عندما تستوقفنا الأحداث البارزة في تاريخ الثورة التحريرية الكبرى ضد الاستعمار الفرنسي الغاشم , نستحضر لا محالة أهم ذكريات الكفاح المرير للشعب الجزائري التي تحتفظ بالبطولات الملحمية لرجال عظماء كانوا على يقين أن الحرية تؤخذ ولا تعطى, لكن كلما عاود التاريخ كتابة سطور زمانه لينسج خيوطه على دفتره بمرور ذكرى جديدة من الاحتفالات المخلدة للفاتح نوفمبر من عام 1954 بالجزائر تظل الذكريات متقدةً حينما يسجل لسيرة الأبطال الذين منحونا التمتع بنسيم الحرية والاستقلال. فصناعة التاريخ لها جنود مجهولين لم يذكرهم التاريخ ولم توثق لهم أمهات الكتب ولم يروا فلاشات الكاميرات تضيء وجوههم رغم التضحيات الجسام التي قدموها من أجل المساهمة في تحرير الوطن فمنهم من قضى نحبه في صمت و البقية تنتظر الإنصاف والعرفان بالجميل أو على الأقل توثيق أسمائها في سجل الذهبي لتاريخ الثورة الجزائرية المجيدة ولا ينكر جاحد أن الكفاح الثوري الذي شهدته الجزائر إبان الحقبة الاستعمارية مس كل شبر من تراب هذا الوطن العزيز الذي يحكي قصة من قصص المعارك الطاحنة التي تروي حقائق خفية أخرى نكتشف من خلالها الجديد كلما تمعّنا في وقائعها ومن خلال هذا التحقيق الذي قمنا به لغرض معرفة المزيد عن تاريخ ثوار ظلوا لأحقاب طويلة في طي النسيان و لم نقرأ عنهم حتى في كتب التاريخ الخاصة بالمقررات الدراسية لمختلف الاطوار التعليمية . حقائق لم تؤرخ خاصة ونحن على مشارف الاحتفال بستينية الثورة التحريرية الكبرى ارتأينا تسليط الضوء على أهم الأحداث التي وقعت عشية إطلاق أول شرارة لاندلاع حرب التحرير الكبرى في ساعة الصفر, عند منتصف الليل بجبال الأوراس بباتنة وإن كان التاريخ قد دوّن هذا التوقيت الذي كان المتفق عليه للمبادرة في الهجوم على جيش الاحتلال إلا أن الشهادات التي استقيناها من أفواه بعض المجاهدين تشير أن حرب الفاتح نوفمبر اندلعت في بعض الولايات قبل الموعد المذكور بأقل من نصف ساعة حسب ما جاء على لسان شهود عايشوا هذه الفترة بل أن بعضهم ساهموا في العملية تحت قادة جيش جبهة التحرير انذاك وهو ما أكده لنا المجاهد كويني عبد القادر المدعو سي ناصر الذي قاد كتيبة المجموعة 17 بعين تموشنت التي لبّت نداء الجبهة على مرتفعات جبال تارقة ولنا عودة في هذا "الروبورتاج" المدعم بالشهادات الحية والوثائق التاريخية الى قصة المجموعة الثورية المتكونة من 17 فردا التي دشنت الهجوم بهذه الناحية وقبل التطرق لتفاصيل العملية التي كانت امتدادا لمجموعة من المخططات المدروسة من طرف القادة العظماء الذين دبروا وحضروا للخروج إلى جبهات القتال معلنين الحرب على فرنسا لابد التنويه أن ولاية مستغانم وتحديدا منطقة سيدي علي التي تبعد عن عاصمة الولاية بحوالي 45 كلم كانت مسرحا لأول معركة ضمن مخطط الجبهة التي استبقت الحدث الثوري الهام بحوالي نصف ساعة , وعرفت مقتل مستوطن أوروبي يدعى لورون على يد جنود جيش التحرير وهذا ما أكده لنا السيد" كويني" المقيم حاليا ببلدية سيدي علي رفقة عائلته وأحفاده وهو نفس ما قاله