انفتحت شهية حزب نداء تونس الذي يقوده الثمانيني السياسي المخضرم الباجي قايد السبسي ذو الفكر البورقيبي للرئاسيات بعد الحصاد الوفير الذي حققه في الانتخابات التشريعية حيث فاز ب 85 مقعدا (و لو أن النصاب لا يمكنه من تشكيل الحكومة لوحده لأنّه لم يفز بالأغلبية ) و تبدو حظوظه وفيرة لكن رغم ذلك فالتكهن بفوزه يبقى صعبا و سبر الآراء و استطلاع الجو العام للانتخابات لم يعد الترمومتر الذي يُعتمد عليه في الحالة التونسية بعد السقوط الذي لحق بحزب النهضة الاسلامية في التشريعيات الأخيرة حيث راهنت عليه عديد الأوساط من أجل الظفر بالأغلبية و تكوين الحكومة إلّا أن العكس هو الذي حصل و خرج حزب الغنوشي من كل الاستحقاقات خالي الوِفاض . و يبدو واضحا من خلال الجو العام الذي أفرزته التشريعيات التي جرت في أواخر شهر أكتوبر و التي وضعت كل حزب و تيّار في موقعه الحقيقي من خلال الإرادة الشعبية أن كل المترشحين للوصول إلى قصر قرطاج يبحثون عن تحالف مهما كانت شعبية أو نقاط القوة لهذا المترشح أو ذاك و حتى نداء تونس الذي فاز في التشريعيات الأخيرة و رشح الباجي قايد السبسي لا يمكن التكهن بفوزه و دليل ذلك اللقاء الذي جمع الغنوشي و السبسي في منزل هذا الأخير و لم يتسرب أيُّ شيء عن المحادثات بين الرجلين لكن هذا يبرر بأن نداء تونس يبحث عن دعم من حزب كبير مثل النهضة، و يعلل لماذا أرجأ السبسي تكوين الحكومة إلى ما بعد الرئاسيات التي تنطلق اليوم الأحد 23 نوفمبر و نفهم سبب اعلان النهضة عدم دعم الرئيس المنتهية ولايته منصف المرزوقي . و في عدم إعلان نداء تونس عن الحكومة المقبلة أيضا استراتيجية مهمة تقرِّب إليها الأحزاب و الشخصيات التي ترغب في الحصول على حقائب وزارية ،و بالتالي فأنّ نداء تونس هو الحزب الذي استفاد بشكل لافت من الانتخابات التشريعية الأخيرة بكل أبعادها . و يعِيب كثير من السياسيين على نداء تونس تقديمه مرشح طاعن في السن قد لا يواكب الديناميكية التي يتطلبها كرسي الرئاسة و لكن السبسي قال بأنه بخير و يود خوض التجربة لأنّه مرشح تونس القرن الواحد و العشرين و لديه وجهة نظر و برنامج عمل يمكنه من الوصول بتونس إلى مصاف الدول المتقدمة التي تواكب تغيّرات العصر الحالي . ويعاب على الحزب في حالة فوزه بالانتخابات الرئاسية تواجده في كل مؤسسات الدولة التشريعية و القضائية و التنفيذية و بالتالي الاقتراب من الأحادية مهما كانت المشاركة الحزبية أي أنّ تونس لم تخرج من جلباب حكم زين العابدين بن علي الانفرادي. كما أنّ الاستحواذ على السلطات من طرف حزب واحد قد تؤجج ضده الوضع الأمني في وقت تعرف فيه الحدود التونسية مع الجزائر و ليبيا حالة من اللاأمن بفعل نشاط الجماعات الإرهابية . الباجي قايد السبسي الليبرالي الخصم اللدود للإسلاميين المخضرم بين حكم بورقيبة و بن علي و الذي أسس حزب نداء تونس في 2012 فقط قال لباراك أوباما أن الإسلام لا يتعارض مع الديمقراطية و أن حزب النهضة ليس كالآخرين ثم عاد إلى السياسة ليعتذر للتونسيين عما أسماه خطأ عندما زكى حزب النهضة لدى الرئيس الأمريكي واصفا الإسلاميين بالظلاميين و الذين توقفوا عن التحضر منذ القرن الرابع عشر . و أعاب على حزب النهضة التراخي في التعامل مع عنف الجماعات الإسلامية المتطرفة بعد الانتفاضة الشعبية ضد حكم بن علي.