بينما تنتشر أخبار الحراك الشعبي في لبنان والعراق وإيران وأماكن أخرى حول العالم، هناك أحداث صغيرة تحدث، ومن المهم مراقبتها، نظراً لأنها من الممكن أن تكون أشبه بكرة الثلج التي تتدحرج من قمة الجبل، وتزداد حجماً، أو كمستصغر الشرر، الذي يكون عادة مقدمة مهمة لحريق هائل وعظيم؛ التوتر الآخذ بالتصاعد في مياه المتوسط، الذي أخذ أشكالاً تصاعدية. فالروس وضعوا أقدامهم بقوة على ساحل المتوسط عن طريق أكثر من قاعدة عسكرية حصلوا عليها من النظام السوري، بعد تدخلهم العسكري لإنقاذه، وتلا ذلك «حراك» استفزازي تركي ضد قبرص واليونان ومصر، عبر تصريحات استفزازية وتحريك قطع بحرية لها، وبعد ذلك استمرت وتيرة التصريحات المتوترة والحادة في الارتفاع، لتقوم الولاياتالمتحدة بإبرام اتفاقية دفاع غير مسبوقة مع اليونان، ويتم تمركز قطع بحرية لأميركا على إحدى القواعد العسكرية فيها، وجاء ذلك بعد إبرام تركيا (العضو في حلف الأطلسي) صفقة سلاح مع روسيا، تحصل بموجبها على صواريخ مضادة للطيران من طراز «إس – 400» المتطورة، وكان قبل ذلك قد تم الإعلان عن اكتشاف كميات تجارية مهولة من الغاز في الحدود البحرية المشتركة لقبرص ومصر واليونان وسورياولبنان وإسرائيل. هذه الاكتشافات كانت عملياً إنهاء حالة الحرب بين إسرائيل ولبنان، مهما ارتفعت أصوات تيار ما يسمى بالمقاومة في لبنان، أو أصوات اليمين الإسرائيلي المتطرف بالقول بعكس ذلك الأمر. فهناك اهتمام «صيني» عظيم بأن يكون لها موضع قدم على المتوسط، على هذا الأساس قدمت للحكومة اللبنانية عرضاً مغرياً يسيل له اللعاب، فحواه أن تؤجر الصين مرفأ طرابلس البحري لعقد طويل الأجل مقابل عرض مالي مغرٍ، واستثمارات صينية في مجالات مختلفة. وأخيراً أججت تركيا الوضع، وزادت الأمور تعقيداً، بعد اتفاقها المثير للجدل مع حكومة منتهية الصلاحية، وتشمل الاتفاقية بنوداً أمنية وسياسية واقتصادية مريبة، ويتيح لها الحق (حين الطلب منها من قبل الحكومة الليبية) التدخل العسكري الفوري. ولقد أثار هذا الاتفاق حفيظة كل من اليونان وقبرص ومصر، واعتبرته «خطراً» على أمنها الوطني، وتحفظت عليه فرنسا وإيطاليا، أما بريطانيا فزادت من عتادها العسكري، بشكل غير مسبوق واستثنائي، في قاعدتها العسكرية بقبرص. استعراض القوى في البحر القديم، الذي شهد مهد الحضارات القديمة، يثير القلق، ورفع من درجة حرارة المنطقة الملتهبة بوجود اضطرابات في ليبيا وحرب أهلية في سوريا، وغليان شعبي في لبنان، واضطراب سياسي في تركيا، وفراغ سياسي في إسرائيل، وأكبر موجة نزوح للمهاجرين من جنوب البحر المتوسط إلى شماله الأوروبي في التاريخ المعاصر. هناك من يسمع من بعيد طبول الحرب تقرع، وصوتها يزداد، وهناك من يرى أنها مجرد «تكتيكات» سياسية لكسب بعض المواقف في مواقع أخرى. الوضع مقلق وهناك «مطامع» تاريخية للأتراك في المنطقة من جهة، وهناك «حسابات» قديمة آن أوان تصفيتها مع الأتراك من جهة أخرى لدى أطراف متوترة. إنه السيناريو المثالي لقيام مواجهة عسكرية. البحر المتوسط شهد أمجاد الكثيرين من الفرسان من قيصر والإسكندر الأكبر، وصولاً لطارق بن زياد ونابليون، ولكنه كان أيضاً مقبرة للعشرات الآخرين. ما يحصل في البحر المتوسط من تضخيم المواقف، وإثبات الوجود، لا يبشر بالخير مهما أحسنا الظن. هناك شيء جدي ما يتم تحضيره… مشهد جديد في فصل جديد لعالم يتكون من جديد. الشرق الأوسط