الأمين الولائي لمنظمة المجاهدين لولاية مستغانم السيد عمار على هامش زيارتنا للولاية من أجل استكمال بحثنا حول قصة كفاح رجال المجموعة 17 بعين تموشنت مادام ان قائد هذا الفوج سي ناصر أطال الله في عمره لا يزال على قيد الحياة و هو مقيم حاليا ببلدية سيدي علي. الشراراة الأولى في حدود 23.15 سا بسيدي علي وقد أصّر الأمين الولائي على ضرورة تأييد التاريخ باعتباره رسالة يجب تمريرها للأجيال اللاحقة مع العلم أن أكثر المناطق التي عانت من ويلات الاستعمار وشهدت أكبر المجازر هي بلديات سيدي علي , الحجاج و ويليس وأضاف أن تنفيذ نداء الواجب عشية اندلاع الثورة بمنطقة سيدي علي في حدود الساعة الحادية عشر وربع لم يكن اختياريا ذلك أن الظروف كانت عاملا أساسيا في اشتعال فتيل الحرب قبل الأوان بعدما تفطن المستوطن المذكور لتحركات عناصر الجبهة بهذه الناحية وقام بإشعار العدو من خلال محاولة صعوده إلى سطح الكنيسة لقرع الجرس لغرض جلب انتباه عساكر فرنسا قبل أن يسقط بعدها قتيلا برصاصة قوات الكفاح الجزائري ومن الحدث بدأت تنتشر المعارك في معظم المناطق والنواحي. الرحلة انطلقت بعين تموشنت وللأمانة الصحفية كان لابد لنا ان نقف عند هذه المحطة التي ستكون ضمن سلسلة التحقيقات الكبرى الخاصة باحتفالات الستينية في الأعداد اللاحقة بحول الله تعالى جولتنا الاستكشافية في اعماق التاريخ الثوري انطلقت من وسط مدينة عين تموشنت وتحديدا من المقر الإداري القديم لمديرية المجاهدين حيث وجدنا في استقبالنا السيدة المديرة خديجة بهلول التي رحبت بنا وسهلت من مأموريتنا لكونها من أهل الاختصاص باعتبارها صحفية سابقة عملت بيومية "الجمهورية "قبل أن تتقلد مناصب هامة أهلتها لقيادة هذا القطاع الحساس بالولاية . الكل يشيد بمجهودات هذه السيدة التي تتفقد كل كبيرة وصغيرة تتعلق بالقطاع بل تتعامل بلطف وصبر كبير مع هذه الشريحة المتقدمة في السن و ما شدّ انتباهنا أن مقر المديرية لا يخلو من الحركة والنشاط عكس ما نراه في بعض المديريات التي تبدو شبه مهجورة وصادف هذا اليوم الذي زرنا فيه المديرية موعد الفحص الطبي معطوبي الحرب والمجاهدين الذي يشتكون من الأمراض المزمنة وما إن انتظرنا بعض الوقت حتى وصلت الطبيبة المكلفة بمعاينة المرضى وقد التحق المجاهدون المرتبطون بالموعد بقاعة الفحص وسارت العملية في أحسن الظروف إلى درجة أن أحد المسنين خرج مبتسما رفقة حفيده وهو يتحدث عن حسن المعاملة و احترام الوقت. في هذه الاثناء دخلنا إلى مكتب المديرة السيدة بهلول ووجدنا برفقتها الأمين الولائي لمنظمة المجاهدين السيد بوعكة هواري وإن كان هذا الأخير يعاني من بعض الأسقام إلا أنه يتمتع بذاكرة قوية وموسوعة تاريخية ثرية بالأحداث التي لا يزال يحتفظ بها ومن هنا شرعنا في الحديث عن المجموعة الثورية المكونة من 17 فردا من عناصر جبهة التحرير ويتعلق الأمر بكل من واضح بن عودة وهو مسئول ناحية عين تموشنت ، برحو قادة أول شهيد في أحداث الفاتح نوفمبر و كويني ناصر قائد الفرقة إلى جانب كل من بن قانة صالح ، غرباوي