باتنة: افتتاح المهرجان الثقافي الوطني للمسرح الناطق بالأمازيغية في طبعته ال13    قسنطينة: دخول عدة هياكل صحية عمومية جديدة ستعزز منظومة القطاع بالولاية    رئيس الجمهورية يعين واليين جديدين لولايتي وهران وسيدي بلعباس    الوكالة الوطنية لدعم و تنمية المقاولاتية تطلق برنامجا وطنيا للنهوض بقطاع المؤسسات المصغرة    مالية: 2025 ستكون سنة تعزيز مسار الرقمنة بامتياز    قوجيل: التضامن الثابت والفعلي مع الشعب الفلسطيني هو رهان العالم اليوم ومبدأ وطني للجزائر    سهرة الفنون القتالية المختلطة: عشاق الاختصاص على موعد مع 10 منازلات احترافية الجمعة بقاعة حرشة حسان    افتتاح السنة القضائية الجديدة بولايات جنوب البلاد    رئيس الجمهورية يستقبل وزير الداخلية للمملكة العربية السعودية    المشروع سيكون جاهزا في 2025..خلية يقظة لحماية الأطفال من مخاطر الفضاء الافتراضي    مفوضية الاتحاد الأوروبي: جميع الدول الأعضاء ملزمة بتنفيذ أمر الاعتقال الصادر بحق مسؤولين صهيونيين    ملبنات خاصة ستشرع في انتاج أكياس حليب البقر المدعم في 2025    حوادث الطرقات: وفاة 41 شخصا وإصابة 193 آخرين خلال أسبوع    السيد بلمهدي يشرف على انطلاق الدورة الثانية لتأهيل محكمي المسابقات القرآنية    أشغال عمومية: صيانة الطرقات ستحظى بأولوية الوزارة الوصية خلال المرحلة القادمة    الألعاب الإفريقية العسكرية: الجزائر تتوج بثلاث ذهبيات جديدة في الجيدو وأخرى في الكرة الطائرة    العدوان الصهيوني: 2500 طفل في غزة بحاجة إلى إجلاء طبي    مولوجي تستقبل رئيس المرصد الوطني للمجتمع المدني    تدشين "دار الصنعة" بالجزائر العاصمة, فضاء ثقافي جديد مخصص للفنون والصناعات التقليدية    لبنان: إصابتان في قصف للكيان الصهيوني جنوب البلاد في ثاني أيام الهدنة    شركات مصرية ترغب في المشاركة    الحسني: فلسطين قضيتنا الأولى    إرهابي يسلم نفسه ببرج باجي مختار    الحكومة تدرس آليات تنفيذ توجيهات الرئيس    سوناطراك تشارك في صالون كوت ديفوار    البرتغال تستضيف الندوة ال48 ل أوكوكو    عطّاف يدعو إلى مبادرات فعلية وجريئة    الرئيس يُجدّد دعم الجزائر لشعب فلسطين    معسكر تحيي ذكرى مبايعة الأمير عبد القادر    ركاش يروّج لوجهة الجزائر    كأس افريقيا 2024 سيدات/ تحضيرات : فوز الجزائر على اوغندا وديا (2-1)    إمضاء اتفاقية شراكة وتعاون بين جامعة صالح بوبنيدر ومؤسسة خاصة مختصة في الصناعة الصيدلانية    ميناءا عنابة وجيجل بمواصفات عالمية قريبا    الإطار المعيشي اللائق للمواطن التزام يتجسّد    الارتقاء بالتعاون العسكري بما يتوافق والتقارب السياسي المتميّز    198 مترشح في مسابقة أداء صلاة التراويح بالمهجر    أوامر لإعادة الاعتبار لميناء الجزائر    انتقادات قوية لمدرب الترجي بسبب إصابة بلايلي    عطال يتعرض لإصابة جديدة ويرهن مستقبله مع "الخضر"    مدرب فينورد ونجوم هولندا ينبهرون بحاج موسى    فحص انتقائي ل60900 تلميذ    بللو يدعو المبدعين لتحقيق نهضة ثقافية    "فوبيا" دعوة للتشبث برحيق الحياة وشمس الأمل    الجلفة عاصمة للثقافة والتراث النايلي    حرفية تلج عالم الإبداع عن طريق ابنتها المعاقة    إرث متوغِّل في عمق الصحراء    المسؤولية..