من لا تحن آذانه لسماع أغنية "لبارح" و"الحراز" و" الورقة" و"السمش الباردة" وغيرها من الروائع التي خلدها التاريخ في سجل أغنية الشعبي ووقعها صوت نادر ظاهرة لم تتكرر كانت ولا تزال عنوانا لهذا الطابع الموسيقي الأصيل إنه الراحل الحاج الهاشمي ڤروابي شخصية فنية عملاقة أبدعت وأنتجت لتترك رصيدا غنائيا كبيرا في أرشيف مكتبة الأغاني الجزائرية الطربية. الهاشمي ڤروابي ابن المدينة من مواليد 6 يناير 1938 بالعاصمة عرف عنه منذ الصغر حبه للموسيقى تتلمذ على يد شيوخ الغناء الشعبي الحاج محمد العنقى ومريزق وكان ڤروابي يغني معهما في الحفلات والأعراس وأول من أعجب بصوته ولفت إنتباهه كان الفنان الكبير محي الدين بشطارزي الذي اختاره للغناء بأوبيرات الجزائر سنة 1953 ، ما أعطاه فرصته الأولى في الغناء على الخشبة ومواجهة الجمهور ووصنع ساعتها الفرجة بأغنية "مڤرونة الحواجب" وشق من هناك طريقه نحو التألق.. إنتقل ڤروابي بعد الإستقلال إلى فرقة الإذاعة والتلفزيون لينضم إلى فرقة الشعبي التي كان يشرف عليها الحاج محمد العنقى وكانت الحفل الذي صقل موهبة هذا الفنان والذي تربى فيه معظم مغني الشعبي في سنوات السبعينات، بعدها إلتقى بالفنان الكبير محبوباتي الذي غير له مساره بإتجاه نوع جديد من الأغاني الخفيفة بنكهة الموسيقى العصرية التي كانت سائدة ذلك الوقت فلحن له أجمل أغانيه التي لا تزال تحقق نفس الشهرة التي حققتها في أول ظهور لها على غرار أغنية " البارح" التي أعادها عدد كبير من الشباب وأغنية " السمش الباردة" و" مقراني سهران" و" قولو للناس" و"الورقة" وغيرها من الأغاني التي لا تزال محل إهتمام ومحل طلب في سوق الأشرطة، كما أنها تذاع بإستمرار عبر محطات الإذاعة الجزائرية والتلفزيون. ومن نافذة هذه الأغاني تدخل الهاشمي ڤروابي بحر القصيد، أو القصيدة التي كان يصنف من خلالها المشايخ وبها يتم وزن المغنى إن كان شيخا أم لا، غاص ڤروابي غمار التجربة في الوقت الذي كان في الساحة الغنائية كبار مطربي الشعبي أمثال عمر الزاهي والعنقى وبوجمعة العنقيس وغيرهم، فقرر المطرب مواجهة الشيوخ وراح يغني القصائد الصعبة لفحول الملحون ومن بين القصائد التي كانت وراء شهرته الواسعة" يوم الخميس واش الداني" و"لله يا بن الورشان" ليصل بعدها إلى الروائع الشعرية الكبرى مع "الحراز" للشاعر الشيخ بن قريشي وأغنية "يوم الجمعة خرجوا الريام" لمبارك السنوسي وأغنية "واش دا لعار عليكم يا رجال مكناس" الشهيرة بالمكناسية وهكذا تربع الحاج الهاشمي ڤروابي على عرض أغنية الشعبي ووصل إلى رأس قائمة العمالقة بخطوات جادة وصارمة انتقل فيها من مرحلة إلى أخرى وكأنه خطط لمشواره الفني وراح ينتقل من الحسن إلى الأحسن إلى أن سجل اسمه بأحرف من ذهب في سجل الطرب الجزائري الأصيل .. وهكذا جاء ڤروابي بأسلوب جديد أدخله على الشعبي صنع به الكثير من النجاح والتميز وصار مطلوبا بقوة بعد أن دخل مع الكبار وإستقر لمدة أحيا فيها الكثير من الحفلات وتجاوز صيته حدود المغرب العربي إلى أوروبا، وسجل أول ألبوم غنائي له في فرنسا ثم عاد إلى الجزائر ليغني "سبحان خالق الأكوان" ويكون كروان أغنية الشعبي بلا منازع وسمح له مشواره وصوته وروائعه التي أبدع في تقديمها أمام جماهير العالم أن يلقب بعملاق أغنية الشعبي. ويبقى ڤروابي يغني رغم تدهور حالته الصحية إلى أن دخل في صراع حاد مع مرض السكري حتى رحل إلى جوار ربه يوم 17 جويلية 2006 تاركا مئات الأشرطة والحفلات والعشاق أيضا ليشغل اليوم إهتمام الباحثين والدارسين منهم الباحث عبد القادر بن دعماش الذي أدرج هذا العملاق ضمن كتاباته التي خص بها أكبر الوجوه الفنية في الموسيقى الجزائرية وفي إطار إصدارات إثنولوجيا التراث الغنائي الجزائري، التي تضم 14 مغلفا لكبار المطربين جاء الحاج الهاشمي ڤروابي في مغلف خاص يضم أقراص مضغوطة لأشهر أغانيه إضافة إلى كتيب يحوي سيرته الذاتية كاملة وهكذا "حتى لا أحد ينسى" كما جاء في شعار الكاتب ويبقى الراحل الحاج الهاشمي ڤروابي من الأسماء التي خسرتها الساحة الموسيقية الجزائرية وأغنية الشعبي على وجه الخصوص ولكنه وإن رحل فإنه حاضرا من خلال روائعه التي لا تزال ذات صيت واسع لا حدود له.