حمو ، لكحل يحي ، بن بكاي لخضر ، بن دلة علي ، بلحاج محمد ، مزور محمد ، سعد صالح ، بوزوقاوي محمد ، بن يوسف بن يوسف ، بوهة الحبيب ، نميش ميلود ، عبيد عبد القادر ، كرارمة بن عودة. و هم الذين تبنوا عملية تنفيذ الهجوم في الفاتح نوفمبر بعين تموشنت لكنهم لم ينالوا حقهم في صفحات التاريخ اللهم إلا بعض الوثائق والمطويات التي وضعتها مديرية المجاهدين للتعريف بأفراد المجموعة حفاظا على تاريخ المنطقة كما بادرت في عدة مناسبات بتوزيعها على الزوار لغرض نشرها على نطاق واسع لكن هذا غير كاف مادام ان الأحداث التي تزامنت مع اهم حدث ثوري في الجزائر غير موثقة بكامل تفاصيلها كيف ذلك ونحن في عصر الانترنيت حيث تصلنا المعلومة على المواقع الالكترونية والاجتماعية في اقل من ثانية. ولأننا لم نجد أي معلومة تتعلق بفوج 17 عندما تصفحنا محرك غوغل المعروف على شبكة الانترنت زاد حرصنا بحكم طبيعة عملنا الذي يتطلب منا البحث عن المصادر الموثوقة للبحث في تفاصيل الهجوم وبالتالي اللجوء الى المجاهدين من عناصر هذه الكتيبة الذين بقوا على قيد الحياة. برحو قادة المدعو سوعاجي أول شهيد في أحداث تارقة ولحسن حظنا كان الأمين الولائي السبد بوعكة هواري وهو عضو بالمجلس الوطني للمجاهدين أهم مصدر قادنا إلى أهم عنصر كان ينشط ضمن هذا الفوج , ويتعلق الأمر بالمجاهد عبيد عبد القادر المعروف بالبرقشي وقبل أن يربطنا موعد مع هذا البطل الذي كان له دور كبير في كتيبة سي ناصر تبادلنا أطراف الحديث مع الأمين الولائي السيد بوعكة الذي أفادنا بمعلومات في غاية الاهمية تتعلق بأهم الاحداث التي عرفتها ولاية عين تموشنت وبالأخص القرى التي كانت تحت السيطرة الاستطانية و كيف ساهمت بعض الاسماء الخالدة في تفجير ثورة التحرير بهذه الناحية المعروفة تاريخيا بتمركز العديد من المعمرين باعتبارها منطقة تمتاز بطابعها الفلاحي وأراضيها الغنية الخصبة. استهل السيد بوعكة كلامه عن العمل الثوري الذي تمركز في البداية بالمناطق النائية بوهران وعين تموشنت بما ان القادة الذين جندوا للهجوم كانوا يتنقلون بين هاتين المنطقتين في اطار التنسيق بين النواحي للشروع في تدريب المجندين على مستوى البوادي والأرياف وتحديدا بعد ما عرفت هذه المناطق زيارة الشهيد البطل العربي بن مهيدي وعبد الحفيظ بوصوف وعبد المالك رمضان وهم أعضاء مجموعة22 للجنة الثورية للوحدة والعمل الذين كانوا على اتصال مستمر انذاك بالعقيد سي عثمان قائد الناحية بهذه الولاية. تكوين الفوج بعد تأسيس المنظمة السرية ويمكن اعتبار ولاية عين تموشنت يضيف محدثتنا مهد ا للحركة الوطنية التي كونت جنود جيش التحرير الوطني وأكد أن فوج 17 تأسس بعد الخلاف التي نشب بين الحركة الانتصارية الديمقراطية ومؤيدي ميصالي الحاج وهو الانشقاق الذي مهد للعمل السري في سنة 1947 وفي سنة 1949 تشكلت القيادة تحت اشراف المجاهد ايت احمد حسين والمرحوم أحمد بن بلة وأحمد بوشعيب وتمت عملية الهجوم على مركز البريد بوسط مدينة وهران لتأمين السيولة لشراء الأسلحة حيث اسفرت هذه العملية على