراما لحرمة المسجد. ويسمح للزائر أن يطوف داخل أروقة المسجد كيفما يشاء. وقد كان للوفد الصحفي الجزائري فرصة الالتقاء بمسؤول المسجد المهندس جمال مصطفى عرب، وهو من أصول جزائرية وبالتحديد من ولاية تيزي وزو. هذا الرجل اخبرنا أن المسجد مفتوح للزوار لأنه تحفة معمارية في خدمة السياحة. وبجوار المسجد الأموي يوجد ضريح صلاح الدين الأيوبي، حيث يسمح أيضا للزائر بدخوله أيضا وحتى التقاط الصور بجواره. وقد التقينا هناك بزوج أمريكي جاء ليكشف سوريا الحضارة والثقافة وليست سوريا الإرهاب التي يروج لها رئيسهم جورج بوش، مثما أكدت لي سورية كانت ترافقهما.
*
وللمسيحيين أيضا حضورهم في دمشق، حيث توجد كنائس ومعابد تؤرخ للفترة المسيحية، ويتعايش هؤلاء مع المسلمين في انسجام تام ولا يمكن للزائر التفريق بين الاثنين إلا من خلال الرموز الدينية التي تصادفها في بعض المحلات التجارية. وقد قال لي أحد السوريين ونحن نتفحص دكانا لبيع الأشياء التقليدية أن المشكل المذهبي والطائفي لا يطرح هنا في سوريا لأن الحرية الدينية مكفولة للجميع.
*
على بعد خمسة وخمسين كلم من دمشق تجد مهد الحضارة المسيحية، وبالتحديد في قرية "معلولا"، هذه القرية التي يعتبرها السوريون معلما أثريا وسياحيا متميزا كانت ملجأ للرهبان والقديسين خلال البدايات الأولى لظهور المسيحية، ولا يزال سكانها إلى يومنا هذا يتكلمون اللغة الأرامية، أي لغة المسيح. "معلولا" هذه هي قرية مسيحية مائة بالمائة وفيها معابد وأديرة تقف على حراستها وتسييرها.
*
*
الوجع يوحّد سوريا والعراق في لؤلؤة الفرات
*
*
وإذا كانت دمشق تعتبر محطة للمسلمين والمسيحيين، فإن المعالم السياحية الموجودة في المحافظات الأخرى تؤرخ أيضا لحضارات قديمة تعاقبت على سوريا منذ آلاف السنين. وقد تحققت رغبتي الشخصية في الوقوف على آثار تدمر، أو مملكة زنوبيا التي كنت قد شاهدت مسلسلا سوريا عنها لعبت بطولته الممثلة رغدة. ويحكى أن زنوبيا كانت امرأة جميلة وذكية فتنت الإمبراطور الروماني أورليانوس ولكنها رفضت الاستسلام له وانتحرت سما..
*
في تدمر، حيث تجلس زنوبيا، يجد الزائر نفسه وسط تحفة أثرية تحكي في صمت روايات وقصص من مروا من هناك. وقد نجح السوريون في استثمار هذا المعلم الأثري لخدمة السياحة، بدليل أن هناك فنادق خصصت للسياح بعضها بخمسة نجوم.
*
ومن تدمر توجهت بنا قافلة "طريق الحرير" نحو المناطق الساحلية ذات الخضرة الكثيفة، حيث حطت بنا بعد مرورنا على الرصافة وحضورنا قداسا ثم صلاة الغائب، في مدينة "الرقة" التي تبعد ببضعة كيلومترات عن الحدود العراقية. في هذه المنطقة التي تحط بها قافلة "طريق الحرير" لأول مرة شعرت أننا انتقلنا من بلد إلى آخر بسبب الطبيعة الخضراء ونهر الفرات الذي يعبرها وهو يمر إلى العراق، ولذلك سميت المدينة بلؤلؤة الفرات.
*
ولأنني كنت فضولية في معرفة مدى الترابط الموجود بين هذه المنطقة والعراق المجاور، كانت لي دردشة مع أحد السكان المحليين، هذا الأخير اخبرني أن جميع السكان هنا يشعرون بجرح العراق بسبب العلاقة الوطيدة بين الشعبين، وهناك ترابط أسري وعشائري يجمع بينهما، بدليل أن يوم إعدام صدام حسين عم الحزن المدينة وامتنع معظم السكان عن ذبح كباش عيد الأضحى المبارك. التمست في كلام الرجل البسيط أن الحدود الجغرافية والسياسية لا يمكن أن تفرق الشعوب.
*
و"الرقة" التي قيل لي إنها كانت من الأماكن المفضلة للخليفة العباسي هارون الرشيد تشعرك بالأصالة والعروبة، وهو ما تأكد لي وللوفود العربية والأجنبية التي تناولت وجبة الغذاء على ضفاف الفرات الجميل في "محمية الثورة" وفي أجواء ريفية بحتة، حيث لا موائد ولا كراسي وإنما داخل خيم وفوق الحصير. وقد أعجبت شخصيا بطبق الفريك والأرز الذي قدم لنا والذي زين بالمكسرات التي يشتهر بها السوريون . كما أن حفل الزواج الفوراتي الذي حضرناه ليلا عكس لنا الطابع البدوي لهذه المدينة.
