يتساءل الكثيرون عن أسباب الإنتشار الكاسح للمرضى المختلين عقليا والمتشردين بشوارع المدن وأزقتها رغم تواجد مصالح إستشفائية متخصصة في التكفل بهذه الشريحة خصوصا وأن بعض الحالات العدوانية تشكل خطورة على الراجلين وحتى على أنفسها خاصة إذا علمنا أن فئة كبيرة من المجانين التي تجوب الطرقات تكون ضحية العديد من الحوادث المرورية على غرار الحادثة التي أودت بحياة متشرد عقليا بطريق الميناء مؤخرا بسبب عدم إيلاء العاقلين من السائقين أهمية لهذا الإنسان الذي إذا توفي في الطريق فلا يوجد من يسأل عنه. كما هو الشأن بالنسبة لمختل عقليا يجول ويصول بالمدينة عند مطلع الفجر مجرد من ثيابه ولا أحد يكلف نفسه ليستره هذه عينة من المرضى الذين زادهم المجتمع علة غير أن الإجابة على السؤال الذي طرحناه في البداية، يكتفي الوقوف عن قرب عند ظروف التكفل بالمريض والإمكانيات البشرية والمادية المسخرة له بالمصالح الإستشفائية والتي تجعل الكثيرين منهم يفرون الى الشوارع هروبا من المصحة، ومن خلال جولتنا الميدانية التي قادتنا الى مستشفى الأمراض العقلية بسيدي الشحمي بوهران إتضح أن المريض بحاجة ماسة الى رعاية طبية وعناية تتطلب توفير كل الوسائل العلاجية الضرورية بما في ذلك الأدوية التي تعد أكثر من ضرورية للتحكم في الحالة النفسية للمختل ذهنيا أو على الأقل ضمان إستقرارها لفترة من الزمن وإذا غابت الأدوية الضرورية، فإن مسألة التكفل بالمريض تصبح صعبة وشبه مستحيلة خاصة إذا علمنا أن المستشفى يعاني من عجز كبير في الطاقم الطبي الذي يتكفل حاليا بعلاج 287 مريض مقابل 132 ممرض وطبيب مختص ويصل في بعض الأحيان عدد الوافدين الى هذه المؤسسة الى 400 مريض سيما وأن هذا الهيكل الصحي يستقبل الحالات الخطيرة القادمة من الولايات المجاورة كمستغانم، غليزان وسيدي بلعباس والتي يتم تحويلها صوب المصلحة المغلقة أو المعزولة. بإعتبار أن مستشفى الأمراض العقلية بسيدي الشحمي يوفر التغطية الصحية الكاملة بالجهة الغربية وحتى لبعض المناطق الجنوبية، بحيث أن أغلب المرضى المحّولين من طرف السلطة القضائية يعالجون بهذه المصحة إذ لا تزيد فترة العلاج الشهرين، وفي هذا الشأن يجب التنويه بأن مدة التكفل بالمريض تقلصت كثيرا مقارنة بالسنوات الفارطة، وذلك من أجل إستقبال حالات مرضية جديدة وترك الأسرة شاغرة، ورغم ذلك فإن المشرفين على هذه المؤسسة يضطرون للإحتفاظ ببعض المرضى الذين يستعصى عليهم إدماجهم إجتماعيا بعد تقدمهم في العلاج، خصوصا فئة المتشردين المصابين بخلل ذهني، وفي هذا الصدد أكد لنا السيد بطواف مدير المؤسسة أن هيئته بذلت كل ما في وسعها من أجل إدماج هذه الشريحة التي تقيم بالمصحة وتجاوزت فترة علاجها المدة المطلوبة. أسرة مشغولة حيث وخلال شهر جويلية الفارط إستقبلت المصحة 161 متشرد شغلوا 161 سرير أي أن المصلحة إمتلأت منذ تلك الفترة وتشكل ضغطا على الممرضين والأطباء الذين يقل عددهم عن المرضى وهي المعادلة غير المتوازنة والتي تؤثر على نوعية الخدمات رغم أنه وحسب المدير فإن الطاقم الطبي وشبه الطبي يبذل كل ما في وسعه لضمان التغطية الصحية اللازمة حسب الإمكانيات المتوفرة لديهم. من جهة أخرى تشهد المصلحة الإستشفائية ببلدية سيدي الشحمي إضطرابات وتذبذبا في عملية التموين بالأدوية الخاصة بالمرضى نتيجة مشاكل عدة حالت دون تمكنها