تحصيل مبلغ 3 ملايين لتهيئة الأرضية و تشكيل أفواج الجبهة عبر عدة مناطق من بينهم فوج 17 وخلال هذه الفترة التزمت الحركة الانتصارية التحفظ وبدأ التخطيط للفاتح نوفمبر بجبل سي بلقاسم بتارقة في البداية كان الفوج يضم عدد اقليلا من المجاهدين تم تعززت بأفراد أخريين تحت قيادة سي عثمان (بن حدو) بمنطقة العامرية حيث كان يتلقى الأوامر من القادة عبد المالك رمضان والحاج بن علي وعشية تنفيذ الخطة التي شملت عدة عمليات على اساس توزيع الوحدة المكونة من فوجين بالعامرية ومنطقة تارقة شريطة ان يتم تموينهم بالسلاح من وهران لكن العملية فشلت بعدما انكشف أمر المجاهدين الذين خططوا للهجوم على شاحنة السلاح التابعة للعدو بحي اكميل عقب تغيير الشخص الذي كان يعمل في فترة المناوبة الليلية مع الجيش الفرنسي وهو الذي كان على اتفاق مسبق مع المجاهدين على موعد وصول الشاحنة إلى الحي المذكور . فشل عملية تحويل السلاح من وهران إلى تارقة وعندما أحبطت هذه المحاولة بوهران وتطورت الاحداث اضطر بعدها المجاهدون الذين استأجروا سائق طاكسي يدعى ازولي وهو من جنسية يهودية الى قتله حتى لا يكشف عن هويتهم للمستعمر, وبالتالي لم يتمكن الفوج من الحصول على السلاح المطلوب بعد فشل عملية السطو بوهران وقبل ذلك يقول محدثنا ان هناك عملية اخرى كان يجري الترتيب لها عشية الفاتح نوفمبر وذلك بتاريخ ال 31 اكتوبر من عام 1954 حيث كلف كل من بن قانة صالح وبلحاج محمد وغرباوي حمو بتخريب طريق السكة الحديدية الرابط بين حمام بوحجر, وعين تموشنت لكن الجماعة التي زودت بالقنابل اليدوية فوجئت باختفاء الجهاز الذي يتحكم بالتفجير وبعد ذلك توجهت الجماعة نحو غابة صغيرة بالقرب من شاطئ تارقة حيث كانت بقية عناصر الوحدة بقيادة مسئول الناحية بن عودة واضح المدعو سي أحمد وفي اليوم الموالي أي الاثنين المصادف للفاتح نوفمبر انقسم الفوج الى مجموعتين الاولى بقيادة كويني عبد القادر المدعو سي الناصر والثانية بقيادة اسعد صالح وهي الجماعة التي كانت في انتظار قدوم السلاح من وهران مع العلم انهم كانوا يملكون بندقية خماسية واحدة فقط من صنع ألماني استعملت في الحرب العالمية الثانية والتي كانت تابعة لخشعي محمد صاحب المكان الذي كانوا بجتمعون فيه ومسدس واحد لا يعمل من نوع 7_65 ونظرا لتأخر وصول الذخيرة بقي افراد المجموعة لمدة 3 ايام مختبئة بالقرب من شاطئ تارقة . الوشاية وراء تعثر عملية تفجير السكك الحديدية و 4 نوفمبر الاشتباك مع العدو وأضاف بوعكة أن هؤلاء الأبطال كانوا على يقين انهم سيجازفون بدون اسلحهم خاصة وأنها اول مبادرة للهجوم على امل وصول الاسلحة لتنفيذ نداء الجبهة وفي مساء الخميس من تاريخ ال 4 نوفمبر وتحديدا على الساعة السادسة وقع اشتباك غير متوازن بين عناصر الجبهة وقوات الإحتلال التي طوقت المكان بسبب وشاية صاحبة المحل الذي كان يتردد المجاهدين عليه وفي هذه الأثناء إضطر بن بكاي رفقة بن دلة لجلب الماء من البئر ليتفاجأ في طريقهم بعساكر الإحتلال حيث هربا لإخبار البقية لكن المكان كان محاصرا ووقع