يعاني مرضى الكزيروديرما (أطفال القمر) من مشكل غلاء المستلزمات الخاصة بهم وعدم تعويض صناديق التأمين الاجتماعي لأدويتهم بسبب عدم إدراج مرضهم في قائمة الأمراض المزمنة، وهو الأمر الذي دفع عدة متطوعين للتفكير في طرق لمساعدتهم على التخفيف من معاناة المصابين وأولياؤهم ولو ماديا. يعد كزيروديرما مرضا وراثيا نادرا ناتجا عن فقدان الحمض النووي لخاصيته في معالجة الطفرات ويتميز بحساسية جلد شديدة ضد أشعة الشمس والضوء والحرارة وبالتهابات في العين غالبا ما تؤدي إلى الإصابة بسرطان هاذين العضوين. وبسبب الحساسية المفرطة لأشعة الشمس والضوء يحتاج المريض لدهن الكريمات الشمسية الواقية من الأشعة فوق البنفسجية مرة كل ساعتين، غير أن هذه الأخيرة أصبحت خلال السنتين الأخيرتين باهضة الثمن (منذ إدراجها في قائمة مواد التجميل ومنع استيرادها) علما أن سعر القطعة الواحدة للكريمة يتراوح ما بين 3.000 إلى 6.000 دج والمريض يحتاج لقطعة واحدة كل أسبوع. ويحتاج المصاب لمستلزمات أخرى كالنظارات والقفازات والقبعات والملابس والستائر وأجهزة التكييف وبمواصفات خاصة بالمرضى وكلها غير متوفرة في الجزائر وليست في متناول الأولياء بسبب غلائها. كما يجد هؤلاء المرضى صعوبة في التمدرس بسبب عدم وجود أقسام خاصة بالمرضى تتوفر في بعض الشروط المعينة كالظلام، إلا نادرا. وكعينة عن معاناة أولياء المرضى، تؤكد بالسيدة بودكان دليلة من الحراش (الجزائر العاصمة) والدة الطفلة شاهيناز (7 سنوات) مصابة بهذا المرض والتي أكدت لنا صعوبة وجود مريض بالكزيروديرما في العائلة سواء من الجانب المادي أو النفسي أو الاجتماعي. وقالت أنها منذ علمها بمرض ابنتها وهي “تكافح” من اجل الحصول على ابسط حقوقها كالتمدرس مثلا، مشيرة إلى أنها تمكنت من تسجيل ابنتها في السنة الأولى بصعوبة كبيرة خلال الموسم الدراسي الحالي، كما أنها تتوجه كل ساعتين للمدرسة لوضع الكريمة لابنتها التي وضعت في قسم مع أطفال عاديين إلا أن نوافذه مغطاة بستائر خاصة تبرعت بها جمعية “السعادة” لمساعدة “أطفال القمر”. وأوضحت انه ماعدا المدرسة فان الصغيرة شاهيناز لا تغادر بتاتا غرفتها المظلمة ولهذا أصبحت منطوية على نفسها ومنعزلة ولا تكلم أحد. وأشارت إلى أنها لا تستطيع هي وزوجها التكفل بمستلزمات ابنتها بسبب غلائها وعدم تعويضها من طرف صندوق التأمينات الاجتماعية، إلا أنها لحسن الحظ تتلقى مساعدات من جمعية “السعادة”. كما أعرب ب.أحمد من عين الدفلى والد طفلين مريضين (9 و 15 سنة) عن امتعاضه التام إزاء لامبالاة السلطات المحلية لمرض طفليه وعدم مساعدتهم له مؤكدا أنهم حرموا من التمدرس بحجة تجاوزهم السن القانونية وعدم وجود أقسام خاصة بهؤلاء المرضى. ودعا المتحدث إلى التكفل بهذه الفئة من المرضى بتخصيص منحة لهم لمساعدتهم على شراء احتياجاتهم خاصة. وفي هذا الصدد ذكرت رئيسة جمعية “السعادة” لمساعدة “أطفال القمر”، سهام بن بتقة، أن جمعيتها تكاد تكون الوحيدة المخصصة لمساعدة المرضى البالغ عددهم على المستوى الوطني حوالي 270 مريضا (الحالات المعلن عنها فقط)، حيث تمدهم بعد تلقي الهبات من المحسنين، بمختلف المستلزمات من الكريمات الشمسية وغيرها، كما توفر لهم المواعيد الطبية والأشعة، وتنظم لهم رحلات ترفيهية ليلية خصوصا وأن معظم المرضى ينحدرون من عائلات فقيرة لا تقدر على تلبية احتياجاتهم. ..