التكنولوجيات الحديثة في الاعلام و الاتّصال أصبحت وسيلة لا غنى عنها بالنسبة لأجهزة الأمن في مكافحة الجريمة التقليدية و الالكترونية و تساعد على فكّ ألغاز الكثير من الجنايات و الجنح سواء المتعلّقة بالاعتداء على الأشخاص أو الممتلكات حيث تؤكّد تقارير مصالح الأمن الوطني بأن جلّ قضايا القتل صارت تعالج بواسطة تقنيات التحري الحديثة ما يمكّن المحقّقين من حلّ أكبر عدد من الجرائم و أعقدها و خاصّة قضايا القتل و السّرقة و الجريمة المنظمة. و ساهمت هذه التكنولوجيات في تطوير أساليب التحقيق الجنائي فمصالح الأمن الوطني استطاعت بواسطة الوسائل العلمية و الالكترونية تقفّي آثار المجرمين و شبكات التهريب و التزوير و حلّ قضايا القتل و الضرب و الجرح المؤدي إلى الوفاة .و ساعدت أيضا على إنقاذ أرواح الكثيرين فمثلا استطاع حرّاس السواحل بفضل الهاتف المحمول إغاثة العشرات من الشباب حاولوا الهجرة عبر قوارب الموت ،و ساهمت كذلك في إنتزاع أطفال أبرياء من بين أيدي مختطفيهم ،و كانت قضية الطّفل المختطف ياريشان بالعاصمة التي صنعت الحدث في أواخر العام الماضي دليل واضح على نجاعة استعمال تقنيات البحث الحديثة من أجل التعرف على هوية المختطفين و مكان تواجد الضحية . و بفضل مهارة عناصر الأمن في استعمال الوسائل العلمية الحديثة تمكنوا من فكّ خيوط هذه القضية الإجرامية المعقّدة و كذلك الشأن بالنسبة لعشرات القضايا الأخرى المماثلة التي استغلّت فيها البراءة كرهينة أو وسيلة للترهيب و الانتقام . و تعتبر بصمات الأصابع و اختبارات الحمض النووي "ADN" من بين أهم الوسائل التي تعتمد عليها الشرطة العلمية في عملها فمخابرها تتوفّر على برامج معلوماتية دقيقة و متطورة تسمح بالكشف عن هوية المجرمين من خلال الآثار التي يتركونها بمصرح الجريمة كالبصمات أو خصلات الشعر أو آثار الدم أو أي سوائل تفرزها أجسامهم. و بولاية وهران تمكّن عناصر الشرطة من تحديد هوية أشخاص تورّطوا في قضايا قتل منها قضية مقتل رجل أعمال معروف بحي النخيل قبل حوالي سنتين حيث سهّل هاتف محمول سلبه الجناة من ضحيتهم عمل المحققين فبواسطة الرقم التسلسلي للجهاز كانت عملية تقفي آثار المجرمين سهلة و سريعة و هذا بالتعاون مع أحد متعاملي الهاتف المحمول .و كذلك ابن رجل الأعمال المجني عليه قتل في بيته بحي أسامة من أجل السّرقة و اكتشفت الشرطة أمر الفاعلين بنفس الطريقة ،فيكفي أن يرتكب المجرمون أخطاء بسيطة كهذه ليتم تحديد هويتهم و أماكن اختبائهم و من ثم القبض عليهم . الهاتف المحمول يفضح المجرمين و عن دور الهواتف المحمولة في تسهيل عمل المحققين و المتحريين يقول مهندس تقني لأحد متعاملي الهاتف النقّال بأنها أصبحت من أهم الوسائل التي تحدّد و بدقّة أماكن تواجد مستعمليها بواسطة الهوائيات المثبتة في كل مكان فهي تعطي معلومات دقيقة و صحيحة عن مواقع إجراء المكالمات الهاتفية بفضل نظام الرّبط و التنقل بين الهوائيات و هي التقنية التي تسمح للمشترك باستعمال الخط دون انقطاع أثناء التنقل . و خدمة تحديد الموقع بواسطة الهاتف المحمول أتاحت لمصالح الأمن حلولا في مجال مكافحة الجريمة و القبض على المتورّطين ،كما يمكّن هاتف نقال من تحديد هوية المجرمين و المتورّطين في قضايا قتل أو غيرها و الأمثلة على ذلك كثيرة و نذكر منها جريمة قتل وقعت منذ فترة بحي الضاية بوهران حيث وجد المحققون صعوبة في التعرف على الجاني إذ أن الجريمة وقعت في ساعة متأخرة ليلا و لم يكن هناك أي شهود، إلى أن اهتدى أحد محققي الشرطة إلى فكرة مراجعة قائمة كل المكالمات الهاتفية التي أجريت انطلاقا من الهوائية "BTS" المثبتة بمنطقة وقوع الجريمة .