في سابع جمعة على التوالي، خرج الجزائريون في مسيرات حاشدة عبر كل القطر الوطني، للتأكيد على تشبثهم بمطالبهم في التغيير الجذري وتطبيق خريطة سياسية جديدة تغيب عنها كل الوجوه المحسوبة على النظام والذين ما زالوا في الحكم الى اليوم. فبالجزائر العاصمة، وفي أول جمعة منذ استقالة عبد العزيز بوتفليقة من منصب رئيس الجمهورية وتثبيت حالة شغوره النهائي، بدأت أولى التجمعات في البروز منذ الساعات الأولى لنهار الجمعة، على مستوى الشوارع والساحات الكبرى التي تحولت منذ سبعة أسابيع إلى نقاط التقاء المتظاهرين القادمين من مختلف الولايات ليلتحقوا بسكان العاصمة، وهي التجمعات التي تبلغ ذروتها بعد صلاة الجمعة. ووسط ديكور مماثل لأيام الجمعة المنصرمة، وتعزيزات أمنية مشددة، رفع المحتجون شعارات عكست التطورات المتسارعة التي شهدتها الساحة السياسية هذا الأسبوع، نادوا من خلالها بإحداث القطيعة مع النظام القديم واستبعاد بعض المسؤولين، مع تركيزهم على “الباءات الأربعة” والتي يقصد بها رئيس مجلس الأمة عبد القادر بن صالح ورئيس المجلس الدستوري الطيب بلعيز والوزير الأول نور الدين بدوي وكذا رئيس المجلس الشعبي الوطني معاذ بوشارب، كما رفعوا شعارات أن لا سيد فوق الشعب وهتفوا المحتجون “البلاد بلادنا ونديرو راينا” ردا على محاولات خارجية للتدخل في شؤون الجزائر من خلال تصوير الاعلام الغربي سيما الفرنسسي ما حدث بانقلاب عن منظومة الحكم، وهو ما فنده الشعب جملة وتفصيلا، وهذا من خلال تحيات واعجاب المتظاهرون بموقف الجيش الوطني الشعبي الذي ساند الحراك منذ 22 فيفري الماضي، وكتبت لافتات تعبر عن الامتنان لمقترح رئيس الأركان الفريق قايد صالح، بينما حيت شعارات أخرى خطوة المجاهد قايد صالح وقالت إنه كتب التاريخ بأحرف من ذهب لمواقفه الشجاعة. كما كانت الدعوة إلى المحافظة على سلمية المسيرات حاضرة هي الأخرى في الشعارات المرفوعة من قبل المحتجين المنتمين إلى كل الفئات العمرية والشرائح الاجتماعية، يضاف لها شعارات أخرى تشدد على ضرورة المرور إلى عهد سياسي جديد يقوده “أشخاص صادقون ونزهاء”، وعلى أن “الشعب وحده من يقرر والسيادة ملك له”، وفقا لما تنص عليه المادتين 7 و8 القانون الأسمى للبلاد. وفي نفس الاتجاه، أكد المتظاهرون على أن “الشعب يريد: حكومة توافقية -إصلاحات- لجنة مستقلة لتنظيم الانتخابات”، مثلما تشير إليه لافتة كبيرة تصدرت واجهة البريد المركزي. وبباقي ولايات البلاد، كان نفس المشهد، حيث خرج المواطنون بكثافة، معبرين عن إصرارهم على إحداث التغيير الشامل وضخ دماء جديدة من أجل بناء جزائر الغد. ودعت قوى من المعارضة الجزائرية للتظاهر أمس، الجمعة، للمطالبة بإبعاد الرموز السياسية في عهد الرئيس المستقيل عبد العزيز بوتفليقة من المشهد السياسي. وتواجه حكومة تصريف الأعمال مطالب شعبية للتخلص من نخبة حاكمة متصلبة، وإصلاحات شاملة بعد استقالة الرئيس بوتفليقة. ورفعت شعارات برحيل الباءات الثلاثة والمقصود بهذا الشعار رحيل بن صالح وبدوي وبلعيز رئيس المجلس الدستوري، لأنهم من رموز السلطة الحالية. ويأتي ذلك بينما اتفق رئيس مجلس الأمة عبد القادر بن صالح مع رئيس المجلس الشعبي الوطني معاذ بوشارب، على دعوة نواب البرلمان بغرفتيه إلى جلسة مشتركة الأسبوع المقبل للبت في شغور منصب رئيس الجمهورية. وكان المجلس الدستوري قد أعلن في وقت سابق بشكل رسمي شغور منصب رئيس الجمهورية، وذلك عقب استقالة عبد العزيز بوتفليقة بشكل رسمي من منصبه بعد أسابيع من الاحتجاجات التي شهدتها الجزائر، كما بعث بوتفليقة رسالة وداع طلب خلالها من الجزائريين العفووالصفح عن أي تقصير ارتكبه خلال فترة حكمه. الجيش يجدد تمسكه بتحقيق مطالب الشعب تطرقت افتتاحية مجلة الجيش في عددها لشهر أفريل، إلى ما تشهده الجزائر من حراك شعبي غير مسبوق، أطاح ببوتفليقة، ولا يزال متواصلا لإسقاط بقية الرموز. وجاءت افتتاحية الجيش أمس، الجمعة 5 أفريل، تزامنا مع خروج ملايين الجزائريين الى الشارع للمطالبة برحيل بقية النظام. وقالت الافتتاحية لسان حال الجيش إن اقتراح تطبيق المادة 102 من الدستور التي اقترحها الجيش تأتي في إطار المهام التي يخولها له الدستور طبقا للمادة 28، بصفته الضامن والحافظ لاستقلال الوطني والساهر على الدفاع عن سيادة الوطنية والوحدة الترابية وحماية الشعب من أي خطر محدق أوتهديد، وأيضا من باب وفائه لرسالة نوفمبر المجيدة. واعتبرت الافتتاحية اقتراح الجيش يسمح للجزائر بعبور الوضع الحالي بسلام وبالتالي تجنب سيناريوهات قد تدفع بها نحو المجهول، بعنوان “لا صوت يعلوفوق صوت الشعب”. وبالنسبة للجيش، كان الحل “مقبولاً” من طرف الشعب، كما هاجم الجيش مجددًا “بعض الأطراف” التي “تحاول استهداف مصداقية وصورة المؤسسة العسكرية، والالتفاف على المطالب المشروعة التي رفعا الشعب صراحة في مسيرات سلمية..”. جدير بالذكر أن عبد العزيز بوتفليقة، قد سلم استقالته للمجلس الدستوري على مضض، بعد مطالبة قائد أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح، في وقت سابق من ذات اليوم، الذي استقال فيه الرئيس المنتهية ولايته، باتخاذ قرارات حاسمة لحل الأزمة السياسية إضافة إلى مطالبته بوتفليقة بالتنحي فورا.