أعلن مؤخرا، في البيت الأبيض، الاتفاق بين البحرين والكيان الصهيوني على تطبيع العلاقة بينهما بصورة رسمية، جاء هذا الإعلان على لسان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في خطوة تطبيعَية، لم تكن مفاجئة، بل متوقعة تماما، بالذات على ضوء، ما جرى في اجتماع للجامعة العربية، على مستوى وزراء الخارجية العرب، الذي رفض إدانة الخطوة الإماراتية، بضغط من مصر والمملكة العربية السعودية والبحرين، وسكوت الآخرين، والسكوت كما يقول المثل العربي، علامة الموافقة، الذي أعطى الضوء الأخضر لأنظمة الحكم العربية، التي في جعبتها أو في سياستها المستقبلية، ونقصد هنا المستقبل القريب، للبعض منها وربما البعيد إلى حد ما للبعض الآخر، بالتطبيع الرسمي مع الكيان الصهيوني. من المؤكد أن هذا التطبيع سيضر بالقضية الفلسطينية، ضررا بليغا، خصوصا إذا ما تم على نطاق واسع، لأنه سيكون بمثابة الأحجار التي يتم بها، بناء جدران عالية لمحاصرة الفلسطينيين، ويمنح الشرعية لكيان إمبريالي، استيطاني، عسكري، على مستوى المنطقة والعالم. صحيح أن إحدى الدولتين المطبعَتين، البحرين ليس لها ثقل سياسي ناظم لموجهات السياسة في المنطقة العربية، إلا أن الإمارات لها في حقل الاستخبارات، الذي له أبعاد سياسية في صناعة أدوات تلك السياسة لجهة التغيير في المشهد السياسي الفلسطيني، ونقصد هنا محمد دحلان الذي تقول التسريبات إنه كان وفي وقت سابق، قد زار الكيان الاستيطاني الإسرائيلي، وهو من ساهم في إخراج، اتفاق التطَبيع، وحسب هذه التسريبات، فإن الإمارات، في توجهها هذا، تبيح لنفسها التدخل في الشأن الفلسطيني بالشكل الخفي، بالتعاون مع الكيان الصهيوني، ومنذ سنوات وليس الآن، وبالذات بعد رحيل المرحوم الشيخ زايد، وقبل قليلا من هذ الوقت، في المرحلة التي تلت الغزو الأمريكي للعراق واحتلاله، المرحلة التي تغيرت فيها، قواعد اللعبة السياسية في المنطقة العربية وجوارها، بزاوية 180درجة، لكن من الجانب الثاني فإن الإمارات، كما البحرين ليس لها ثقل ناظم لموجهات السياسية الإقليمية، سواء في المنطقة العربية، أو في الجوار الإسلامي. التطبيع الرسمي بين الكيان الصهيوني ونظام الحكم في الدولتين آنفتي الذكر، وما سيتبعهما من أنظمة الدول العربية الأخرى، لم يكن بالمطلق لصالح القضية الفلسطينية، بأي شكل وبأي صورة من الصور، كما يقول مسؤولو التطبيع، بأنهم فعلوا ما فعلوه، من أجل القضية الفلسطينية، واستحصال الحقوق الفلسطينية في دولة ذات سيادة، وعاصمتها القدس الشرقية، عن طريق الحوار والسلام، في فرية وخديعة كبيرتين. نتنياهو في معرض وصفه لاتفاق التطبيع قال: نجحنا بطرقنا الخاصة بتغيير مصطلح «الأرض مقابل السلام» ب»السلام مقابل السلام». التطبيع في حقيقته ومداخيله، تصفية للقضية الفلسطينية، لارتباطه بمخطط واسع النطاق (صفقة القرن) لا ينحصر بالدولتين، بل بدول أخرى، وفي مقدمة تلك الدول، مصر والمملكة العربية السعودية، بدوريهما الوظيفي في متواليات التطبيع، بوصفه قاعدة إطارية ومادية لصفقة القرن. وهذا المخطط استراتيجية أمريكية إسرائيلية، جرى تبنيها منذ سنوات، أي منذ ولاية بوش الابن، وتتمحور إطاريا في إعادة رسم الخرائط الجغرافية السياسية للمنطقة العربية، الذي سمي في حينها، الشرق الأوسط الكبير. إن «صفقة القرن» هي العمود الأوسط للشرق الاوسط الكبير، بمعنى آخر، لا يمكن تمرير صفقة القرن إلا في تمرير مخطط الشرق الأوسط الكبير، كما لا يمكن تمرير مخطط الشرق