نظمت أمس وحدة البحث حول الثقافة و الاتصال و اللغات و الآداب و الفنون بالمركز الوطني في البحث للأنتروبولجيا الاجتماعية و الثقافية بالسانيا وهران ، و بالتعاون مع جريدة الجمهورية يوما دراسيا حول الراحل " بلقاسم بن عبد الله "وفي مبادرة الأولى من نوعها بولاية وهران ، بمشاركة نخبة من الأساتذة و ابرز الأسماء الثقافية يتقدمهم مدير الوحدة محمد داود و الشاعرة " أم سهام " ،مدير جريدة الجمهورية السيد " بوزيان بن عاشور " ، الباحث " ملياني الحاج " ، الأستاذ " عبد الحكيم الصايمي " ، الأديب و المفكر " بودواية بلحيا" ، الأستاذ " ناجح مبارك " ، و الأستاذ " الزاوي عبد الرحمان " ، إضافة إلى الدكتور" حمو عبد الكريم " و كذا الشاعرة و رئيسة القسم الثقافي بجريدة الجمهورية " برياح زهرة " ، و الشاعرة " دليلة حساين دواجي " ، حيث أدلى هؤلاء بشهاداتهم حول الفقيد معددين مناقبه وخصاله الحميدة التي اتسم بها خلال مشواره الأدبي و الثقافي العبق ، فكان للحاضرين فرصة التعرف على خبايا شخصية " بن عبد الله" ، و أهم الصفات الانسانية التي عرف بها على لسان أصدقائه وزملائه من أساتذة وإعلاميين اثروا النقاش في فترة زمنية كانت كفيلة بإماطة اللثام عن الفقيد الذي عنا مخلفة وراءه إرثا أدبيا نقديا و إعلاميا لا يستهان به في المشهد الفكري الجزائري. شهادات حية حول الراحل " بلقاسم بن عبد الله " الشاعرة " أم سهام " : " معروف بحبه للرأي الآخر " في الحقيقة لقائي الأول الذي جمعني بالراحل " بلقاسم بن عبد الله " جاء على هامش زيارة " نزار قباني " إلى وهران عام 1979 ، عندما كان يواجه حملة مسعورة شنت ضده من طرف الشاعر المغربي "حسن المراني " في قصيدته " رفضناك يا بائع الكلمات " ، التي نشرت في 19 أفريل 1979 على صفحات النادي الأدبي وكذا الدكتور العراقي " هادي حسان حمودي " الذي كان يدرس وقتها بجامعة وهران ، و في تلك الفترة بالذات اتصل بي المرحوم لأول مرة بعد أن أخبره زميلي " لخضر بن عبد الله " بأنني أملك رسائل " نزار قباني" ، وعددا من المراسلات التي تدافع ، و ترد على الحملة الشرسة التي شنت ضده ، وبعد أن طلب مني " عبد الله " المشاركة في النادي الأدبي و كتابة مقالات ودراسات حول " قباني " وافقت فورا ، و قدمت حوالي 5 دراسات على غرار " دواليب الهواء " و" رياح نزار قباني " و لأن جريدة الجمهورية كانت معروفة بالسخاء فقد منحت صفحة كاملة ، وبعد ان أصبح هذا الأخير خلال عدده 362 مستقلا عن القسم الثقافي كون المرحوم " بن عبد الله "هيئة تحريرية مع مجموعة من الكتاب و الصحفيين مثل " عمار بلحسن" رحمه الله ، " عمار يزلي" ، " بختي بن عودة " رحمه الله و " ربيعة جلطي " التي كانت تقرأ الانتاجات الأدبية ، أما أنا فتكفلت بركن يعالج مواضيع نقدية مختارة من بعض المجلات لمدة عامين كاملين ، إضافة إلى النادي الأدبي عملت مع الراحل الذي عرف بحبه للرأي الآخر أيضا في الحصة الإذاعية " دنيا الأدب " التي كان يعدها رفقة " زهير العلاف " ، حيث اشتغلت معهما عندما انتقل البث إلى وهران و استمريت معه لمدة 9 سنوات كاملة ،أما ثالث محطة تعاونت فيها مع الراحل فكانت في اتحاد الكتاب الجزائريين ، و أنا كنت حينها مسؤولة عن النشاط الثقافي ، حيث نظمنا العديد من الملتقيات والمنتديات على غرار " الأيام الأدبية "التي نظمت في موسم " سيدي الهواري " ، أما المحطة الرابعة فكانت بمؤسسة " مفدي زكرياء " ، وفي تلك الفترة بالذات عرف عن " بن عبد الله " خدمته لشعر " مفدي " ، فكان من السباقين الذين كسروا الجدار و كتبوا عنه، كما كان أيضا عضو في الأمانة الوطنية ،أما أنا فقد أسند ت إلي