و قام مفتشو الشرطة بالتحقيق مع كل المتّصلين ساعة وقوع الجريمة و تمكنوا في الأخير من التعرف على الجاني عن طريق استبعاد الشبهة عن الأشخاص غير المتورطين "procédé par élimination" و بوهران شرق استطاع عناصر الدّرك الوطني من استرجاع شاحنة مسروقة و إعادتها لصاحبها في ظرف ساعات قليلة بفضل جهاز التعقب "جي بي أس" الذي جهّزت به المركبة فتم تعقّب السّارق إلى غاية منزله حيث ضبط متلبسا بفعلته. و حسب خلية الاعلام و الاتّصال بالمجموعة الإقليمية للدّرك الوطني بولاية وهران فإن التكنولوجيات الحديثة قد سهّلت عمل فرق البحث و التحرّي في معالجة جلّ القضايا المتعلّقة بشبكات تهريب المخدّرات ما سمح بتفكيك 10 عصابات خطيرة خلال السّنة الماضية . و كانت هذه الشبكات تقوم بتهريب المخدّرات من المغرب لترويجها عبر التراب الوطني و تعتمد على تنظيم محكم بالتواطؤ مع عدّة أشخاص مقيمين بالمناطق الحدودية الغربية و لكل عنصر من هذه الشبكات دوره في عمليات التهريب و المتاجرة بالسموم ،فهناك المكلّف بنقل البضاعة و منهم من يقتصر دوره على استكشاف الطريق و آخرون يقومون بعمليات التسويق . و لتفكيك هذه الشبكات غالبا ما تلجأ عناصر الدرك الوطني إلى تتبع المكالمات الهاتفية للأشخاص المشبوهين ،و هي خدمة تتم بالتنسيق مع المتعاملين الثلاث للهاتف النقال و هذا بعد الحصول على إذن من وكيل الجمهورية .و حسب الملازم الأوّل لوصيف إيمان من خليّة الاتّصال بالمجموعة الاقليمية لوهران فإن مراقبة الاتّصالات الهاتفية للأشخاص المشتبه فيهم تكون دائما مثمرة و تمكّن من التعرّف على شركاء آخرين غير مسجّلين في أرشيف مصالح الأمن . و منذ مطلع هذه السّنة تمكّن الدركيون من تفكيك شبكتين متخصّصتين في ترويج القنب الهندي والمخدّرات الصّلبة كالكوكايين و هذا بالتنسيق مع قوّات الجيش الوطني الشعبي .و أسفرت هاتان العمليتان من حجز 15 قنطار من الكيف المعالج و إلقاء القبض على المهربين الناشطين ما بين ولايتي وهران و تلمسان كما تمّ مصادرة المركبات المستعملة في التهريب . حواجز أمنية موصولة بمنظومات معلوماتية وطنية و بالإضافة إلى مراجعة قائمة مكالمات الأشخاص المشتبه فيهم فإن الدّرك الوطني جهّز الفرق المتنقلة و الحواجز الأمنية بالمنظومة التطبيقية المعلوماتية للتعرّف على الأشخاص و المركبات و هذه المنظومة موصولة بقاعدة البيانات للمعهد الوطني للأدلّة الجنائية ببوشاوي بالعاصمة .فأصبح بإمكان عناصر الدرك الوطني التعرف على السيارات المسروقة أو التي تم استعمالها في ارتكاب الجرائم . و بفضل هذه المنظومة تم حجز 1 كلغ من الكوكايين خلال مراقبة روتينية على الطريق الوطني رقم 2 الرابط ما بين وهران و تلمسان قرب قرية بريدعة فالمخدرات كانت مخبّأة داخل المصابيح الأمامية لسيارة كما عثر داخل محرّك نفس المركبة على 1090 قرصا مهلوسا و ألقي القبض على 3 أفراد متورطين. و بعد التحريات الأوّلية تمكّن عناصر الدّرك الوطني من حجز مركبة أخرى فخمة من نوع مرسيدس مرقمة في سنة 2015 تبيّن أنّها ملك لمغني راي معروف بوهران لم يتم القبض عليه إلى حدّ السّاعة لتواجده بالخارج. و يوفّر المعهد الوطني للأدلة الجنائية بالعاصمة برامج معلوماتية أخرى تستعمل في التحقيقات الأمنية و منها المنظومة التطبيقية للكشف عن البصمات "أفيس" و منظومة الكشف عن السموم و أخرى للتعرف على هوية ضحايا القتل "الجنس و السنّ و وقت الوفاة " بواسطة تحليل عينة من العظم .