تكليف أم تشريف ؟!    نال جائزة أفضل لاعب في المباراة..أنيس حاج موسى يثير إعجاب الجزائريين ويصدم غوارديولا    جانت.. أكثر من 1900 مشارك في التصفيات المؤهلة للبطولة الولائية للرياضات الجماعية    مستغانم : قوافل الذاكرة في مستغانم تتواصل    خنشلة : أمن دائرة بابار توقيف 3 أشخاص وحجز 4100 كبسولة مهلوسات    أيام توعوية حول مضادات الميكروبات    الفترة المكية.. دروس وعبر    معرض الحرمين الدولي للحج والعمرة والسياحة بوهران: استقطاب أكثر من 15 ألف زائر    تسيير الأرشيف في قطاع الصحة محور ملتقى    الابتلاء المفاجئ اختبار للصبر        هكذا ناظر الشافعي أهل العلم في طفولته    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ويستعجلونك بالعذاب
نشر في الحياة العربية يوم 01 - 08 - 2018

فمع ضراوةِ المعركَةِ ضدَّ الظلمِ واشتدادِ المحنةِ وانتفاشِ الباطلِ وشِدَّةِ بطشِه، ربَّما دارتْ في داخلِ نفوسِ بعضِ المؤمنينَ معاركُ صاخبةٌ مؤْلِمَةٌ عن سِرِّ تأخُّرِ النصرِ للحقِّ على الباطلِ، والإبطاءِ في نَصَفَةِ المظلومِ من الظالمِ مع شِدَّةِ البغْيِ والعدوانِ وسَفْكِ الدِّماءِ وانتهاكِ الحُرُمات {مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ}.
وفي ذات الوقتِ يمضي الظالمُون في غَمْرَةٍ وغفْلةٍ وغُرورٍ، يسخَرُون بمَنْ يُذَكِّرُهُم بعذابِ اللهِ أو يُخَوِّفُهم بعقابِه، ومُبَالَغَةً فِي التَّكْذِيبِ، وَاسْتِهْزَاءً بِالْوَعِيدِ، وزيادةً في الاستكبارِ والتحدِّي {يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ} في الدنيا، ويقولون: {إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرَ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ}، {وقالوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا} أي عَذَابَنَا {قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ}، ويتخذون من مرورِ الأيامِ بانتفاشِهم بُرْهانًا على أنهم على الحقِّ ويقولون {ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ}، ومنْ لمْ يستعجلوا منهم بألسنتِهم فإنهم يستعجِلُون بِذُنُوبِهِمُ الْمُقْتَضِيَةِ لَهُ مِنْ ظُلْمٍ وَفَسَادٍ فِي الْأَرْضِ وَفُسُوقٍ {بِمَا كَسَبُوا}.
فكلا الفريقين المظلومينَ والظالمين يستعجلُ النهايةَ المحتومةَ؛ بمقتضى الطَّبْع {خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ}، لكنَّ أحدَهما –تحت وَطْأَةِ شِدَّةِ المحنةِ- يستعجلُها مؤمِنًا بها، والآخرُ -في غَمْرَةِ الجهلِ والعُلُوِّ- يستعجلُها استكبارًا واستنكارا.