من الوصول الى الإستقرار في قضية شحن المخزن بالأدوية خاصة تلك التي يكثر عليها الطلب ولعل أكبر دافع تسبب في هذا المشكل هو عدم توفره بالصيدلية المركزية والذي يقابله طلبيات كثيرة من هذه المصحة والتي أوضح مديرها الجديد بأن النقص الحاصل في الأدوية خارج عن إدارة المستشفى يضيف أن مهمتهم تكمن في إيداع الطلبيات المتضمنة لكمية ونوعية الأدوية التي تحتاجها المصحة حيث تقدم هذه الطلبية للصيدلية المركزية وأحيانا ننتظر أكثر من 3 أشهر لإستلامها وهو الأمر الذي يخلق عجزا في الدواء في بعض الأحيان ويؤثر بطبيعة الحال سلبا على المريض وأضاف بأنه في السنتين الأخيرتين شهدت المؤسسة عجزا في التزود بالأدوية الثانوية أو المكملة وإستدعى الإستنجاد بالممونين الخواص والصيدليات الخارجية لسد النقص والتخفيف نسبيا من الأزمة حتى لا يكون هناك نقصا كاملا في هذا المجال، معترفا في ذات الوقت بالصعوبة التي يجدونها من بعض الممونين الذين يرفضون التعامل مع المؤسسة، لكون أن الطلبات كثيرة وعملية تسديداتها المالية تطول لعدة شهور، لأن ميزانية التسيير المخصصة للمستشفى لا تتجاوز ال 30 مليار سنتيم ما يحول للإدارة دون دفع مستحقات الممونين دفعة واحدة. رغم ذلك فقد استحسن محدثنا توفر بعض الأدوية في الوقت الحالي كاشفا أن المؤسسة تملك وحدتين جواريتين لتوزيع الدواء متواجدتين بكل من حي »أكميل« و»ابن سينا« اللتان تزودان المرضى بالأدوية الضرورية. »نوزينو « ضروري مفقود وعبر المدير عن ارتياحه بتوفر الحقن المناسبة جدا للمريض والتي لايمكن الإستغناء عنها أبدا شأنها شأن دواء »نوزينو« الضروري وهو الذي لايمكن للمريض أن يستغنى عنه حيث يتناوله 3 مرات يوميا. وفقدانه من شأنه أن يخلق توترا لدى المرضى وحسب صيدلي المشفى فإن الإشكال يبقى في المدة الطويلة التي تتطلبها فترة تسليم الطلبيات أما فيما يخص الأدوية المفقودة فهناك حاليا نوعين وهما »لارجا كتيل« الذي يكون إما عن طريق أقراص أوعلى شاكلة قطرات وهو غير متوفر حاليا ويمكن للمرضى إستعمال دواء »نوزينو« كبديل له إلى جانب ذلك فإن سوق الأدوية يشهد فقدان دواء ميرالين والذي حسب ما أكده لنا صيدلي المؤسسة أنه سيكون ممنوعا من التسويق مستقبلا باعتباره مستورد من إيطاليا وهو غير متوفر حاليا. هذه المستحضرات الصيدلانية ستعمل لحالات خاصة بإحتياجات المريض الذي يتوجب عليه تناول 3 أنواع من الأدوية على الأقل يوميا وهناك من يتناول أكثر من ذلك وأوضح ذات المصدر بأن المرضى الذين يحوّلون إلى هذه المصحة غالبا ما يتم الكشف عن إصابتهم بأمراض أخرى مزمنة كالسكري والضغط الدّموي وهذه الأدوية المخصصة لعلاج هذه الأمراض كما يعرف الجميع نادرة وكأضعف الإيمان يتم جلبها إن وجدت من عند بعض الصيادلة الخواص بغية القضاء على العجز. كما كشف أن تكلفة مريض واحد بالمستشفى تقدر ب 6000دج يوميا وتتمثل في علاجه والأدوية التي يستهلكها ولو أنه في بعض الحالات تضطر إدارة المؤسسة لدفع تكاليف مالية إضافية من أجل القيام بأشعة سكانير للمرضى خارج المؤسسة ولحسن الحظّ أنها وجدّت في بعض الشخصيات الفاعلة للخير في صورة رئيس المجلس الإداري ما يساعدها عن تحمل نفقات سكانير والعلاج خارج المصحة كما أن الأهالي غالبا ما يتركون مرضاهم بالمستشفى دون التكفل بهم بسبب عدم قدرتهم على تحمل مصاريف العلاج والدواء