صدر عن الدار العربية للعلوم ناشرون في بيروت، كتاب «سجين في قصره... صدام حسين وحراسه الأمريكيون، وما لم يسجله التاريخ» (2019)، للمؤلف ويل باردينوربر، بنسخته العربية، أنجز الترجمة بسام شيحا، وقد جاء في (262) صفحة، والكتاب في ثلاثة أجزاء وسبعة وثلاثين فصلاً، يتخللها عدد من العناوين الفرعية. يروي الكتاب قصة الأشهر الأخيرة للرئيس الراحل صدام حسين داخل قصره، ومقر محاكمته والأيام والساعات التي سبقت إعدامه. فقد جمع المؤلف الذي كان أحد حراس السجن الذي وضع فيه صدام حسين عقب اعتقاله عام 2003، بين عدة شهادات توثق مدى العلاقة القوية التي جمعت بينه وبين صدام حسين والحراس الأمريكيين خلال فترة اعتقاله حتى تنفيذ حكم الإعدام في عام 2006. ..الطفولة المعذبة يستذكر المؤلف في الفصل الثامن مرحلة طفولة صدام حسين المعقدة، وكيفية وصوله إلى سدة الحكم في العراق، حيث وُلِدَ صدام حسين المجيد التكريتي يوم 27 أو28 إبريل 1937 في عنف قرية (العوجة) وبؤسها. بالقرب من تكريت شمال بغداد في محافظة صلاح الدين، حيث نشأ صدام حسين ابناً لأسرة فقيرة جداً. وتيتم مبكراً وكره بيت زوج الأم، أو العم، ولجأ إلى دفء بيت الخال، خير الله طلفاح، ولم يعرف صدام قط والده الذي توفي قبل ولادته بخمسةِ شهور. ويعترف صدام حسين في أكثر من مناسبة، أنه لم يعش طفولة مريحة، وكان عليه كما يقول هو نفسه أن يواجه قدره بنفسه. فمنذ البداية اختير له اسم ينبئ بالعنف والقسوة والحزم، ويدل اسم صدام على الشخص الذي يواجه. «أنا أتذكر كيف نشأت. كنت فلاحاً فقيراً» صدام حسين يرد على تساؤلات أحد الحراس الذي سأل صدام أنه يرضى دائماً بالقليل في السجن. يقول أحد الجنود المكلفين بحراسة صدام: «إن صدام كان يبدو في نومه كأسد في حديقة الحيوانات... وكان يبدو مهيباً ومسالماً». ..في ظِلالِ السلطَةِ ويؤكد الكاتب بأَن صدام حسين تولى حكم العراق في عام 1979، بعد إقالة الرئيس أحمد حسن البكر، من قبل صدام حسين وأعوانه في حزب البعث، حيث شهدت فترة حكمه أحداثاً كبيرة كان من أبرزها حرب الثماني سنوات مع إيران (1980- 1988)، ثم أصدر قراراً بغزو الكويت عام 1990. ومنذ يوليو عام 1979، انغمس صدام في صراع مستمر لا هوادة فيه، كي يبقى في السلطة، حيث قاد صدام حملة تصفيات طالت العديد من رفاقه. من هنا أصبح صدام حسين خبيراً في استغلال الخوف لإرهاب الشعب العراقي. ويؤكد على ذلك قول صدام حسين: «أي شخص يقف في وجه الثورة، حتى لو كانوا ألفاً، ألفين، ثلاثة آلاف، عشرة آلاف، سأقطع رؤوسهم بدون أن تهتز شعرة من رأسي أو يهتز قلبي من أجلهم». ..الاعتقال ويوضح مؤلف الكتاب بعد احتلال العراق من قبل القوات الأمريكية في أبريل 2003، بدأت رحلة البحث عن صدام حسين، حيث تم اعتقاله من قبل القوات الأمريكية بتاريخ 13/12/2003. وفي الفصل السابع من الكتاب ثمة الكثير من تفاصيل الحياة اليومية لصدام على مدار خمسة أشهر سبقت إعدامه، وكان فيها سجيناً في قبو أحد قصوره السابقة في بغداد، على ضفاف نهر دجلة. يقول أحد الجنود المكلفين بحراسة صدام: «إن صدام كان يبدو في نومه كأسد في حديقة الحيوانات... وكان يبدو مهيباً ومسالماً». وكانت مراقبة صدام في الأسابيع الأولى بالنسبة للجنود مزيجاً من الخوف واليقظة المتوترة والضجر، حيث تم استجواب صدام من قبل المخابرات المركزية الأمريكية نحو خمس وعشرين مرة، على أمل الحصول على معلومات، ولكن مهمتهم لم تكن يسيرة. فعندما بدأت جلسات الاستجواب كان صدام يجلس ويضع ساقاً فوق الأخرى، بارتياح تام ظاهرياً. كان صدام يرغب بمخاطبته كرئيس