واللهُ تعالى يُجيبُ الفريقين: {وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ} في الدُّنْيا ولا في الآخرة {وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} إنه تَعَالَى لَا يَعْجَل، فَإِنَّ مِقْدَارَ أَلْفِ سَنَةٍ عِنْدَ خَلْقِهِ كَيَوْمٍ وَاحِدٍ عِنْدَهُ، بِالنِّسْبَةِ إِلَى حُكْمِهِ، لِعِلْمِهِ بِأَنَّهُ عَلَى الِانتِقَامِ قَادِرٌ، وَأَنَّهُ لَا يَفُوتُهُ شَيْءٌ، وَإِنْ أجَّلَ وأنظَر وَأَمْلَى؛ وَلِهَذَا قَالَ بَعْدَ هَذَا: {وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ}، فالذي يَعْجَلُ هو الذي يخافُ أنْ تفوتَه الفُرصة!
…لماذا يستعجل الظالمون؟!
أولا: بسبب الجهل والغرور:
إنَّ هذا الجهلَ والغُرورَ أوَّلُ أسبابِ استعجالِ الظالمين للعذابِ، بدلَ استعجالِهم للخير {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتًا أَوْ نَهَارًا مَاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ} الْمُكَذِّبُونَ الْآنَ؟ أَعَذَابَ الدُّنْيَا أَمْ قِيَامَ السَّاعَةِ؟ أَيًّا مَا اسْتَعْجَلُوا فَهُوَ حَمَاقَةٌ وَجَهَالَةٌ.
وهذا ما أدركه مؤمنُ آلِ فرعون وحذَّرَ منه قَوْمَه: {يا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ. فَمَنْ يَنْصُرُنا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جاءَنا}.وهو يحاولُ أنْ يُشْعِرَهم أنَّ بأسَ اللهِ إنْ جاءَ فلا ناصرَ منه ولا مُجِيرَ عليه، وأنهم إِزَاءَه ضِعافٌ ضِعَاف. وهكذا كلُّ مَنْ عرفَ كمالَ القُدْرةِ لمْ يَأْمَنْ فجأةَ الأخْذِ بالشِّدَّة، ومَنْ توسَّد الغفلةَ أيقظتْه فُجَاءَةُ العقوبةِ، وعندئذٍ لا عُذْرَ بعد وُضوح الحُجَّة. وبدلًا من أَنْ يَقُولُ الظالمون: «اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ، فَاهْدِنَا لَهُ، وَوَفِّقْنَا لِاتِّبَاعِهِ»؛ فإنهم بجهلِهم اسْتَفْتَحُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ، وَاسْتَعْجَلُوا الْعَذَابَ {سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ. لِلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ. مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ}، وَكَذَلِكَ قَالَ الْجَهَلَةُ مِنَ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ، كَمَا قَالَ قَوْمُ شُعَيْبٍ لَهُ: {فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ}.
ثانيا: عدم الاتعاظ بالسابقين:
السبب الثاني في استعجال الظالمين: عدمُ اعتبارِهم بالسابقين مِنْ أمثالهم {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلَاتُ} أَيْ: مَضَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ فِي الْأُمَمِ الَّتِي عَصَتْ رَبَّهَا وَكَذَّبَتْ رُسُلَهَا الْعُقُوبَاتُ. ولا يزالُ الرسلُ والدعاةُ يحاولون رَدَّ الشارِدين وتنبيهَ المغرورين دونَ جَدْوَى {قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} ويرفضُ الرسلُ والدعاةُ الدخولَ في سِباقِ التحدِّي الذي يُعْلِنُه الظالمون؛ لأنَّ الرسلَ وأتباعَهم ليسوا المعنيِّينَ بإنزالِ العذاب {مَا عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ}، {إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ إِنْ شَاءَ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ}.
..العذابُ نازلٌ، ولَاتَ ساعةَ مَنْدَمِ!
إذا كانت العجَلَةُ طبعًا في الإنسانِ مؤمنًا كان أو كافرًا، فإنَّ القرآنَ يؤكِّد {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} أي فلا تستعجِلُوا العذاب، أو فلا تستعجِلوا اللهَ في إنزال العذاب {سَأُرِيكُمْ آَيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ}.