اشتباك عنيف حيث امر قادة بن رحو بتفريق المجموعة داخل الغابة لتمويه العدو خصوصا وأن الضباب كان يعم المكان وفي اليوم الموالي تبادلا الطرفان اطلاق النار ليصيب المجاهد كويني ودركي من جانب العدو وتواصل الاشتباك الى غاية الساعة الرابعة واضطرت المجموعة إلى التراجع لعدم امتلاك الذخيرة متوجهة نحو الشاطئ ثم جبل سيدي قاسم بتارقة وهنا سقط الشهيد وقائد الفرقة برحو قادة المدعو سوعاجي جريحا واستشهد بعد القاء القبض عليه في ال 10 من نفس الشهر وهو يعتبر أول شهيد بالمنطقة في احداث نوفمبر . وواصل بوعكة حديثه عن ابطال الناحية الذين صنعوا ملحمة نوفمبر بمنطقة تارقة ونوه بان التخطيط للقيام بالعمل الثوري لم يكن عشوائيا وعدم التموين بالأسلحة غير مبرر لفشل المهمة بل العكس من ذلك حيث أرهبت مجموعة 17 الكولون والقوات الفرنسية التي بدأت تخطط لتعزيز القرى بالوحدات و الثكنات و وضع ابراج المراقبة وغيرها من وسائل البطش التي استعملتها ضد المواطنين في تلك الفترة كما لم تستند الحركة الوطنية على السلاح فحسب وإنما حضرت للموعد المشهود بكل ما اوتيت من قوة حيث عملت خلال 3 اشهر سبقت تلبية نداء بيان نوفمبر على صناعة القنابل اليدوية وهي المهمة التي اسندت للمجاهد بوزقاوي محمد الذي عمل مع الشهيد البطل احمد زبانة في تركيب المتفجرات حيث كان شهيد المقصلة متخصص في مجال التلحيم والترصيص وقد ساهم في صنع 57 قنبلة بينما كلف بوزقاوي احد افراد الفوج بجمع قارورات الاكسجين وآلات التلحيم والتقطيع بحكم عمله عند الكولون في مصنع العتاد الفلاحي وكان على اتصال مع قائد الفرقة السيد كويني ناصر الذي قاده الى مزرعة احمد بلخير بمنطقة حاسي الغلة التي كانت بمثابة ورشة سرية لصنع القنابل اليدوية . الشهيد زبانة شارك في صنع القنابل وكشف ذات المسئول أن المجموعة كانت على اتصال مع عمال مغاربة كانوا يزودونها بالأنابيب المعدنية والبارود ويساهمون بتقطيع الصفائح التي كانوا يجلبونها من سد بني بهدل بحكم طبيعة عملهم وختم الامين الولائي سرده للوقائع . بالقول أن الكثير من الأحداث التي شهدتها ولاية عين تموشنت لم تؤرخ في كتب التاريخ رغم المساعي التي تبذلها المنظمة ومديرية المجاهدين من أجل نفض الغبار عن تاريخ عريق لا يجب أن نكتفي حسبه بأكثر من تاريخ عادي نحتفظ به على صفحات الأجندة وحرص على العودة الي الماضي استنادا لشهادات الأحياء الذين بقوا يحتفظون بذاكرة قوية ولو أن عدد المجاهدين في تراجع كبير منهم من قضى نحبه و البقية تعاني الاسقام والعلل وأكد ان قصة كفاح الفوج 17 هي قطرة من بحر الأحداث التي عرفتها الثورة الجزائرية سواء بمدينة عين تموشنت أو بعض الولايات الاخرى التي شهدت أحداثا مماثلة لاسيما المناطق الغربية والحدودية ومن يبحث في تاريخها ويستدل بمصادر حية فإنه سيتفاجئ من دون شك بحقيقة الوقائع التي غيّبت لأسباب أو لأخرى . المجاهد عبيد المدعو البرقشي ابرز عناصر المجموعة يكشف للجمهورية: أصبت ب 3 رصاصات من عميل لفرنسا شهادة المجاهد عبيد عبد القادر المدعو" البرقشي" أحد