و هذه المنظومة تعطي نتائج علمية دقيقة حتى و إن كانت الجثث في حالة متقدّمة من التعفّن. و تواكب المديرية العامّة للأمن الوطني من جهتها هذا التطور في استعمال التكنولوجيات الحديثة لكشف المجرمين و حلّ القضايا إذ جهّزت مصالحها بنفس المنظومات المعلوماتية كنظام "أفيس" و دعّمت مخبر الشرطة العلمية و التقنية بأحدث وسائل تحليل العينات و البحث. الرقم الأخضر :المواطن شريك في مكافحة الجريمة و هناك وسائل حديثة أخرى وضعتها أجهزة الأمن لتفعيل دورها في المجتمع و تكريس مبدأ الأمن الجواري و منها خدمة الاتّصال بالرقم الأخضر ،و هو رقم هاتفي وضع تحت تصرّف كل المواطنين الجزائريين من أجل الإبلاغ عن الأفعال و الجرائم و الاعتداءات و الحوادث المختلفة كحوادث المرور و غيرها و قد أظهرت هذه الخدمة فعالية كبيرة حسبما كشفت عنه تقارير مصالح الشرطة و الدّرك الوطني ،فقد ساهم الرقم الأخضر في إشراك المواطن في المنظومة الأمنية فأصبح دوره محوريا في عمليات التدخل سواء لإنقاذ أرواح النّاس أو منع حدوث جرائم و القبض على الأشخاص المشته فيهم. و بالنسبة لجهاز الدّرك الوطني تقول الملازم الأوّل لوصيف إيمان بالمجموعة الإقليمية بوهران بأن الرقم الأخضر "1055" هو تحت تصرّف المواطنين 24 ساعة في اليوم منذ شهر فيفري 2011 .و تعتمد هذه الخدمة على تقنيات متطوّرة و أجهزة اتّصال خاصّة وضعها الدّرك الوطني بفضل الخبرة الواسعة التي اكتسبتها إطاراته بالجزائر و بالخارج. و يشرف على هذه التقنية مهندسون في الاعلام الآلي استفادوا من تكوين لمدّة سنتين ببلادنا و تكوين متخصّص بالولايات المتحدةالأمريكية لوضع الشّبكة و تأمينها من أي محاولات اختراق و هي مجموعة من الهوائيات التي تضمن عملية الاتّصال بالمجمعات الهاتفية الموجودة على مستوى كل فرقة إقليمية عبر الوطن. و رغم أن الرقم الأخضر موحّد بكامل التراب الوطني إلاّ أن التكنولوجيا المستعملة تسمح لمستقبلي المكالمات على مستوى المجمعات الهاتفية بتلقي المكالمات التي تجرى بإقليم الاختصاص فقط بمعنى أن المواطن القاطن بوهران تستقبل مكالمته على مستوى المجموعة الاقليمية لولايته ،و إذا أجريت المكالمة من عين تموشنت فتستقبل على مستوى المجمع الهاتفي للمجموعة الاقليمية لذات الولاية و من ثمّ تحوّل المعلومة التي قدّمها المتّصل إلى فرق التدخّل المتخصّصة اقليميا . و يستقبل جهاز الدّرك الوطني حوالي 4 آلاف مكالمة جادّة يوميا عبر الوطن منها حوالي 90 مكالمة تخصّ ولاية وهران .و قد تلقت المجموعة الإقليمية 20970 اتّصالا خلال السّنة الماضية أغلبها خلال الليل ب 13988 مكالمة و معظمها كانت للتبليغ عن حوادث مرور ب1902 اتّصال تليها 1856 مكالمة تخص الإبلاغ عن تهديدات ضد أشخاص و ممتلكات . و حسب إحصائيات المجمع الهاتفي للدرك الوطني فإن 70 بالمائة من مجموع الاتّصالات المسجّلة تكون بغرض الاستهزاء و التحرّش و أغلب المتّصلين من الجنس اللّطيف. أمّا بالنسبة لمصالح الشّرطة فتحصي حوالي ألفين إلى 3 آلاف مكالمة جادّة يوميا عبر الخط الأخضر "1548" مكّنت من حلّ المئات من القضايا و إنقاذ الأشخاص و إسعافهم و أطلقت مصالح الدرك الوطني في أفريل الماضي موقعا إلكترونيا على شبكة الأنترنيت تحت اسم الشكاوى و الاستعلام عن بعد "ppgn.mdn.dz" يمكن المواطن من إرسال شكاوى أو معلومات مسبقة قبل الحصول على موعد بوحدة السّلاح المتخصصة إقليميا من أجل إتمام المحضر وفقا للإجراءات