إحتضنت قاعة متحف السينما الجزائريةبوهران أمس بصدر رحب وبإعتزاز وفخر كبيرين العرض الأول لفيلم "الخارجون عن القانون" من توقيع المخرج الجزائري الأصل المتميز والمتألق رشيد بوشارب الذي حرص كل الحرص على عرض فيلمه بعاصمة الغرب موازاة مع نزوله إلى قاعات السينما الفرنسية التي لا تزال تشهد موجة غضب عارمة وتعيش على وقع مسيرات متشتة هنا وهناك، تعمل على تحريضها أقلية حاقدة ضد العمل ومخرجه على حد سواء. فمهما أثير من جدل ومهما إشتدت موجة الإحتجاجات ومهما بلغت حدة الإنتقادات فلن تكون إلا مجرد زوبعة في فنجان ليس إلا... طالما أن الفيلم أنجز وأختير لينافس أقوى الأفلام العالمية في المسابقة الرسمية لمهرجان كان السينمائي الدولي الصائفة الماضية، وها هو اليوم يحظى بإقبال جماهيري كبير، داخل الوطن وخارجه، بعدما أثار فضول الجمهور لمتابعة أحداث فيلم أسال الكثير من الحبر لا لشيء سوى أنه تطرق إلى محطات هامة وحساسة من تاريخ حربنا المجيدة وثورتنا الخالدة ضد الإستعمار الغاشم وسلط الضوء على ما إرتكبه من مجازر وجرائم في حق شعب أعزل أمن بحرية وطنه الغالي، وقاوم الإحتلال وبطشه وضحى بالنفس والنفيس فكان له النصر المبين.... مجازر 8 ماي 1945 من نهاية فيلم "أنديجان" أو "الأهالي" جاءت بداية قصة "الخارجون عن القانون" لتفتح صفحة أخرى من صفحات تاريخ حرب التحرير الوطنية المجيدة من خلال وقفات تاريخية مع ذاكرتنا الجماعية الجريحة، ومراحل جد حساسة سلط عليها رشيد بوشارب الضوء فلم يلق من الحاقدين إلا اللوم !! لأنه كشف عن حقائق لا تزال تزعج الظالمين الممجدين للإستعمار، لا سيما وأن الفيلم يتضمن مشاهد قوية ومؤثرة من أول لقطة التي يعود تاريخها إلى سنة 1925، عندما يطرح فلاح الذي جسد دوره الفنان الكبير أحمد بن عيسى وزوجته التي تقمصت شخصيتها الفنانة القديرة شافية بوذراع وأطفاله الثلاثة مسعود (رشدي زام) وعبد القادر (سامي بوعجيلة) وسعيد (جمال ديوز) من الأرض التي ولدوا فيها وترعرعوا بين أحضانها وأفنوا حياتهم في خدمتها، وإقتاتوا من غلالها، فما كان لهذه العائلة الفقيرة إلا الرضوخ والمثول لقانون ظالم وغير عادل، جردها من أغلى شيء لها في الوجود، بكت بحرارة وحرقة لحظة المغادرة، وشدت الرحال رغما عنها بإتجاه مدينة سطيف، وتشاء الأقدار أن يعايش أفرادها المجازر (8) ماي 1945 حيث يستشهد الأب وتكابد الأم صدمة عنيفة وتتولد لدى الأبناء الثلاثة رغبة الإنتقام ومكافحته الظلم والطغيان لا سيما بعد تلك المجازر والأحداث الأليمة التي إرتكبها المستدمر في حق أبناء شعبنا مشاهد يندى لها الجبين، وتدمع لها العين وتحرق القلوب وتقشعر لها الأبدان .... ويتجلى ذلك بووضح عندما يقدم سعيد أصغر إخوته على طعن "قايد" قريتهم، الذي أبلغهم بقرار إخلاء الأرض بأمر من السلطات الإستعمارية حتى يثأر لوالده ومن تم لعائلته ولنفسه أيضا. مصير متشتت تتطور وتيرة الأحداث بإختلاف مصير هؤلاء الإخوة الثلاثة حيث يعتقل عبد القادر بأحد السجون الباريسية ويجند مسعود إجباريا في صفوف الجيش الفرنسي للمشاركة في حرب الهند الصينية. أماسعيد فيقنع أمه بمغادرة أرض الوطن والإنتقال للعيش بفرنسا حتي تكون قريبة من إبنيها، توافق الأم بعد إلحاح كبير من ولدها الأصغر، فيغادران الجزائر في شتاء 1955 بإتجاه باريس وسيتقر بهم الأمر بحي قصديري، وما هي