أحيا أمس الشعب الجزائري الذكرى السبعين لمجازر 8 ماي 1945 هذه الأحداث الأليمة التي اقترفتها فرنسا الكولونيالية في حق الجزائريين والجزائريات، بغير وجه حق لا لشيئ سوى لأنهم خرجوا بهتافات النصر للحلفاء الذين هزموا النازية الهتلرية والفاشية الايطالية ومن كان يدور في محورهم فرددوا عبارات تكريس حق تقرير المصير، والحرية والانعتاق، كغيرهم من شعوب العالم، التي اغتنمت هذا النصر، لتؤكد الزامية تطبيق وعود الحلفاء المنتصرين بتمكين البلدان المحتلة تحت سيطرتهم من الاستقلال، ولا غرابة في هذه المطالب المشروعة التي اقتنع بها الشعب الجزائري وكرستها الأممالمتحدة كمنظمة رأت النور بعد الحرب الكونية الثانية وتبنت ميثاق الأطلنطي الذي يعد اليوم دبياجة هذه المنظمة. ففي الثامن ماي، هبّ الالاف من أفراد الشعب الجزائري في كل المدن، مطالبين بحقهم المشروع في الاستقلال، وهم مسالمون مجردون من كل سلاح سوى سلاح الوطنية الجياشة وفلسفة كسر قيود الاستدمار، فكان جواب الطغمة العسكرية الفرنسية وقتها ان واجهت المنطق بمنطق القتل والتنكيل والرمي بالرصاص وإبادة الجزائريين في ڤالمة وخراطة وسطيف وسكيكدة وكل مدينة من الجزائر، فتجرد عساكر الاحتلال من شرف والبذلة النظامية وتحولوا الى كواسر جارجة، فكان بوزيد سعال اول شاب يسقط شهيدا في تلك المسيرات ليتحول المظهر الى مأتم، وكان احصائيات ارسلها القنصل الامريكي بالجزائر وقتها تشير الى سقوط اكثر من 45 الف شهيد، واصفا المشهد بالرهيب، وتبارى غلاة الاحتلال الفرنسي من ملاك ومعمرين وشرطة وجندرمة وفرق مسلحة في التقتيل ويروي من كانوا شهود عيان تلك المأساة ان جثث الشهداء كان يؤتى بها بالشاحنات المزنجرة وترمى في مناطق «كاف البومبا» بنواحي ڤالمة وفي وديان خراطة وسطيف وفي الكهوف لتحرق بالنار كي تطمس فرنسا كل معالم الجريمة ضد الانسانية وبعيد تلك المجازر، التي شكلت منعطفا حاسما في تاريخ الحركة الوطنية تبقى المناضلون الجزائريون، الذين كانوا منضوين في حزب الشعب ان فرنسا، لا تنوي الخروج من الجزائر، وان السياسة واساليبها اصبحت عديمة الجدوى في طاولة السجال مع قادة الاستعمار وان الوقت قد حان للتفكير في تنظيم مسلح وعسكري يكون له شرف تحرير الوطن وتوحيد كلمة الشعب لبلوغ الاستقلال الوطني. وأنشأ الشهيد محمد بلوزداد، المنظمة السرية المسلحة «لوس» التي تحركت بقوة لجمع الاموال والاسلحة سواء من داخل الوطن أم خارجه، وأبلى المناضلون حينها كلمين دباغين والشاذلي المكي، وبوضياف وبن بلة البلاء الحسن لدى الأشقاء والاصدقاء، خصوصا وأن الجامعة العربية كانت حديثة النشأة وكان كبير مناضلي ومثقفي حزب الشعب الشاذلي المكي ممثلا للحزب لدى القاهرة. فرحب الأمين العام للجامعة العربية حينها المناضل الفذ عبد الرحمن عزام بفكرة حرب التحرير، وسعى للترويج للمشروع التحرري لدى الدول العربية. أما بالجزائر فالمجازر الشنيعة، تركت اثارا عميقة في نفسية الشعب، وتكونت لديه قناعة راسخة بأن ما سلب بالقوة لا يسترجع الا بالقوة (...) وهكذا وبعد اكتشاف خلية «اللوس» من قبل الاستخبارات الفرنسية، نفي بعض اعضائها وسجن البعض الاخر، وتوجهت الجهود الى تكثيف مسار الوحدة والعمل المسلح، واجتمع اعضاء مجموعة ال22 التاريخية بفيلا بحي المدنية بالعاصمة وبعد نقاش مستفيض قرر الجميع الذين مثلوا كل مناطق الوطن، الاعلان عن جبهة التحرير الوطني كتنظيم ثوري يقود الكفاح ابتداء من الفاتح نوفمبر على الساعة صفر وبعد مرور 70 سنة على هذه الفظاعات، فإن الذاكرة الجزائرية تأبى النسيان لجرائم وثقت بالدليل والبيان باعترافات سفاحي الجيش الاستعماري كأوساريس الذي أقرّ أمام الملأ بقتله للشهيد بن مهيدي وبومنجل، والجنرال شميت الذي اشرف على تعذيب مجاهدين ومجاهدات كلويزة ايغيل أحريز والقائمة السوداء لما اقترفته فرنسا طويلة، ستنكشف عورتها امام محكمة التاريخ لتدحض بهتان الاحتلال كونه يحمل قيم التحضر والانسانية وهو الذي خلع ثيابها ابان فترة احتلال للجزائر.