هذا إذا علمنا أن وصفة الدواء للمريض لا تقل عن 5000دج كما أن المرضى العقليين يتطلب علاجهم على مراحل مما يتوجب تخصيص مصاريف كبيرة والأدوية تجلب من الخارج ولا تسوقها بعض الصيدليات الى درجة أنه يصعب على حاملي بطاقات معاق ذهنيا الحصول عليها مجانا بسبب أو لآخر ذلك لأن أغلب الصيادلة لا يتعاملون بالبطاقات. عجز في الطاقم الطبي وتجدر الإشارة أن هذه المؤسسة الإستشفائية تعرف إكتظاظ من الذين يأتونها من جميع الولايات وهو ما يصعب على الإدارة التحكم بشكل مناسب في عملية التكفل بهم بسبب قلة الطاقم الطبي. كما صرح المسؤول الأول على تسيير شؤون هذه المؤسسة على أنه إعتمد طريقة ومنهجية جديدة منذ توليه زمام الأمور في شهر ماي الفارط ممثلة في تشخيص وضعية المستشفى والقضاء تدريجيا على النقائص التي تشكل عائقا في التسيير من ذلك توفير الضروريات حسب الإعتمادات الحالية المخصصة للمؤسسة والأودوية بالنسبة له هو محاولة إيجاد حلول للقضاء على العجز القائم في تعداد الطاقم الطبي وشبه الطبي المتكون حاليا من 2 أطباء جامعيين، 8 متخصصين في الصحة العمومية، و2 أطباء عامون وصيدلي بالإضافة الى 8 أخصائيين في علم النفس العيادي، وكخطوة أولى اتخذت للتخفيف من العجز في المتخصصين في الصحة العقلية واستنجدت المؤسسة بعمال متعددي الخدمات تابعين للمشفى وهي استراتيجية اعتمدت على المدى المتوسط. حيث تم تجنيد 400 عامل من بينهم 150 مؤهلا في الجانب الطبي وشبه الطبي و250 موظفا ما بين اداريين وعمال مهنيين واعتمدت الخبرة الطويلة التي يمتلكها هؤلاء المستخدمين ريتما يتم تجسيد المشروع الذي يحمل نظرة مستقبلية للقضاء قضائيا على هذا المشكل والمتمثلة حسب المدير في تحويل طلبة السنة الثانية المتخصصين في علم النفس إلى مستشفى سيدي الشحمي للإستفادة من تكوين وتربص في تخصص الصحة العقلية على أن تتخرج دفعة في هذاالتخصص على مدى 3 أو 4 سنوات ومن المقرر أن ينطلق هذا المشروع خلال الدخول الإجتماعي المقبل في شهر سبتمبر حيث ستشمل هذه العملية 20 طالبا متربصا من بين 30 جامعيا سيوزعون عبر 10 ولايات بالجهة الغربية والتفكير في هذا الحل جاء لغياب تخصص الصحة العقلية بالمعاهد وحيث استحدثت منذ عامين فقط... وما يخول للمؤسسة الإستشفائية للأمراض العقلية بسيدي الشحمي تأطير الطلبة هو القانون الخاص بالصحة العقلية الذي يفوض التعامل مع الوكلاء العمومين وهذا الإجراء سيتم بالتنسيق مع مدير التكوين شبه الطبي لوهران على أن يشرف على هذا التكوين أساتذة جامعيين وأطباء مختصين في الصحة العمومية من ذات المؤسسة تتجاوز خبرتهم ال 38 سنة، وهو الحل الذي يراه محدثنا مناسبا لخلق ديناميكية في التمريض والفحص لتحسين طرق الاستشفاء تبعا لما يليه القانون منها على وجه الخصوص وضع المريض رهن الملاحظة وهناك استشفاء إجباري يأتي عن طريق القضاء. معالجو الإدمان في راحة وفي هذا السياق علمنا أن المصلحة تتوفر على 86 حالة حولت إلى المستشفى بقرار من السلطة القضائية وكذا 16 مريضا يعالج من الإدمان على المخدرات بمركز الإدمان الذي يتوقع أن يحول مقره إلى مارافال، وهذا المركز مغلق مؤقتا في شهر أوت لمنح المرضى فترة راحة من العلاج على أن يستأنف العمل بعد انقضاء الشهر، ذلك لتواجد عدد من الأطباء في اجازة وهو ما استدعى إراحة المرضى المدمنين في منازلهم. وهناك