إلا شهور حتي يعود مسعود في خريف 1956 ويطلق سراح عبد القادر ليتلتئم شمل العائلة من جديد بديار الغربة. تتسارع وتيرة الأحداث هذه المرة، عندما ينضم عبد القادر إلى الحركة الوطنية الجزائرية ويصبح أحد قيادي حزب جبهة التحرير الوطني بباريس رفقة شقيقه مسعود، فيدعمان الثورة بكل ما أوتيا من قوة، عكس سعيد "الباندي" هكذا كان يلقب الذي إختار طريق المال والأعمال عن طريق فتح ملهى ليلي أطلق عليه اسم "القصبة" وكذا الإستثمار في رياضة الفن النبيل، وتكريس وقته في تكوين أقوى الملاكمين وهي هواية أحبها منذ أن كان في عاصمة الهضاب العليا سطيف، متفاديا بذلك الإنخراط في العمل السياسي الذي إكتفى بدعمه بأمواله فقط. أحداث 17 أكتوبر 1961 أربكت العمليات الفدائية التي كان يقودها عبد القادر ومسعود المستعمر في عقر داره ولم يسلم منها حتى أبناء الوطن ممن خانوا الثورة ولم يجد العدو من وسيلة للثأر إلا يتفجير الحي القصديري خلال حفل زفاف مسعود، تمر السنون العجاف، ويغادر عبد القادر باريس بإتجاه ألمانيا سنة 1960، وهناك يخطط لتنظيم مسيرة سلمية لإيصال صوت الجزائر إلى العالم برمته، والتأكيد جهرا على حقها المشروع في الحرية ورفضها القاطع للظلم والطغيان الذي يمارسه الإستعمار الغاشم، وبعد سلسلة من العمليات يستشهد مسعود سنة 1961، وفي نفس السنة يسقط أيضا عبد القادر في ميدان الشرف خلال أحداث 17 أكتوبر وينتهي الفيلم بإستقلال الجزائر في 5 جويلية 1962 بمشاهد حقيقية تعكس الفرحة بنعمة الحرية، إستعان بها المخرج من الأرشيف. بعد مضي ساعتين و18 دقيقة جاء جنيريك النهاية بعدما أيقظ الفيلم فينا أوجاع ذاكرة جريحة وكم كانت مؤلمة عندما إستحضرنا وقائعها وأحداثها على الشاشة الفضية، لقد حاول بوشارب إستعراض محطات هامة من تاريخ حرب التحرير الوطنية ومسار ثورتنا الخالدة التي جاءت مشاهدها مشرفة كما سلط الضوء على كل أشكال الظلم والإضطهاد والتنكيل الذي مارسه الإستعمار في حق مواطنين أبرياء من خلال مشاهد قائمة السواد، كشفت النقاب عن الخارجين عن القانون ! ومن خان الثورة من أبناء الوطن من جهة، ومن تعاطف مع قضيتنا العادلة من الفرنسيين وساندها من جهة أخرى. تركيز على الجانب التقني إشتغل بوشارب كثيرا على الجانب التقني في هذا الفيلم. وهذا أمر طبيعي بإعتبار أنه عمل سينمائي بالدرجة الأولى وليس فيلما وثائقيا حيث أظهر إمكانيات معتبرة في صناعة صورة ذات المستوى العالي والعالمي على الطريقة الهوليوودية، وتجلى ذلك بوضع في كيفية التنقل من صور الأبيض والأسود وتوظيف الأرشيف إلى مشاهد الألوان لسرد حقائق تاريخية، تخللتها لقطات خيالية زادت من جمالية العمل. قدم الفنان الكبير أحمد بن عيسى دورا قويا رغم أن مهمته إنتهت في مجازر 8 ماي 1954، وجسدت الفنانة القديرة شافية بوذراع شخصية في منتهى الروعة، شأنها شأن سامي بوعجيلة ورشدي زام، أما جمال دبوز ورغم أنه نجح في الدور الذي أسند له إلى حد ما إلا أنه وجد صعوبة جمة في التخلص من لهجته الأصلية، والتحدث باللهجة مما جعله غير مقتع كشخصية جزائرية محضة في الفيلم، ويبقى ذلك من إختيار المخرج الذي فضل الإحتفاظ بنفس أبطال فيلم " أنديجان" في " الخارجون عن القانون" بإعتبار أنها كل قصة مكملة لأخرى.... للعلم سيواصل عرض الفيلم بقاعة سينماتيك وهران إلى غاية نهاية شهر أكتوبر الجاري