مسؤولية إدارة " فرع وهران " للمؤسسة التي ما زلت أنشط بها لحد الآن . مدير جريدة الجمهورية السيد " بوزيان بن عاشور " : " استطاع أن يزاوج بين الفكر العربي المتفتح و الفكر الفرنسي " المرحلة التي عرفتها جريدة الجمهورية بعد التعريب أي أواخر السبعينات و بداية الثمانينات ورغم أنها كانت رهيبة ، إلا أنها شهدت قدوم جماعة مفرنسة على غرار " محمد صالح " و " محمد كعوش" و أنا شخصيا ، حيث فتحت هذه النخبة المجال لتكون الكلمة حرة ، خصوصا بقدوم السيد " عيسى عجينة " على رأس الجريدة كمدير عام ، و الذي كانت لديه شجاعة كبيرة وحرية أكبر خاصة في المجالين السياسي و الثقافي ، و بما أنني كنت حينها رئيس القسم الثقافي باللغة العربية ، فلا أخفيكم علما أن النادي الادبي في البداية كان تابعا للقسم ، و الجماعة التي ذكرناها سابقا مثل " عمار يزلي " و " عمار بلحسن " رحمه الله ، و " أمين الزاوي" ، قبل أن يمروا بالنادي مروا على القسم الثقافي ، و بطبيعة الحال، فالراحل " بن عبد الله " كان من المعربين القلائل و المتفتحين الذين لم تكن لهم أية مشكلة مع المفرنسين عكس الكثير من الصحفيين بالجريدة ، حيث أنه عرف كيف يبني العلاقة المفيدة بين " المفرنسين" الذين كانوا باقين في اليومية و المعربين ، كما كان يؤمن ايمانا قويا بالرأي الآخر ، وكان أول من فكر في الترجمة و الآخر ، كان الفقيد متفطنا في تلك المرحلة و انسانيا إلى أبعد الحدود، وعندما غادر جريدة الجمهورية بقي وفيا لها ، بدليل أنني عندما عينت على رأس الجريدة سارع لتهنئتي و طلب مني المشاركة في الكتابة على صفحات اليومية ، و بالطبع أرسل لنا موضوعا خلال الأسبوع الأول ، و أكثر شيء ميزه هو ايمانه بالرسالة التي يقدمها ، سواء في كتاباته باللغة العربية أو تلك المترجمة ، حيث انه كان يرسل لي مواضيعا مترجمة بالفرنسية و يطلب مني المساعدة قائلا " واش رايك ؟؟ ، و أنا شخصيا كنت أحب التعامل معه ..في الأخير لا يمكنني القول سوى أن المرحوم كان رجلا سياسيا محنكا ، لأنه استطاع أن يزاوج بين الفكر العربي المتفتح و الفكر الفرنسي . الأستاذ " الزاوي عبد الرحمان " : " كان قطبا مؤسسا لما يسمى بالأدب الصحفي" أعرف المرحوم " بن عبد الله" من خلال قراءاتي للنادي الأدبي أولا ، ومن خلال تتبعي للمسار التاريخي الذي سلكته جريدة الجمهورية على المستوى الوطني وعلى مستوى العالم العربي، فالراحل أسس لعلاقة بين ما كان يسمى بالأدب الجزائري المكتوب باللغة الفرنسية و العربية ، ففي زمن السبعينات كان الأدب الجزائري مكتوبا باللغة الفرنسية ، بمعنى أننا ورثنا عن الحقبة الاستعمارية كتابا جزائريين لهم سمعة عالمية على غرار " مولود معمري " ، " كاتب ياسين " و " محمد ديب "...وغيرهم من الذين كتبوا و أسسوا للأدب الجزائري المكتوب باللغة الفرنسية الذي أصبح صيته على المستوى العالمي ، ثم ظهرت فئة أو مجموعة جديدة ترأسها أبو الرواية الجزائرية " الطاهر وطار" ، ثم صاحب " ريح الجنوب " " عبد الحميد بن هدوقة"، فأسسوا لتيار عروبي يكتب باللغة العربية مقابل ما كان مؤسس باللغة الفرنسية ،و هنا ظهر الاستاذ " بلقاسم بن عبد الله " كمحاول للجمع بين التيارين الفرنكفوني و التيار المعرب الجديد ، فهو كان قطبا مؤسسا لما يسمى بالأدب الصحفي ، فالنقطة الايجابية التي تحسب له أنه حاول أن يجمع بين جيلين جيل قديم وجيل يصبو إلى بناء فكر أدبي و نقدي على مستوى الجامعة ، " الكراسك " و " الكريديش" ، ولحد الآن عندما أعود إلى مكتبتي الخاصة أجد الكثير من المطبوعات بآلة " الروميو "، فالكثير من القصص و الروايات التي هي الآن تحسب للأدب الجزائري كتبت أصلا