شرعي للعراق، فكان حريصاً بشدة على البقاء في وضعية منتصبة، وعدم التراخي أبداً. وقد جاراه فريق التحقيق على مضض، أملاً في الحصول على مزيد من المعلومات. ويذكر المؤلف في إحدى المراحل، عبّر صدام عن انزعاجه من مجموعة أسئلة بالقول: «ظننتُ أن هذا حوار تاريخي وليس استجواباً». ويضيف صدام حسين مخاطباً فريق السي آي إيه: «إنكم ستحتاجون لشخص مثلي للحفاظ على تماسك هذا المكان». وقد خاطب صدام الجندي إليس، بنبرة جدية: «سوف يتمنون لو أنهم أرجعوني». وحسب الكاتب يُعد صدام حسب أحد الحراس، عبقرياً بحق في مجال العلاقات الشخصية... فكان يتحكم كلياً بنفسه ويناور بصورة دائمة، وقد أصبحت زنزانته منزله المؤقت بعدما كانت قصوره مبعثرة على كامل الجغرافية العراقية، حيث كان يجلس صدام وجوزيف مترجمه الأمريكي من أصول لبنانية، يدخنان سيجاراً من نوع كوهيبا ويدردشان بحميمية عند الزاوية البعيدة من منطقة الاستراحة، مقابل الباب، وكانت هناك بقعة من التراب نمَت فيها بعض الأعشاب الضارة، وكان صدام يسقيها يومياً كما لو كانت وروداً جميلة. وبدأ صدام في سجنه بتدوين مذكراته على كراسته الصفراء، مع مرور كل يوم، كان يبدو بأنه يزداد ولعاً بتثبيت أفكاره على الورق. لطالما أبدى صدام انشغالاً هَوَسياً بإرثهِ. ولا بد أنه أدرك بأنها قد تكون فرصته الأخيرة لضمان نقل أفكاره وتأملاته للأجيال التالية. ويُبين المؤلف أن صدام في معتقله كان يستمد سعادة هائلة من متع بسيطة، ومن أكثر ما أثار اندهاش واستغراب مؤلف الكتاب، هي الصورة التي وجد عليها الرئيس الراحل صدام حسين. فعلى الرغم من حياته في أفخم القصور، إلا أنه استطاع أن يعيش في زنزانته الصغيرة. في المقابل رفض صدام حسين أداة ترفيهية عصرية للاستماع للموسيقى مثل قارئة (دي في دي) محمولة، لكنه فضل الراديو القديم بهوائييه الباحثين عن إشارات في السماء الصحراوية. كان يتنقل أحياناً بين الأغاني العربية والأمريكية الرائجة، وكان دائماً يتوقف عن البحث لدى سماعه أغاني لماري ج بلايج خاصة أغنية (Family Affair) بمعنى شؤون عائلية. وقد كشف الكتاب الجديد الكثير من الحقائق عن آخر أيام قد عاشها الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، حيث قضى أيامه الأخيرة في أكل الكعك، وأعمال البستنة في حديقة السجن، ويقول الممرض الأمريكي المشرف على صدام في السجن، كان صدام يأكل ما يأكله الجنود، وكان يؤدي واجب الصلاة خمس مرات في اليوم، ويقرأ القرآن، ويقوم بواجب الصوم، ولم يظهر أي مشاعر حزينة عندما عَلِمَ بمقتل ولديه عدي وقصي. ويقول باردينوربر في كتابه: «مع مرور الوقت، تطورت العلاقة بين بعض الحراس وصدام إلى نوع من الصداقة خلال فترة قصيرة». كما روى صدام حسين للسجناء أنه غضب من ابنه عدي ذات مرة لدرجة أنه أحرق جميع سياراته الفارهة، وهي مجموعة تشمل رولز رويس وفيراري وبورشه ثم يضحك ويقول إن ابنه قد شاهد الجحيم. ووفقاً للكتاب كان يخاطب صدام أحد حراسه من الجنود الأمريكيين بينما كان يمارس الرياضة على دراجة عتيقة مهترئة بقولهِ: «عندما أُصبِحُ قوياً، وأكون غزالاً كاملاً، سأقفز فوق أسوار السجن وأهرب». يتحدث المؤلف في الفصل الثامن عشر عن محاكمة صدام، وبِأَن المحكمة العراقية العليا أُنشِئتْ في مقر سابق لقيادة حزب البعث، حيث لم يهتم صدام كثيراً بالتهم الموجهة له، ويبدو أنه كان شبه متأكد من الحكم عليه بالإعدام، حيث كان يدرك بِأَنه سيصعد مجدداً إلى المسرح العالمي... بعدما أبلغ أحد محامي الدفاع صدام بأن مصيره سيكون الإعدام، طلب منه صدام إبلاغ الأمريكيين، بصفته قائداً للجيش – والكلام لصدام- أن يُقتَل رمياً بالرصاص وليس شنقاً، كأي مجرم عادي. سيظل صدام حسين في حالة وسط بين الخائن والعميل بنظر أعدائه، والقومي والمجاهد والشهيد بنظر مؤيديه. وهناك من يقول إن صدام حسين أُعدِمَ على مواقفه الإيجابية وليس السلبية، ويستمد كتاب «السجين في قصره» أهميته من حيث أنه يصلح كوسيلة إيضاح لفصل من حياة صدام حسين وأيامه الأخيرة. ..