أهم أفراد المجموعة 17 الذي زار مقر مديرية المجاهدين أثناء عودتنا في اليوم الموالي إلى مدينة عين تموشنت كانت مهمة في موضوع تحقيقنا الذي أماط اللثام على عدة من الحقائق يجهلها الكثيرون حيث وجدنا هذه الشخصية الهرمة رغم ثقل السنين تحتفظ بأدق تفاصيل الواقعة التي عاشها بل أنه كان رمزا من الرموز الشامخة التي ساهمت في صنع ملحمة بطولية على جبال تارقة و منطقة جبالة" التي تربطه بذكريات الكفاح الثوري المسلح وكانت لنا الفرصة لمحاورته ومعرفة الكثير عن الأحداث الثورية بهذه المنطقة كنا نعتقد في مستهل حديثنا معه أنه سيجد صعوبات في استحضار الأحداث التي عاشها لكنه فاجأنا بحماسه الكبير في سرد الواقعة بدون عناء بل ساهم الحاج عبيد في تأكيد صحة بعض المعلومات وشرحها بالتفاصيل' ويتذكر السيد البرقشي وهو اللقب الثوري الذي اشتهر به بدايته مع الكفاح حيث استهل مسيرة نضاله في سن مبكرة إذ كان مناضلا في حزب الشعب وهو لا يتجاوز سن ال16 ثم انضم لحركة انتصار الحريات الديمقراطية إلى جانب مجموعة من أبناء المنطقة أمثال كويني عبد القادر وواضح بن عودة ومزوار محمد وشارك في مظاهرات سنتي 52 و53 وتم إعتقاله عدة مرات ورغم انفلاته من قبضة العدو في ذات الفاتح نوفمبر عندما فرّ رفقة أفراد الفوج نحو جبال تارقة إلا أنه تعرض للخيانة بعدما أصيب بثلاث طلقات غادرة على مستوى الحوض برصاصة أحد عملاء فرنسا في اشتباك حدث بعد أحداث تارقة" بأيام قليلة . محدثنا أكد أنه كان ينشط رفقة سي ناصر مسئول الفوج و6 من زملائه الذين كانوا يتلقون تعليمات من القادة عبد مالك رمضان والعربي بن مهيدي بعد الانشقاق الذي وقع بين جماعة المركزيين و مصالي الحاج ليتم حل حزب الشعب وبعد تشكيل أعضاء ال 22 كانت تعقد اجتماعات سرية بالمركز القديم التابع للسيد بن خشعي محمد وهو المكان الذي اتخده الفوج الذي كان يقود ه سي ناصر المكون من 6 أفراد ويتعلق الأمر بكل من بن دلة علي , بن يوسف يوسف , بلحاج محمد ، كرارمة بن عودة والمتحدث وأردف المجاهد عبيد قائلا " تلقينا في بداية التحضير قبل صدور بيان نوفمبر تعليمات تتعلق بتوزيع مهام كل واحد منا وكلفت رفقة ثلاثة من زملائي بجمع المعدات المستعملة في صنع القنابل وقبل ذلك كلفنا بتبليغ مناضلي الحزب بتجميد الاشتراكات لكن مهمتي الرئيسية كانت متمثلة في جمع الوسائل المستعملة في تحضير القنابل ونقلها الى الورشة التي كانت مخصصة لتركيب المتفجرات بمرأب للدراجات متواجد بمنطقة حاسي الغلة والذي كان ملكا للمجاهد أحمد بلخير . " كلفت بجمع مواد المتفجرات و تمرير الرسائل " يتذكر السيد عبيد البالغ من العمر 79 والذي ترعرع في اسرة ثورية عانت من ويلات الاستعمار ما كان يقوم به لمساعدة رفاقه في أمور التموين بالمعدات وتمرير رسائل الجيش وغيرها من الأمور التي أفلح في تنفيذها حيث نجا بأعجوبة من قبضة الفرنسيين في العديد من المرات لكنه وقع في شراك العدو على ايدي الخونة الذين يعتبرهم سي برقشي أكبر عقبة كانت تفسد مخططاتنا في تلك الفترة واغلب العناصر التي ألقي عليها