سمحت الندوة الوطنية حول مخطط الانعاش الاقتصادي، التي اختتمت يوم الاربعاء بالجزائر العاصمة، بصياغة تصور مشترك بين الحكومة و شركائها الاقتصاديين و الاجتماعيين حول اسس جديدة لنموذج التنمية الوطني. واكتسى تنظيم هذه الندوة اهمية خاصة، ليس فقط بالنظر لاشراف رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون على افتتاحه، وانما ايضا بالنظر لعدد و نوعية المشاركين الذين يمثلون معظم منظمات ارباب العمل والجمعيات المهنية ونوادي التفكير والنقابات وكذا الهيئات والمؤسسات الاقتصادية الرئيسية. وتأتي هذه الندوة في سياق الصعوبات التي فرضتها جائحة كورونا بالموازاة مع تدهور اسعار النفط على الاقتصاد الوطني والذي لا يزال يعاني من تبعية مفرطة للمحروقات وهو ما يفرض اكثر من اي وقت مضى تطبيق اصلاحات عميقة. وفي افتتاح اشغال هذه الندوة، القى رئيس الجمهورية كلمة رسم خلالها المعالم الرئيسية للمخطط الوطني للانعاش الاقتصادي الذي يجسد هذه الارادة. وفي هذا الاطار، اكد الرئيس تبون على حتمية بناء اقتصاد جديد مبني أولا على تكافؤ الفرص و تساوي الحظوظ بين كل أبناء الوطن دون تمييز بينهم وفتح المجال امام كل المبادرات المقاولاتية والتي من شانها تقليص الاعتماد على الريع. و في هذا الاطار، اوضح ان الهدف المسطر هو بلوغ الصادرات خارج المحروقات ل 5 مليار دولار بغضون 2021 مقابل 2 مليار حاليا، وتقليص مساهمة قطاع المحروقات في مداخيل البلاد من العملة الصعبة من 98 بالمائة حاليا الى 80 بالمائة. ولأجل بلوغ هذه الاهداف، تم تخصيص متاحات بنكية تتجاوز 1900 مليار دولار موجهة لتمويل الاستثمارات الوطنية في القطاعات التي يمكنها خلق الثروة ومناصب العمل. كما يتعين ايضا المزيد من الانفتاح على القطاع الخاص واشراكه بشكل فعال في قطاعات النشاط الرئيسية، تثمين المنتجات الفلاحية، دعم الصناعة التحويلية وتشجيع التصدير، حسب السيد تون. وتمت مناقشة هذه الخطوط العريضة التي عرضها رئيس الجمهورية في خطابه بالتفصيل من خلال 11 ورشة تتمحور حول التنمية الفلاحية، التنمية الصناعية، التطوير المنجمي، تطوير الموارد الطاقوية، تمويل التنمية، كيفيات تسهيل الاستثمار، المؤسسات الصغيرة والمؤسسات الناشئة، تطوير قطاعات الدعم، التحكم في التجارة الخارجية، الصناعة الصيدلانية، فرع نشاط البناء والاشغال العمومية والري. وتراس هذه الورشات الوزير المكلف بكل قطاع بمشاركة ممثلي الادارات و المؤسسات المعنية فضلا عن خبراء المجال قصد تبادل الافكار وفتح حوار صريح حول اولويات التحرك والانشطة المستعجلة الواجب الشروع فيها. وبعد يومين من النقاش، تمخض عن هذه الورشات توصيات تخص كل قطاع تتمحور في عمومها حول تحرير المبادرات وتسهيل الفعل الاستثماري وحماية الانتاج الوطني الخلاق للثروة ودعم الاستثمار الفلاحي واطلاق تصنيع حقيقي وتطوير صناعة صيدلانية تغطي الحاجيات الوطنية وتشجيع اقتصاد المعرفة ودعم المؤسسات المصغرة وترقية قطاع البناء واصلاح وعصرنة البنوك. واكد الوزير الاول عبد العزيز جراد في ختام اشغال الندوة، ان هذا "التصور المشترك" سيشكل وثيقة مرجعية للسنوات المقبلة حيث انه سيشرع في تنفيذ المخطط الوطني للانعاش الاقتصادي "مباشرة بدون تأخير" وفق رزنامة زمنية تمتد على المدى القصير جدا (نهاية 2020) والمدى القصير (نهاية 2021) والمدى المتوسط (نهاية 2024). و تتضمن تدابير المدى القصير جدا قرارات عاجلة من شانها ازالة حالة الانسداد بينما تهدف تدابير المدى القصير الى تحضير تحول هيكلي للبيئة الاجتماعية و الاقتصادية. وفي مقابل ذلك، تتضمن تدابير المدى المتوسط اصلاحات و استراتيجيات للتنمية ترمي الى تنفيذ واستكمال عمليات الانتقال اللازمة، حسب الوزير الاول. واستقبل الشركاء الاقتصاديون والاجتماعيون هذا المخطط بالترحيب وابداء الرغبة الكاملة في الانخراط في هذا المسعى حيث تمحورت مختلف ردود افعال منظمات ارباب العمل حول اعتباره اطارا مشتركا للعمل على مواجهة التحديات التي تواجه المؤسسات و الاقتصاد الوطني بشكل أعم.