تتعدّد المجالات التي يبحث خلالها الباحث والشاعر العراقي شاكر لعيبي (1955) في الفن الإسلامي، حيث قدّم على مدار عقدين مؤلّفات تضيء على مساحات ظلّت مهمّشة في التاريخ كما فعل في كتابه “الفن والحرف الفنية لدى ابن خلدون.. المدينة الخلدونية الفاضلة”، أو في كتابه “العمارة الذكورية: فن البناء والمعايير الاجتماعية والأخلاقية في العالم العربي”. إلى جانب تأكيده على التفاعل الذي استمر لقرون بين الفنين البيزنطي والإسلامي عبر حلقة وصل أساسية مثلّها العرب المسيحيون من الحرفيين الذين ساهموا في تطويرهما ضمن محاولاته في قراءة لفن المنطقة من وجهة نظر المنسي والمتروك، التي تناولها كتاب “الفن الإسلاميّ والمسيحية العربية”. صدرت حديثاً عن “المؤسسة العربية للدراسات والنشر” ترجمة للأطروحة التي قدّمها لعيبي لنيل درجة الدكتوراه في علم الاجتماع عام 2003، تحت عنوان “الفن الإسلامي – سوسيولوجيا الفنان الغُفْل” نقلها إلى العربية الأكاديمي والباحث المغربي عبد النبي ذاكر. ينطلق لعيبي من فرضية أساسها قراءة الفنون الإسلامية على أنها “ممارسة اجتماعية في شروط إنسانية متغيّرة وفي سياق فاعلين (حرفيين) لهم، بالضرورة وضعيات وشروط عمل متعارف عليها، قبولاً أو رفضاً، بعدما قُدّمت له قراءات تأريخية وجمالية ودينية وزخرفية، كثيرة”، بحسب مقال له نشر في أيار/ مايو الماضي. يشير المؤلّف في تقديمه للكتاب إلى أن الدراسة جعلت “من أَوْلَى أولوياتها القيام بحفريات تلامس الدور الاجتماعي للفنّان العربي/ المسلم من خلال التوقيع، الذي طالما كان محطّ تبخيس وإغفال وتعويم وسطحية. ولا شك أن هذا الاختيار كان وراء تبني المقاربة السوسيولوجية دون إغفال المظهر السيكولوجي، للإجابة عن سؤال حارق نادراً ما حظي بتعميق: هل حَجَبَ الموقف الإسلامي الرسمي من الصورة، ظهورَ تُحَف فنية تصويرية موقَّعة في الفضِّيات، والخزفيات والرسم التصويري والزُجاجيات والنَحْت والمعمار..؟”. وينتقل لعيبي بعدها إلى القول “وبالتالي، هل الغُفول من ثوابت الفن العربي الإسلامي؟ وهل فعلاً إن هذا الفن عمل جماعي، لا فرديٌّ، كما تدَّعي بعض الدراسات، التي غاصت في التمويه تارة، وفي عدم الوضوح طوراً آخر؟ كيف يمكن التغلب على هشاشة التحفة التي لا تصمد أمام عوادي الزمن، وعلى ندرة تراجم الفنّانين في الإسطوغرافية العربية الإسلامية؟ كيف يمكن تجنُّب إسقاطات المقارنة مع النهضات الأوروبية، كالنهضة الإيطالية؟”. يقدّم الكتاب عبر البحث والتحليل مقارباته للفنانين مجهولي الهوية الذين قدّموا أبرز الأعمال والتحف الفنية في التاريخ الإسلامي، من خلال نقاش قضية الغُفول في تعقيدها الاجتماعي، ومجادلة مفاهيم وآراء تخصُّ الاستشراق التقليدي في سياقه التاريخي، ومن ثمَّة وضع اللبنات الأولى لإعادة قراءة تاريخ الفن نفسه، من خارج المركزية الغربية.