القبض بعد الفاتح نوفمبر زجت في السجن بسبب" الحركى" وعملاء فرنسا الذين كانوا يعملون عند "الكولون " . يقول ذات المتحدث " قبل ذلك اليوم كنا نجمع الوسائل والأسلحة البسيطة كالسواطير والخناجر والمسدسات الصغيرة فضلا على صناعة القنابل اليدوية وكنت انقل الانابيب المقسمة الى اجزاء وكذا مواد أخرى ممثلة في البارود الابيض و الفحم, الطين الصفراء , و الدفلة المرّة وزيت الخروع إلى الورشة المذكورة التي كان يعمل فيها زميلي زوقاوي والشهيد أحمد زبانة حيث كنا نتخذ من المقبرة القريبة مكانا لإخفاء اللوازم والإختباء من العساكر وعندما كنا نشعر بالأمان ننهي مسارنا باتجاه المأرب ولعلمكم ان تداولي مرارا على هذا المكان جعلني اتعلم بعض تقنيات تركيب القنبلة حيث كان يستعمل الشهيد أحمد زبانة رفقة زوقاوي معايير مضبوطة خاصة بمكونات القنبلة و اتذكر أنه كان يضيف مقدار 750 غ من الملح في العبوة الواحدة وحوالي 600 غ من بقية المواد وقد صنعوا أكثر من 50 قبلة في ظرف وجيز وزعت بوهران و4 قنابل بقيت بعين تموشنت . في ذلك الوقت سمعنا أن القوات الفرنسية حجزت قنبلة من نفس النوع بمدينة وهران ' وتم نشر صورة العبوة بجريدة صدى وهران التي كانت تصدر باللغة الفرنسية أنداك وما شد انتباهنا أن صاحب المقال أشار لمصدر صنع القنبلة ولحسن حظنا أنه لم يتم تحديد المكان بالضبط أما القنابل الأربع التي احتفظنا بها و كانت مبرمجة لنصب كمائن للعدو في عدة مناطق متفرقة بالولاية واحدة منها تكفل بنقلها المجاهد بن زرقة إلى المالح والبقية تسلمها زملائي بلحاج وغرباوي , علي بن دلة وصالح بوسعيد وكان من المفروض أن توضع في وسط المدينة بالقرب من مركز الأمن الفرنسي وأخرى تحت الجسر لكن العملية لم تتم بسبب عدم إحضار المفجر الذي تكفل بجلبه المدعو " تاقمي " عبد القادر الذي اختفى فجأة ولم يظهر عليه اي أثر منذ ذلك الحين ونفس المشكل الذي عانى منه أفراد المجموعة التي وزعت في منطقة الحساسنة ويتعلق الامر بكل مريني حاج ، عميري الطيب ، ميمون وسعيد شويرف . بعد ذلك لم يكن أمامنا سوى ترقبوا و صول السلاح الذي كان من المفروض ان يصلنا من وهران عقب احباط عملية التفجير ولم تكن الامور احسن حال بوهران لاأن عملية السطو على شاحنة لم تتم واضطر المجاهد شريط شريف الى ذبح اليهودي " أزولي" وهو صاحب سيارة الأجرة التي نقلتهم إلى حي أكميل بوهران ولم يتمكن محمد "فرطاس" الذي كان ينشط بمنطقة جبالة من الحصول على الذخيرة وفي ذلك الحين بقينا وان بقية افراد المجموعة ننتظر بمنطقة تارقة عملية التموين بالسلاح وقضينا فترة 4 ايام منذ عشية الفاتح نوفمبر مختبئين في الغابة وانكشفنا بعد أن قامت صاحبة محل وهي معمرة اسبانية كان زملائي يشترون من عندها الأكل والشراب بإبلاغ الأمن الفرنسي الذي طوق المكان بسرعة وفي هذا الوقت تم توقيف اربعة من زملائي وهم بوهة الحبيب, كرارمة بن عودة وأخريين من المالح وفر بن دلة الى منطقة ملوية باتجاه المغرب بينما تفرقنا في جبال سيدي قاسم بتارقة بتفويض من مسئول ناحية مالح برحو قادة