لا للخوف لأنه العائق الوحيد أمام تحقيق الطموح لم تكن بوسهلة حليمة التي اتبعت تكوينا في اللغة الفرنسية و التجارة الدولية تتوقع يوما أن تصبح سائقة ترامواي محترفة من بين ثلاث" 3" نساء فقط يحترفن هذه المهنة بكل الجهة الغربية للوطن،و لكن القدر وضعها في مهنة غير عادية بوسيلة نقل غير اعتيادية لها و لسكان ولاية وهران. فالبداية كانت بالنسبة لها صعبة لأن طموحها لم يدفعها الى ذلك لكنها اكتشفت اليوم أنها قادرة على تحمل مسؤولية استعصت على الكثيرات و الكثيرين ممن اجتازوا اختبارات التوظيف .و بعد ثبوت جدارتها انضمت إلى فريق من السائقين الجدد للتربص، فكانت هي المرأة الوحيدة بينهم و منذ 11 أوت 2013 بدأت حليمة تجربتها الفريدة على متن ترام وهران ليس كراكب بل كقائد رحلة رغم كل الصعاب و العوائق . التقينا بحليمة بوسهلة في مقر عملها و كان الحديث معها ممتع و أول ما شدّ انتباهنا تواضعها و عزيمتها على مواصلة هذه المهنة .حليمة البلغة من العمر 28 سنة أبانت فعلا عن شجاعة و عزم و قدرة على إظهار الاحترافية و المهارة بمهنة لم تقلل قط من شخصيتها و لا من أنوثتها . س : كيف اخترت هذه المهنة ؟ في الحقيقة لم أختر يوما هذه المهنة بل هي التي اختارتني إن صحّ التعبير،بحيث أودعت طلبا للتوظيف بشركة سيترام لمنصب بالإدارة و بعد خضوعي لاختبار نفسي و حركي تبين بأنني أمتلك المهارة الكافية لقيادة عربة ترامواي و هو ما لم يتوفر عند الكثيرين غيري و هكذا كانت بدايتي في هذا المجال س : هل خضعت لتكوين متخصص؟ أجل بطبيعة الحال كان لزاما علي بعدما قبلت في المنصب اتباع تكوين على يد مختصين يعود إليهم الفضل في النجاح الذي حققته في وقت وجيز بعد الله سبحانه فتلقيت عدة دورات تكوينية مكنتني من تطويع هذه الوسيلة الجديدة لمدة شهر كامل تلقيت فيه دروسا نظرية و تطبيقية مكثفة . س:هل وجدت القيادة صعبة و كيف كان شعورك؟ نعم كانت صعبة للغاية في بداية الأمر خصوصا و أنني بدأت أقود الترام بعد مضي أسبوعين فقط من مدة التربص كما أن قيادة عربة يفوق طولها 50 مترا ليس بالأمر السهل لكنها كانت تجربة ممتعة حقا . س : متى بدأت العمل كسائقة محترفة ؟ في 11 سبتمبر الماضي قدت أول رحلة ترامواي و أذكر يومها أن دوامي بدأ في المساء و شعرت بالكثير من الخوف و الإرتباك رغم أنها لم تكن المرة الأولى التي أقود فيها عربة لكن الوضع يختلف في رحلة مليئة بالركاب ، و ما إن دخلت المقصورة حتى استجمعت قواي و حاولت التحكم في أعصابي تماما مثلما تعلمت في فترة التكوين ، فاستبدلت رقة الفتاة بصلابة السائقة و بدلت الكثير من الجهد النفسي و العضلي لأحظى بهذا المنصب و أكون في المستوى المطلوب، و بمرور الوقت أصبحت من المفضلين بين زملائي . س :ما هي العقبات التي تعترضك أثناء العمل ؟ يعلم الجميع أن الترامواي هو وسيلة نقل حضري غير اعتيادية لذلك لم يتعود عليها سكان وهران بشكل كامل و الكثير منهم لم يكتسبوا بعد ثقافة احترام الأولوية عند مرور العربة ، فعلى طول الخط نواجه نحن السائقون و السائقات عقبات تعرقل مرور الترام و أغلبها تصدر عن أصحاب السيارات الذين يسببون إزعاجا كبيرا باعتراض سبيله أو ركن السيارات على مساره، والغريب أن البعض يمتعهم فعل ذلك بدليل أنهم يحاولون التسابق مع العربة لتجاوزها و قطع الطريق أمامها ،فنضطر نحن السائقون الى استعمال مكبح النجدة حتى لا نصدم أحدا .و هذه المشاكل تتكرر يوميا و أحاول في كل مرة تمالك أعصابي و السيطرة على غضبي و التعقل أمام وضع استثنائي لحفظ أمن و سلامة الركاب داخل العربة . س : و هل يبادلونك نفس الاحترام؟ في الواقع تصدر من بعضهم تصرفات غير لائقة عندما يعرفون بأن السائق امرأة فيحاولون التحدث معي بواسطة جهاز الإتصال و يتلفظون بكلام لاذع و مشين لكنني لا أظهر أي ردّة فعل وأحاول أن أنسى الأمر حتى لا أفقد تركيزي أثناء العمل .و من حسن الحظ أن مثل هذه التصرفات لا تحدث كثيرا فأغلب الركاب باتوا يتصرفون بوعي أثناء الرحلات .أما خارج العربة فأسمع من الناس و من حتى الأطفال كلاما لا يخطر على بال و الغريب أن هذا يحدث فقط للسائقات لذلك أتمنى أن يتغير سلوك الناس مستقبلا . س :كيف تلقى أهلك مهنتك الجديدة ؟ بكل فخر و اعتزاز، فالفكرة تقبلتها العائلة بسهولة رغم أننا نعيش في وسط محافظ بل و ساعدتني كثيرا بالوقوف إلى جانبي معنويا و تشجيعي على المواصلة في هذا الإتجاه و هذا ما حفزني على التفاني في وظيفتي التي تمنحني مزايا كثيرة كالحرية و الثقة بالنفس و تحمل المسؤولية في أصعب الظروف .و رغم أنه لم يمض على دخولي هذا المجال سوى بضع شهور ، و كنت آخر امرأة تلتحق بفريق السائقين ، إلاّ أنني أحسست براحة كبيرة و تأقلمت بسرعة مع ظروف العمل و اليوم أستطيع التأكيد بأنني لست نادمة على اختيار هذه المهنة . س : هل يزعجك العمل بنظام الدوام و خاصة في الليل ؟ سأدهشك إن أخبرتك أن أفضل أوقات العمل بالنسبة لي هي في الفترة المسائية عندما تقل حركة السيارات و يحل السكون بالشوارع و بالأخص في وسط المدينة . فقيادة الترام في الليل أكثر راحة لأنها تحتاج تركيزا أقل من النهار الذي يزداد فيه القلق و التوتر خصوصا و أن مسار الترام يعبر أحياء آهلة و تعج بالحركة .و القيادة تتطلب حذرا كبيرا و أعصابا من حديد ، لا سيما و أن الكثير من المشاة لا يحترمون أولوية الترام ، و الأطفال كذلك يعبثون بالأقفال الأوتوماتيكية مما يتسبب في تعطيل العربة بالمواقف وإضاعة الوقت . س: في الختام ماذا تقولين للنساء بمناسبة عيدهن ؟ أتمنى لهن عيدا سعيدا و المزيد من النجاح و الإرادة لأنها تصنع المعجزات و تجعل الصعب يسيرا و أنصحهن بالتغلب على الخوف لأنه العائق الوحيد أمام تحقيق الطموح .