هبة تضامنية لمساعدة “أطفال القمر” كما دفع هذا الوضع إلى خلق مبادرات تضامنية تهدف لمساعدة هذه الفئة، حيث شرعت مجموعة من الشباب المتطوع في حملة واسعة لجمع أغطية القارورات البلاستيكية لإعادة بيعها واقتناء مستلزمات هؤلاء المرضى، حسبما ذكره أحد أعضاء هذه المجموعة. وأوضح أوزيان رضا لوكالة الأنباء الجزائرية، أنه ورفقائه قاموا في يونيو 2019 بتكوين مجموعة تطوعية وإنشاء صفحة عبر الفايسبوك بهدف جمع أغطية القارورات البلاستيكية لإعادة بيعها وجمع أموالها للتبرع بها لجمعية “السعادة” التي تستعملها في اقتناء بعض المستلزمات التي يحتاجها المرضى. وأضاف السيد أوزيان أن هذه الفكرة جاءت من إحدى المتطوعات في هذه المجموعة (كهينة حجارة بمساعدة أمين قمقاني) التي كانت عملت بها في السابق ولكن على نطاق ضيق ليتم تبنيها بعد ذلك من طرف مجموعة من الشباب التي فتحت صفحة عبر الفضاء الأزرق وشرعت في تحسيس المواطنين بهذا المرض ودعوتهم للمشاركة في حملة جمع الأغطية البلاستيكية. وأكد المتحدث أن هذه الحملة لقيت صدى واسعا لدى المواطنين الذين انخرطوا فيها على نطاق واسع على مستوى 44 ولاية، مشيرا إلى أن عدد المتطوعين أصبح حاليا 300 متطوع من بينهم 100 متطوع في الجزائر العاصمة، علما أن المتطوعين من مختلف شرائح المجتمع. وبخصوص اختيار جمع أغطية القارورات البلاستيكية بالذات أوضح السيد اوزيان أن المادة المصنوعة منها الأغطية ذات جودة ونوعية مطلوبة بكثرة من طرف محولي البلاستيك حيث يصل ثمن الكيلوغرام الواحد منه إلى 70 دج، لافتا إلى أن أموال البيع يتم نقلها من محول البلاستيك مباشرة إلى حساب الجمعية. من جهة أخرى، بإمكان هذه المبادرة أيضا – يضيف – أن تكون ذو فائدة مزدوجة إذ تعد نشاطا مفيدا للبيئة وتسمح بالتخلص من تواجد الأغطية البلاستيكية في الطبيعة. وبدورها أكدت السيدة بن بتقة استحسانها للمبادرة التي يقوم بها هؤلاء الشباب و انخراطهم في العمل الخيري الذي تقوم به الجمعية منذ تأسيسها في سنة 2012. وقالت السيدة بن بتقة أن ما يقوم به هؤلاء الشباب “عمل رائع يستحق التشجيع”، مشيرة إلى أن الجمعية تستعمل هذه المساعدات رغم قلتها في سد بعض متطلبات المرضى. .دعوات لإدراج الكزينوديرما في قائمة الأمراض المزمنة لتعويض المرضى غير أنه ورغم كل هذه الجهود التضامنية يبقى مرضى الكزيروديرما في حاجة ماسة لمساعدات “قانونية” لتعويض الأدوية وتخصيص منح مالية لهم لشراء مستلزماتهم. وفي هذا الإطار أعربت السيدة بن بتقة عن “سخطها الكبير” لغلاء المستلزمات الخاصة بهؤلاء المرضى، مطالبة السلطات العمومية ب”إيلاء الاهتمام لهذه الشريحة والاعتراف بمرضهم كمرض مزمن وسن قانون خاص بهم يمكنهم من شراء مستلزماتهم وقبول تعويضها لهم”. كما دعا أولياء المصابين إلى إدراج مرض أبنائهم في قائمة الأمراض المزمنة المعوض عليها 100 بالمائة، مطالبين أيضا بضرورة تخصيص أقسام خاصة للمرضى المصابين بالكزيروديرما حتى يتسنى لهم تتبع مشوارهم الدراسي كالأطفال العاديين تماما. ولدى اتصالنا بالمديرية الولائية للبليدة للصندوق الوطني للتأمينات الاجتماعية، تم التأكيد لنا على أن “مشكل هؤلاء المرضى وطني ويتطلب طرحه ومعالجته على المستوى المركزي”. وبخصوص ظروف تمدرس الأطفال المصابين بولاية البليدة، ذكرت المديرة المحلية للتربية غنيمة آيت إبراهيم أن ولاية البليدة “لم تحص لحد الآن أي حالة أو طلب لتمدرس الأطفال المصابين بهذا المرض”.