ألقى الوزيرالأول عبد المالك سلال اليوم الأربعاء ببسكرة مداخلة لدى افتتاح أشغال اجتماع الثلاثية (حكومة-نقابة-أرباب عمل). فيما يلي نصها الكامل : السيدات والسادة الأفاضل, إن سعادتي بالتواجد بينكم من جديد, بمناسبة اجتماع الثلاثية, يضاف إليها سبب أخر للارتياح, ألا وهو المكان الذي يحتضن لقاءنا, إنها مدينة بسكرة, عروس الزيبان, والملتقى الحقيقي للتنوع الثقافي الوطني ولجزائريتنا. كما يشرفنا أن يتواجد معنا السيد غاي رايدر, المدير العام للمكتب الدولي للعمل, الذي يسرنا حضوره في حلقة أخرى من الحوار بين الفاعلين في الاقتصاد الجزائري, والتي تعد مفخرة لبلادنا. وجدير بالتنويه أن العقد الوطني الاقتصادي والاجتماعي للنمو قد توج هذا الوفاق بين أرباب العمل والنقابة والجهاز التنفيذي, من أجل دفع عجلة النمو وبناء اقتصاد ناشئ, ذلك العنصر الرئيسي للبرنامج الرئاسي. فعلى مستوى كل واحدة من مكونات هذا الاتفاق التاريخي, سجل تقدم معتبر على الصعيدين التشريعي والتنظيمي, وأصبحت أداة التشاور والتنسيق هذه مرجعية على الصعيد الدولي في مجال الحوار الاجتماعي الصريح والمثمر. كما أن اختيار هذه الولاية يعد أيضا إشارة قوية تبرز إرادة السلطات العمومية لتحقيق تنمية اجتماعية واقتصادية منسجمة ومتوازنة بين مختلف مناطق البلاد, وجعل مناطق الجنوب والهضاب العليا مهدا لبعث قطاعي الصناعة والزراعة المنشود لتجسيد تحول الاقتصاد الوطني. فبسكرة تعتبر مثالا رائعا لقدرتنا على رفع التحدي: زراعة متطورة بشكل أمثل وصناعة ناشئة, حيث لا يمكن أن تصبح بلادنا بلدا مصنعا إن لم يكن بلدا زراعيا في المقام الأول. إن هذا الاجتماع الذي تلتئم فيه الثلاثية, يأتي تتويجا لمسار طويل من الحوار الذي باشرته الحكومة مع كل القوى الحية للأمة حول الوضعية الاقتصادية للبلاد. وقد كانت هذه اللقاءات التي اتسمت بحوار مثمر وبناء فرصة للجهاز التنفيذي لتبادل وجهات النظر مع شركائه ومحاوريه حول حقيقة معطيات الاقتصاد الكلي والوضع المالي للبلاد, إلى جانب تفاصيل الترتيبات المتخذة لمواجهة المستجدات (ضبط الإطار الاقتصادي إلى غاية سنة 2019 والرؤية الإستشرافية في آفاق سنة 2030) على إثر تراجع أسعار المحروقات في السوق العالمية قصد تجنيد القوى العاملة في البلاد لمواجهة التحديات التي تنتظرنا. الحقيقة تعني اعتماد سعر 45 دولار للبرميل كقاعدة لإعداد قانون المالية لسنة 2016, الذي من شأنه أن يساهم في دفع عجلة النمو دون اللجوء إلى التقشف, لأننا نملك قدرات كافية للمقاومة وتحسين الوضع. فالنتائج المحرزة ونجاعة التدابير والصعوبات والعراقيل المختلفة يتم التكفل بها دوما دون أي تزييف أو تأويل مبالغ فيه. فالمهم هو شرح المسعى وضمان تجند الجميع لتحقيق الهدف المشترك المتمثل في تنمية البلاد. فأمام تراجع الموارد المالية, فإن رد الفعل البدائي وكذا الحسابات الجافة والمتهكمة التي تبناها بعض المحللين, كانت تدعو إلى التصرف على أساس أنه إذا كانت المداخيل قد انخفضت بنسبة 47 % خلال السنة الفارطة, يجب تقليص النفقات وفق نفس النسب, ولاسيما النفقات غير المنتجة, ألا وهي التحويلات الاجتماعية. ولا شك أن هذا المنطق المؤسف لا يراعي الطبيعة الاجتماعية والديمقراطية للدولة الجزائرية العصرية التي أرادها آباؤنا المؤسسون والتي تم التعبير عنها من خلال بيان أول نوفمبر 1954 الذي سنحيي ذكراه الواحدة والستين في الأيام القليلة المقبلة, والذي يدعو إلى: - عدم التفريط أبدا في الاستقلال والسيادة الوطنيين. - عدم الاعتراف بسلطة أخرى غير سلطة الشعب الجزائري. - عدم التخلي عن الضعيف والمعوز. وأؤكد لكم, أيتها السيدات أيها السادة, أن الرجل السياسي الذي يجسد بشكل أحسن التمسك بهذه المبادئ هو فخامة السيد رئيس الجمهورية الذي لن يقبل أبدا المساس بكرامة الجزائر والجزائريين تحت سلطته أو التشكيك في الطابع الاجتماعي للدولة وتنميتها الاقتصادية. إن التسيير الرشيد للمالية العمومية والقرارات الإستباقية المتخذة, يمكنان الجزائر من التصدي بشكل أمثل للانخفاض المفاجئ لأسعار البترول. وعلينا, الآن, أن نحول هذه القدرة على المقاومة إلى دعامة تحول اقتصادنا نحو إنتاج الثروة وخلق مناصب الشغل. وجدير بالذكر أن مسعى الحكومة يرمي خصوصا إلى تحسين القدرة الشرائية للجزائريين والحفاظ عليها, وكذا إلى الاستمرار في بذل الجهود في المجال الاجتماعي وبرامج التشغيل والسكن والصحة والتربية. وبهذا الصدد, وانطلاقا من كوننا نراهن على تنمية المورد البشري الكفيل وحده بإنتاج الثروة, فإنه من المفيد بالقرارات المتخذة في مجال الدعم الاجتماعي, ولاسيما منها: - 8,5 ملايين تلميذ متمدرس. - 1,5 مليون طالب في التعليم العالي. - 1.800 مليار دينار من التحويلات الاجتماعية سنويا. - مجانية العلاج والتكفل ب3 ملايين شخص مصاب بأمراض مزمنة, بفضل بطاقة الشفاء. - تجسيد الالتزام بمراجعة المادة 87 مكرر من القانون المتعلق بعلاقات العمل وإعادة تحديد الأجر الوطني الأدنى المضمون, مع إعادة تثمين المنحة الجزافية التعويضية لفائدة ما يقارب 1,5 مليون عامل. - مواصلة إنجاز البرامج السكنية, لاسيما لفائدة الفئات الاجتماعية المحرومة والمتوسطة (السكن العمومي الإيجاري والسكن بصيغة البيع بالإيجار في إطار وكالة تحسين السكن وتطويره) مع تطوير صيغ التجزئات. وهنا, فإن الأمر لا يتعلق بإشعار مواطنينا بالذنب, بل يتعلق بالعمل أكثر ومعا من أجل تحسين مؤشرات الإنتاج والحفاظ على هذا النموذج الاجتماعي وتحسين نجاعته. وأعتقد أنه ما من سبيل آخر لبلوغ هذه الأهداف سوى ترقية النمو والإيمان بعبقرية الجزائريين, ولاسيما الشباب.