ليلة الإعدام وبعد قرابة ثلاث سنوات على اعتقال صدام وبتاريخ 5 تشرين الثاني/ نوفمبر 2006، تلا القاضي رؤوف عبد الرحمن الحكم في الجلسة النهائية من محاكمة صدام قائلاً: «قررت المحكمة الحكم على المدان صدام حسين المجيد بالإعدام شنقاً حتى الموت». علق صدام على الحكم بقوله: «لقد حُكم عليّ بالموت سابقاً، ولكن ذلك لم يحدث أبداً». في الفصل الواحد والثلاثين يصف المؤلف عملية الإعدام، حيث كان صدام نائماً بعمق في زنزانته داخل معتقل (الصخرة)، حوالي الثالثة صباحاً أمر الجنود الرئيس السابق أن ينهض، حيث بدأت التحضيرات النهائية لإعدامه، الذي سيُنفذ خلال بضع ساعات. وقد منحوه الوقت الكافي للاستعداد. ويؤكد باردينوربر استقبل صدام الخبر بهدوء، وبدا تقريباً بِأَنه كان يترقبه، حيث أمضى بعض الوقت في القيام بجرد ذهني لمجموعة ممتلكاته الصغيرة، مجموعة من الكتب والأوراق، إضافة إلى بضعة أطقم، أعطى ساعته الثمينة من ماركة (ريموند ويل) لأحد حراسه، ثم صافح حراسه الاثني عشر، لاحظ بضعة حراس الدموع تنساب على وجهه. ويضيف المؤلف تَحلقَ أفراد الشرطة العسكرية الستة حول الرجل العجوز ذي اللحية الفضية، حيث اقتادوه إلى طائرة مروحية، صعد الجميع إلى طائرة البلاك هوك، بعد رحلة قصيرة هبطت الطائرة ترافقها أخرى، في قاعدة عسكرية عراقية تقع في حي الكاظمية في بغداد. ارتسمت نظرة خوف وجيزة على وجه الرجل العجوز، حين اهتزت المروحية قليلاً في الجو، في ما عدا ذلك، ظل صامتاً ومتماسكاً. وعندما وصل إلى القاعدة العراقية، أنزله الجنود وقد ودعهم قائلاً: «ليكن الله معكم»، وقد اغرورقت أعينهم بالدموع.. كان اختيار السلطات العراقية إعدام صدام مع بداية عيد الأضحى أمراً سيصب مزيداً من الزيت على نار العداوات الطائفية المتقدة سلفاً، حيث تسلم موفق الربيعي صدام من حراسه الأمريكيين بتاريخ 30 كانون الأول/ديسمبر 2006، وهو من كان مسؤولاً عن عملية الإعدام، أُدخل صدام إلى غرفة في مقر سابق للاستخبارات العسكرية العراقية في عهد صدام، حيث قرأ قاضٍ بصوت عال لائحة الاتهامات عليه، ولكن صدام بدا للربيعي «طبيعياً ومسترخياً». بعد ذلك قاده الربيعي إلى المشنقة، رفض صدام تغطية رأسه، نظر إلى المشنقة ثم نظر إلى الربيعي من الأعلى إلى الأسفل، وقال: «يا دكتور، هذه للرجال». رد صدام على بعض الحضور الذين كانوا فرحين بعملية الإعدام، وقد أطلقوا شعارات طائفية «هل تعتبر هذه شجاعة؟». خلال لحظات كان صدام قد فارق الحياة وأسدل الستار على فصل دامِ في حياة حاكم ظل الرأي العام مشغولاً به حتى بعد مماته... لم يكن صدام وحده في (اللعبة)، إنما شاركه عدد من أفراد عائلته وعشيرته، وقياديين من حزب البعث والأجهزة الأمنية، عبر نظام يعتمد على السرية، وقد طبعت خلفيته العشائرية الفترة التي كان فيها حاكماً للعراق. حيث سيظل صدام حسين في حالة وسط بين الخائن والعميل بنظر أعدائه، والقومي والمجاهد والشهيد بنظر مؤيديه. وهناك من يقول إن صدام حسين أُعدِمَ على مواقفه الإيجابية وليس السلبية، ويستمد كتاب «السجين في قصره» أهميته من حيث أنه يصلح كوسيلة إيضاح لفصل من حياة صدام حسين وأيامه الأخيرة.