*
*
حلب.. الوجه الشرقي الأصيل لسوريا
*
*
عندما وصلنا إلى "حلب" قادمين من "الرقة" كان الوقت ليلا، ومع ذلك فقد التمست سحر هذه المدينة، لاحظت أنها تختلف عن بقية المحافظات السورية التي زرناها. وأنت تتسوق في أحيائها تكتشف أن طابعها شرقي أصيل سواء في طابعها المعماري أو في الأجواء العامة. ويقال إنها موطن الثقافة والموسيقى الشرقية الأصيلة، وقد اخبروني أن صباح فخري، صاحب الموشحات المشهور، افتتح مؤخرا هناك مدرسة للموسيقى والغناء سماها باسمه.
*
وأهم ما يلفت انتباه الزائر في حلب التي تبعد ب 350 كلم عن دمشق هي المساجد والمآذن الكثيرة حتى أن صوت أذان أوقات الصلاة يدوي في كافة المدينة التي كانت عام 2007 مدينة الثقافة الإسلامية. ويذكر أن الفتح الإسلامي دخل سوريا عام 636 م وحلب عام 637 م. كما أن هناك ألف جامع ومسجد في حلب تمثل 14 قرنا.
*
هذه القلعة تتوسط المدينة وتقع على تلة مرتفعة هي من أهم الصروح العربية الإسلامية العسكرية وأكبر قلاع العالم وأقدمها وأجملها، ويعود شكلها الحالي إلى فترة حكم الظاهر غازي الأيوبي. ويقال إن سيدنا إبراهيم عليه السلام مر بحلب وحط رحاله على تلتها العالية، حيث القلعة، وحلب بقرته الشهباء فيها ومن هنا جاءت تسميتها "حلب الشهباء"..
*
الأجانب الذين رافقونا في جولة قافلة "طريق الحرير" انبهروا مثلنا بسحر هذه القلعة، وكانت لبعضهم تغطيات تلفزيونية مباشرة من داخل القلعة. وتشتهر حلب أيضا التي تعد أقدم مدينة في التاريخ بمتحفها الذي يحتفظ بذاكرة الحضارات التي مرت على سوريا. وقد كانت لنا فرصة لزيارة هذا المتحف ورؤية ما يحتويه من تحف ومخطوطات وتماثيل تؤرخ للحضارة السورية الممتدة من العصر الحجري.
*
*
"الشروق" تحط الرحال بقلعة صلاح الدين
*
*
غادرنا حلب بعد أن شاركنا في أمسية موسيقية في قلعة العرش داخل قلعة حلب وتوجهنا صباح العاشر من أكتوبر إلى اللاذقية، المحافظة الساحلية البحرية التي تنحدر منها عائلة الرئيس بشار الأسد والتي تعتبر ميناء سوريا الرئيسي على البحر الأبيض المتوسط. ونحن في طريقنا إلى اللاذقية لاحظنا أن الجو تغير تماما، حيث تشعر برد الشتاء وسقوط الأمطار وكأنك في فصل الشتاء. ولكن قبل وصولنا إلى هذه اللاذقية كان للوفد الصحفي الجزائري إصرار على زيارة قلعة صلاح الدين الأيوبي، وهو ما تحقق له مع المرشدة السياحية ميرفت التي لم تبخل طوال الرحلة في تزويدنا بالمعلومات التي نحتاجها. ومنظر هذه القلعة التي أصبحت تحت سيطرة القائد صلاح الدين الأيوبي منذ عام 1188 في منتهى الروعة، حيث تقع بين قرية "الجور" واللاذقية وسط طبيعة عذراء على نتوء صخري شاهق ذي منحدرات عمودية وتحميها خنادق طبيعية عميقة ووعرة. ورغم علوها المرتفع فقد صعدنا إلى القلعة وزرنا أجنحتها والتقطنا صورا تذكارية.
*
في الساحل السوري أيضا حيث البحر هناك تنوع حضاري وثقافي، وفي جبلة المحاطة بالبساتين والأشجار المثمرة والتي تعود إلى العصور الكنعانية حضرنا مساء العاشر من أكتوبر حفل اختتام مهرجان "طريق الحرير" في دورته السابعة، فمن على المدرج الكبير تم استعراض مختلف الطبوع والرقصات الشعبية.
*
وبعد أن قضت الوفود الإعلامية الصحفية ليلتها في أحد فنادق اللاذقية، شدت قافلة "طريق الحرير" رحالها نحو العاصمة دمشق ولكن بعد المرور صباح الحادي عشر من أكتوبر على مدينة حماة التي تقع على بعد 200 كلم شمالي دمشق والتي تعد معقلا لجماعة الإخوان المسلمين، حيث زرنا في هذه المدينة بعض الآثار.
*
وفي دمشق كانت المحطة الأخيرة لرحلة قافلة "طريق الحرير" التي سمحت لنا كصحفيين بمعرفة واكتشاف سوريا من الداخل بعدما لعب الإعلام الغربي دورا في الترويج لصورة سيئة عنها مثلما هو حاله مع كل البلدان العربية التي ترفض الاستسلام للاملاءات الخارجية..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.