فأما المؤمنونَ فيُطَمْئِنُهم أنَّ ما وعدَ به حاصلٌ لا محالةَ، ويقول لهم: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ}. وأما الظالمون فيقولُ لهم: {فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوبًا مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ فَلَا يَسْتَعْجِلُونِ}. وحين ينزلُ بالظالمين وعدُ الله في الدُّنْيا يغلِبُهم النَّدَمُ الذي لا فائدةَ منه {فَيَقُولُوا هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ} أَيْ هَلْ نَحْنُ مُؤَخَّرٌ عَنَّا الْعَذَابُ، وَمُنْسَأٌ فِي آجَالِنَا؛ لِنَتُوبَ وَنُنِيبَ إِلَى اللَّهِ، فَنُرَاجِعَ الْإِيمَانَ بِهِ، وَنُنَيبَ إِلَى طَاعَتِهِ؟. فيأتيهم الجوابُ: {أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ. أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ. ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ. مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ}. لَوْ أَخَّرْنَاهُمْ وَأَنْظَرْنَاهُمْ، وَأَمْلَيْنَا لَهُمْ بُرْهَةً مِنَ الزَّمَانِ وَحِينًا مِنَ الدَّهْرِ وَإِنْ طَالَ، ثُمَّ جَاءَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ، أَيُّ شَيْءٍ يُجْدِي عَنْهُمْ مَا كَانُوا فِيهِ مِنَ النِّعَمِ، {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا}.
ل..ِنُزولِ العذابِ موعِدٌ مُحَدَّدٌ ومُفَاجِئ:
سيأتي وعدُ اللهِ في الميعادِ الذي حدَّده، لا في الوقتِ الذي يقترحُه المؤمنون، ولا في الوقتِ الذي يستعجلُه الظالمون {وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا. وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا}.
وسيكونُ نزولُ العذابِ مُفاجِئًا للجميعِ في توقيتِه وفي كيفيَّتِه {قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ}، ويقول سبحانه: {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَوْلَا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ} أي: لَوْلَا أَنِّي ضربتُ لكلّ شيءٍ أجلًا لعجَّلْتُ لهم ذلك، وليأتينَّهم العذابُ -حين يأتيهم- بَغْتَةً وفجْأَةً {وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} بِوَقْتِ مَجِيئِهِ قَبْلَ مَجِيئِهِ {يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ} أَيْ: يَسْتَعْجِلُونَ بِالْعَذَابِ، وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ لَا مَحَالَةَ {أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ. فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ}.وحين يبدأُ العذابُ في النُّزولِ قد لا يتصوَّرُ الظالمون أنَّهُ العذابُ الموعودُ؛ لشِدَّةِ استبعادِهم نُزُولَه {فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ}.
.. حكمةُ اللهِ في عدمِ تعجيلِ الشَّرّ:
يكشفُ القرآنُ هذه الحكمةَ {وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ} بِإِهْلَاكِهِمْ قَبْلَ وَقْتِهِ الطَّبِيعِيِّ كَمَا هَلَكَ الَّذِينَ كَذَّبُوا الرُّسُلَ وَاسْتَعْجَلُوهُمْ بِالْعَذَابِ مِنْ قَبْلِهِمْ، ولكنه لا يفعلُ ذلك؛ لِأَنَّ هَذَا الْعَذَابَ إِذَا نَزَلَ يَكُونُ عَامًّا، بَلْ يَذَرُهُمْ وَمَا هُمْ فِيهِ إِلَى نِهَايَةِ آجَالِهِمْ {فَنَذَرُ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} أي: يَتَرَدَّدُونَ فِيهِ مُتَحَيِّرِينَ. هَذِهِ سُنَّتُنَا فِيهِمْ: لَا نُعَجِّلُ شَيْئًا قَبْلَ أَوَانِهِ الْمُقَدَّرِ لَهُ بِمُقْتَضَى عِلْمِنَا وَحِكْمَتِنَا. وقد جعلَ اللهُ لهلاكِ الظالمين أسبابًا، أهمُّها: إيمانُ الصادقينَ بقضيَّةِ الحقِّ التي يحملونها، وصِدْقُ لُجُوئِهم إلى اللهِ، وتَوَحُّدُهم في الميْدَانِ، وصُمودُهم أمامَ كلِّ محاولاتِ الظَّلَمَةِ والفَسَدَةِ، وإِبْداعُهم في الحركةِ، واكتسابُ أسبابِ النصرِ المتاحةِ والممكنةِ، مِنْ غيرِ إخلالٍ بشيءٍ من قواعدِ الشريعةِ الغَرَّاءِ وأحكامِها.