ب " الروميو"، وكان هذا الأخير من أبرز المساهمين فيها . الباحث " ملياني الحاج " : " الوحيد الذي جمع المعربين و المفرنسين " الراحل " بن عبد الله " رجل كانت لديه سمة لا يملكها الكثيرون وهو التواضع ، كما كان الوحيد الذي يجمع المعربين و المفرنسين ، وهو أكثر ما ميزه عن غيره من المثقفين الجزائريين .. ففي أواخر السبعينات و بداية الثمانينات ، كنت أعمل رفقة " حفيظ قافايتي " و " ابراهيم حاج سليمان" ومجموعة من الصحفيين في إحدى المجلات الكتوبة باللغة الفرنسية التي كان يكتب بها " كاتب ياسين " ، وكان ملحق " الشعب " و " المجاهد " نموذجين هامين بالنسبة لنا ، حيث اذكر حينها أنني اتصلت بالراحل " بن عبد الله " و أجريت معه حوارا مطولا حول النادي الأدبي ، ثم قمت بنشره في مذكرتي ، النادي الأدبي كان يتناول مواضيع هامة لشهور متتالية ، و ليس مرة واحدة وهذا أمر ايجابي ، كما كان يسلط الضوء على قضايا راهنة تهم المثقف بالدرجة الأولى مما ينجم عنه تقديم نقاشات ثقافية وفكرية بناءة بكل مقاييسها ، نذكر منها موضوع " الأدب الشعبي " ، " الأدب الثوري " ، و " أدب الأطفال " الذي انفرد به النادي عام 1979 ، أما الشخصيات اليت سلط عليه الضوء نذكر " محمد ديب " ، " محمد العيد آل خليفة " ، " كاتب ياسين" ، " مفدي زكرياء" ، " رشيد بوجدرة " ، " طاهر وطار " ، " مولود فرعون " و " عبد الحميد بن هدوقة" ، إضافة إلى شخصيات أدبية عربية و أجنبية .. إذن فالنادي الأدبي هو محطة هامة للذاكرة الأدبية الجزائرية و لابد من العودة إلى الارشيف لأنه يضم أمورا هامة في التاريخ الأدبي لابد من إحيائها . الشاعرة " برياح الزهرة " : " كان وفيا للنادي الأدبي " " بلقاسم بن عبد الله " علاقتي به كانت و أنا طالبة في الثانوية ، عندما كنت أتصفح النادي الأدبي و أحتفظ به ، أول لقاء لي معه - رحمه الله - كانت في إذاعة الباهية نهاية 1991 في حصة " دنيا الأدب " ، وهو برنامج يستضيف بعض المواهب الشعرية و الأدبية ، بعدها توالت لقاءاتي معه في أمسيات شعرية و ملتقيات أدبية ، و عام 1996 كنت أعد ركن " الأوراق الأدبية " في جريدة الجمهورية الأسبوعية ، و كان " بن عبد الله" يشجعني كثيرا و يطلب مني مواصلة العمل الثقافي ، كما أصر على إحياء النادي الأدبي من جديد ، وعلى هذا الأساس وبعد 25 سنة من توقف النادي ، و في إطار الملتقى الذي نظمته اليومية عام 2013 حول "عز الدين ميهوبي "، طالب المرحوم رفقة عدد من الأدباء بإرجاعه من جديد على الصفحات ، و بالفعل كانت بداية جديدة للنادي الأدبي ، و أنا بدوري استغليت الفرصة و اتصلت ب " بلقاسم " طالبة منه إشراك جميع الذين شاركوا في تأسيس الملف من قبل على غرار" الحبيب بسايح " و الشاعرة " أم سهام " ، ومن أهم مزايا الراحل أنه كان وفيا للنادي الأدبي كل تلك الفترة ، ورحيله كان فاجعة وصدمة كبيرة لنا جميعا ، لاننا نحبه كثيرا فهو ابن الجريدة وواحد منا . الأستاذ " نجاح عبد القادر" : " متواضع و غير متحيز " عندما تعرفت على الراحل " بن عبد الله "كنت طالبا في أول دفعة في علم الاجتماع بوهران ، كان يقول لي " واش تقرا في علم الاجتماع ؟؟ " ، و في الحقيقة هو شخصية مستقلة بذاتها ، و متواضعا و غير متحيز ، و مثقف حر ، كما أنه كان متفتحا على كل الثقافات ، كان المرحوم لديه اتصالات و خيوط جمة ، ففي بداية السبعينات كان لديه مشروع بأن يكتب عن الشاعر الكبير " مفدي زكريا " و يجمع جميع المثقفين و المبدعين المزابين من غرداية في مدونة معجمية ، لكن للأسف اختطفه الموت قبل ان يحقق مشروعه ، فيكفي أنه رجل لا يؤمن بأن الجزائر مقسمة إلى قسمين : مفرنس و معرب