طريقة أخرى للإستشفاء يجهلها الكثيرون والمتعلقة بالترتيب الإرادي أي يمعنى أن المريض هو الذي يتقدم بمحض إرادته للمستشفى لطلب العلاج، وهي طريقة غير متداولة لأنها تشترط اهلية المريض، حيث تتراوح فترة العلاج 15 يوما للإستشفاء العادي وشهرين للمريض المحول عن طريق السلطة القضائية كالسجناء الذين لم يفصل بعد في قضاياهم بالمحاكم، يجدر الذكر أن المرضى المحوّلين رهن الملاحظة ينقلون من جناح 35 بالمستشفى الجامعي بن زرجب لعلاجهم ضف إلى ذلك شريحة المتشردين المحولين من مديرية النشاط الاجتماعي التي ارتفع إلى 161 متشرد منذ جويلية الفارط وهو رقم قياسي لم تسجله المصلحة من قبل خاصة وأن إسناد التكفل بالمتشردين للمستشفى تمت تبعا للتعلمية الوزارية رقم 506 الصادرة في أكتوبر والتي تلزم المؤسسات الاستشفائية للصحة العقلية التكفل بهذه الفئة، التي يتم جمعها من طرف المصالح المعنية من الشوارع. ويبقى الإشكال قائما في الإدماج الإجتماعي لأن معظمهم لا يملكون هوية ولا توجد معلومات كافية حول عائلاتهم لذا يحجزون أماكن غيرهم من الأسرة وبالرغم من ذلك فإن المؤسسة تمكنت من ادماج حوالي 100 حالة في السنة الفارطة والعدد يبقى في تزايد مع مرور الوقت وإن هناك مرضى يقيمون من المغرب ولا تزال أمورهم عالقة وتتكفل حاليا المؤسسة ب 10 مغاربة يقدمون منذ 5 سنوات بذات المؤسسة إلى جانب مرضى جزائرين لا يملكون مأوى منهم من وصلت فترة مكوثهم ال 20 سنة. تراجع حالات الإنتحار والشيء الإيجابي أن حالات الانتحار تراجعت داخل المصحة حيث ومنذ عامين لم تسجل حالات إنتحار للسجناء بعد تلك الحادثة التي سجل فيها انتحار مختل عقليا شنق نفسه داخل المصحة المغلقة. وحسب مصادرنا فإن الولايات الأخرى تعرف تناميا للظاهرة بسبب ضيق الهيكل الصحي على غرار ما حدث مؤخرا بمستشفى مستغانم أين توفي مجنون داخل المصحة بعدما إنتحر وبالنسبة للعمليات الترميمية التي تشهدها المؤسسة الصحية، حاليا فإنها ستتدعم بمصلحة مغلقة للحالات الخطيرة وستكون الثانية بعد تلك التي يتوفر عليها هذا الهيكل الصحي وهي العملية التي خصص لها غلاف مالي يقدر ب 460 مليون سنتيم مقتطع من ميزانية التسيير ريثما يتم الشروع في انجاز 3 طوابق جديدة بتوسيع المؤسسة. وهناك عملية أخرى ممثلة في اعادة تهيئة وتزفيت السطوح بعدّة مصالح والتي يصل غلافها المالي إلى 80 مليون سنتيم كما كانت المؤسسة تعاني من مشكل التزود بالمياه الصالحة للشرب بعدما كانت تمون بهذه المادة الحيوية في ساعات في اليوم بسبب عدم ربط قنواتها مباشرة بالقناة الرئيسية لكن حاليا يتم القضاء على هذا المشكل بتهيئة الشبكة القاعدية حيث أصبح الماء متوفر 24 ساعة على 24 حسب المدير. وهذه العملية كلّفت خزينة المؤسسة 80 مليون سنتيم و يبقى التنويه أنه تم غلق الجناح رقم 7 الذي يشهد انزلاقات للأرضية ويتواجد في وضعية كارثية لذ ا يتم عزله مؤقتا كما علمنا من المسؤولين أن الأسرة التي يتوفر عليها المستشفى غير آهلة للمرضى الذين هم بحاجة لعتاد جديد، واستقلالية أكثر داخل المصحة علما أن المشفى يسع ل 240 سرير، ويتوفر على 7 مصالح ويسجل ما بين 5 و6 حالات وفيات سنويا تتكفل الإدارة بمراسيم الدفن وتستقبل ما يزيد عن 6 مرضى جدد يوميا والعدد مرشح للإرتفاع ما دام أن الظروف المعيشية القاسية هي التي تجعل من العاقل مجنونا.