..فلَا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا
إنَّ كلَّ يومٍ يَمُرُّ يَنْقُص من أيامِ غَمْرَةِ الظالمين وغفْلَتِهم، ويَذْهَبُ مِنْهَا بِشَطْرٍ، ويُدْنِيهم من مصيرِهم المشؤومِ وهم لا يعلمُون، مثلَما أنه يَنْقُصُ من البلاءِ الذي يصيبون به المؤمنين وَيَأْخُذُ مِنْهُ بِنَصِيبٍ، حَتَّى يَنْجَلِيَ بإِذْنِ اللهِ، ويقترِبُ موعدِ النصرِ عليهم وَهُم عَنْه غَافِلون. حُكِيَ أَنَّ أميرا حَبَسَ رَجُلًا، ثُمَّ سَأَلَ عَنْهُ بَعْدَ زَمَانٍ، فَقَالَ المحبُوسُ لِلْمُتَوَكِّلِ بِهِ: «قُلْ لَهُ: كُلُّ يَوْمٍ يَمْضِي مِنْ نِعَمِهِ يَمْضِي مِنْ بُؤْسِي مِثْلُهُ، وَالْأَمْرُ قَرِيبٌ، وَالْحُكْمُ لِلَّهِ تَعَالَى”.
أَتَحْسَبُ أَنَّ الْبُؤْسَ لِلْحُرِّ دَائِمٌ .. .. وَلَوْ دَامَ شَيْءٌ عَدَّهُ النَّاسُ فِي الْعَجَبْ
وَسُئِلَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنْ الدُّنْيَا؟ فَقَالَ: “تَغُرُّ، وَتَضُرُّ، وَتَمُرُّ”.
إنَّمَا الدُّنْيَا هِبَاتٌ وَعَوَارٍ مُسْتَرَدَّهْ .. .. شِدَّةٌ بَعْدَ رَخَاءٍ وَرَخَاءٌ بَعْدَ شِدَّة
ولهذا قال الله تعالى {فَلَا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا} قال كثيرٌ من أهل العلم: نَعُدُّ عليهم الأنفاس.
فيأيها المؤمنون ثِقُوا بنصرِ اللهِ لأنَّ الأمرَ كلَّه بيدِه، وهو الذي سلَّط هؤلاءِ الظالمين عليكم فتنةً وتمحيصًا {وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا}، ولا تَدْفَعَنَّكم شِدَّةُ المحنةِ إلى العجَلة، فما تَرَوْنَ من إمهالِ الله وحِلْمِه ليس إهمالًا، ولا يلبثُون أنْ يأتيهم أمرُ الله ويَحِلَّ بهم عذابُه الَّذي لا يُرَدُّ عن القومِ المجرمين. فهو المنتقِمُ الجبَّارُ الذي يَعُدُّ للظالمين عَدّا!
فلا تَضِقْ صدورُكم أيها المؤمنون; فإنَّ يوم الظالمين قريبٌ، وكلَّ شيءٍ من أعمالِهم مرصودٌ محسوبٌ عليهم ومعدودٌ بالأنفاس، وترقَّبُوا ساعةَ النصرِ للحقِّ وأهله، والسقوطِ المُدَوِّي للظلم وأهله، ولينصرنَّ اللهُ الحقَّ وأهلَه بعِزِّ عزيزٍ وذُلِّ ذليل {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ}.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.