القانونية المعمول بها . و عند اتّصالنا بأحد متعاملي الهاتف المحمول للاستفسار حول كيفية التنسيق مع أجهزة الأمن علمنا بأن التقنيات الحديثة للاتّصال أصبحت أهم أداة يستعملها المحققون في معالجة مختلف القضايا و فكّ ألغاز الجرائم ،فالمكالمات الهاتفية التي تتم عبر المحمول باتت تفضح المجرمين و عصابات الأشرار ،و بفضل تظافر جهود عناصر الأمن و المتعاملين الثلاث أصبح من السّهل تحديد هوية الأشخاص المتورطين بفضل مراجعة قوائم مكالماتهم الهاتفية بإذن من وكيل الجمهورية ما يسمح بإدانتهم والكشف عن شركائهم .والهاتف المحمول أصبح أيضا من أهم الأجهزة التي توفّر خدمة تحديد المواقع و علمنا من نفس المتعامل بأن لا أحد يملك الحقّ في التنصّت على المكالمات الهاتفية و لأعوان الأمن الحق فقط في مراجعة كشف مكالمات الأشخاص المشتبه فيهم .و عليه فإن سريّة و خصوصية المعلومات و المكالمات الخاصّة بكل المشتركين محفوظة و القانون يعاقب من يخترقها . الإدارة الالكترونية تسهّل عمل أجهزة الأم و ساهم المتعاملون الثلاثة لخدمة الهاتف المحمول في تدوين المعلومات و البيانات الشخصية لكافة المشتركين و تحيينها الأمر الذي يمكّن أجهزة الأمن من تحديد هوية الأشخاص محل البحث و حتّى الإدارة الجزائرية بدأت تواكب التكنولوجيا الحديثة من خلال رقمنة وثائق الهوية و التسجيل الالكتروني و إدخال المنظومة المعلوماتية إلى المصالح الإدارية و الخدمة العمومية لتأمين وثائق الهوية كجوازات السّفر و البطاقات الرمادية و البطاقة الوطنية من محاولات التزوير و انتحال الشخصية و الوظيفة بغرض ارتكاب الجرائم أو التهريب ،فبفضل الإدارة الإلكترونية أصبح من السّهل تتبع الأشخاص و الأفعال و إجهاض الجرائم المنظمة في حق المجتمع و الاقتصاد الوطني و تعتبر الجريمة الالكترونية من بين الأفعال التي بدأت تنتشر في المجتمع و من الوهلة الأولى وقفت لها أجهزة الأمن بالمرصاد حيث استحدثت مصالح متخصّصة في ذلك يديرها مهندسون متمكّنون من تقفي هذا النوع من الجرائم .و الإجرام المرتكب ضدّ الأشخاص عبر الفايسبوك هو الأكثر انتشارا في بلادنا و يعرف هذا الموقع الاجتماعي تزايدا في نسبة الجرائم الافتراضية كالقذف والسب و هذا يعكس رغبة بعض الأفراد في تبنّي أساليب حديثة في الانتقام أو الشتم أو التشهير بالأشخاص مع جهل كامل للعواقب. و يظن معظم مستعملي العالم الافتراضي في السب و الشتم و التشهير أنّه لا مجال لإدانتهم لكن المشرع الجزائري و الأجهزة الأمنية واكبتا التطور الحاصل في هذا المجال و أصبح بإمكان تتبع هؤلاء عن طريق العناوين الالكترونية و معاقبة المدانين. و تؤكد مصالح الدرك الوطني عدم تسجيلها لقضايا إلكترونية من العيار الثقيل خلال العام الماضي و اقتصرت جل الشكاوى التي تصلها على التشهير بالصور عبر الفايسبوك أو السبّ و القذف . و بذلك تكون مختلف وسائل الاتّصال الحديثة قد احتلت مكانا جوهريا في حياتنا فبها استطعنا أن نغيّر كل أنماط عيشنا و نطوّرها فاختصرنا الجهد و الزّمن و بلغنا من الأهداف ما لم نقدر على بلوغه منذ عقود .و لكل تكنولوجيا منافع و أضرار و منافع التقنيات الحديثة للاعلام و الاتّصال أكثر من أضرارها و يكفي أن ننظر إلى العالم من حولنا و للمجتمع الذي نعيش فيه لندرك بأن وسائل الاتّصال الحديثة سهّلت حياتنا و بسّطتها مذ اقتحم العالم الافتراضي كل المجالات .فهو سّلاح ذو حدّين فإذا أحسن استعماله كان ضمان أمننا و استقرار بلدنا و اقتصادنا و إلاّ فإن أجهزة الأمن تبقى بالمرصاد .