الذي سقط شهيدا في هذه المعركة وهو يحمل السلاح الوحيد الذي كان بحوزتنا ممثلا في بندقية \المانية كانت ملك بلخشعي وهو الشخص الذي فتح بيته لعقد اجتماعات الفوج أثناء التحضير للعملية . وواصل الحاج عبيد حديثه المطول عن هذه المسيرة المظفرة قائلا: " كنا نعرف المكان جيدا وهو ما سهل على البعض الفرار في وسط الغابة والصعود إلى الجبل في هذا اليوم المبارك الذي تزامن مع حلول شهر رمضان وبأمر من القيادة لم نصم هذا اليوم لغرض تنفيذ المهمة لكن رصاص المستعمر كان يستهدفنا من كل النواحي وبقيت أركض رفقة سي ناصر في نفس الاتجاه وعند حلول الظلام تسللنا إلى منطقة جبل الوبر ناحية الحساسنة بينما بقية المجموعة تفرقت وانتشرت لتصل الحدود المغربية وبعد مرور أسبوعين تم القبض على زملائي من بينهم كويني عبد القادر المدعو سي الناصر الذي تعرض للإصابة و اختبأ في إحدى المغارات لكن البوليس عثر عليه واعتقله ومنهم من حول الى مراكز الدرك الفرنسي ببلدية المالح لتتم محاكمتهم بالمحكمة العسكرية بوهران .
أنا شاهد على واقعة إلقاء القبض على سي كويني وأتذكر جيدا أنني كنت متواجد في الجهة المقابلة عندما تم القبض على كويني في ليلة ممطرة ورأيت العساكر محاطة به وهو مكبّل اليدين و جالس على ركبتيه حيث وجه أحد جنود الاحتلال بندقية نحو رأسه لكن قائد الفرقة أمر باعتقاله واقتياده الى مركز الدرك التابعة للناحية وسمعت انه حول بعد ذلك الى سجن" سركاجي "و في هذه الأثناء بقيت اتردد على منازل الأهالي بالقرى وعلمت بإلقاء القبض على والدتي التي حولت إلى سجن المالح حيث أرادت القوات الفرنسية إجبار عائلات المجاهدين على الاعتراف أثناء جلسات الاستنطاق لنني واصلت الهروب والتقيت بالمجاهد إدريس محمد بمزرعة الفرنسي بونار لكننا تفاجئنا بوجود العساكر وفررنا باتجاه الوادي على وقع تبادل إطلاق النار وعندما حاولت انقاذ زميلي سقطت جريحا وما حز في نفسي ان من اطلق علي ثلاث رصاصات على مستوى الحوض كان عميلا لفرنسا يقطن بمنطقة عين الأربعاء ليتم القبض علي وبقيت في المستشفى لمدة 16 يوما وحكم علي ب5 سنوات سجنا داخل الزنزانة تعرضت للأبشع طرق التعذيب حيث كان المعمرون الأسبان يتفننون في تعذيبنا بل هم المجرمين الذين كانوا يقطعون لحوم الجزائريين في سجون الاحتلال آنذاك كما أنني لم أنس عندما سقطت جريحا أن أحد الجنود الفرنسيين أسقاني جرعة ماء قبل نقلي إلى المستشفى لكنني عانيت الامرين في سجن" سركاجي" أين تعرضت للتعذيب بكل أشكاله وهناك من استشهد وهو مكبل بالأسلاك الكهربائية ولا زلت اشعر بالرعشة عندما استحضر صور العذاب الذي تلقيته على أيدي المستعمر الغاشم حيث كنا نجبر على شرب الماء والملح إلى حد انتفاخ البطن تم يدوس العساكر على بطوننا حتى يخرج المء من الأنف والأذنيين لا يمكنني أن أصف لكم حقيقة العذاب الذي عانيناه بعد اعتقالنا خصوصا في سجن سركاجي والحمد لله أنني عشت إلى غاية تحقيق النصر وتحرير البلاد من قبضة الاحتلال تم عملت بعد الاستقلال بمصنع للحبوب إلى إن أحلت على التقاعد... يتبع ت ر