الأوسط الكبير، الا بتمرير صفقة القرن في توائم زماني ومكاني، وفي علاقة جدلية بين المشروعين، اللذين هما من حيث الهدف، مشروع واحد باتجاهين. وسط هذا التدافع في الأحداث، ما هو المطلوب من الفلسطينيين وبقية العرب في الأوطان العربية لمقاومة هذا المشروع الإمبريالي الأمريكي الصهيوني، الذي يستهدف الفلسطينيين في حياتهم ووجودهم، والشعوب العربية في أوطانهم المهددة بالتقسيم: أولا، مقاومة أو اختيار طريق المقاومة الفلسطينية بجميع أشكالها وفصائلها، لدحر هذا المخطط وإفشاله، وعلى أقل تقدير كمرحلة أولية، الحد من تأثيراته. ثانيا، تجسير منطقة الفراغ، التي خلقتها الأوضاع الحالية التي تعيش فيها الأوطان العربية، بين المقاومة الفلسطينية، بجميع فصائلها مع الشعوب العربية في الأوطان العربية المهددة بالتقسيم، سوريا، اليمن، ليبيا، العراق، ونقصد هنا الشعب المقاوم للمشروع الأمريكي الصهيوني، الهادف في نهاية المطاف إلى تقسيم تلك الدول إلى دويلات، أو إلى فدرلتها على شكل كونفدراليات لخلق دول هشة وضعيفة، تسهل السيطرة عليها وعلى مقدراتها والتحكم فيها إلى الامد البعيد، وبالتالي الانفراد بالشعب الفلسطيني، أي تجريده من الظهير العربي الساند والداعم له ولنضاله. هناك من يحيل هذا التحول الدراماتيكي العربي من القضية الفلسطينية إلى سياسة أمريكا ترامب، الداعمة للكيان الصهيوني على حساب الحق الفلسطيني في دولة ذات سيادة على حدود الرابع من يونيو 1967، التي استندت إليها المبادرة العربية، التي أسدل الستار عليها، أو تم وضعها في غرفة الارشيف التاريخي المهمل، ولم يعد أحد من دهاقنة الأنظمة العربية المطَبعة، سواء بالتطبيع الرسمي والمعلن أو التطبيع المحتجب وراء غربال الغش والكذب والخديعة بحاجة إليها. هذه الإحالة، خطأ في قراءة الاستراتيجيات الأمريكية التي يتم وضعها من قبل أمريكا الرسمية، أو أمريكا العميقة، وما الرئيس الأمريكي، أي رئيس، إلا منفذ لتلك السياسات، بهامش واسع جدا، في اختيار الوقت والظرف المناسبين لتحويل تلك الاستراتيجيات إلى واقع، وهذا هو ما قام به ترامب، بتفعيلها على أرض الواقع. تذهب هذه القراءات إلى أن الوضع سوف يتغير بمجيء جوزيف بايدن إلى رئاسة الإدارة الأمريكية، الذي سيغير المشهد السياسي في المنطقة العربية، وفي المقدمة منها، السياسة الأمريكية حول القضية الفلسطينية.. إن هذا لن يحدث، إذ أن الحقيقة الثابتة في السياسة الأمريكية، هي موقفها المؤيد للكيان الصهيوني، بلا قيد أو شرط. إن الحزبين، الديمقراطي والجمهوري، مهما اختلفا، فهما متفقان على الالتزام الاستراتيجي الثابت، الذي لا تلعب به أو لا تغيره جميع تغييرات السياسة الدولية والإقليمية، في ضمان أمن اسرائيل المستدام، وتفوقها العسكري، أعلى جميع جيرانها العرب. إن الذي يجبر الإدارة الأمريكية ومَن وراءها أو بتوجيه استشاري من أمريكا العميقة، على إدخال تغييرات مهمة على سياستها ومواقفها، سواء في فلسطين التي يهدف المشروع الأمريكي الإسرائيلي على ابتلاعها بالكامل، إلا غيتوات محاصرة بالقوة العسكرية والأمنية الصهيونية، أو في الاوطان العربية التي يشتغل المشروع الأمريكي الصهيوني على إعادة رسم خرائطها الجغرافية السياسية، لضمان استدامة المحطات النهائية للمشروع الأمريكي الإسرائيلي، إلى الأمد البعيد جدا، أو إلى الأبد، كما يتخيلونه في شكله الختامي، هو قوة وصلابة ومطاولة المقاومة في فلسطين، وفي الأوطان العربية، بأشكالها وأنواعها المتعددة. عندها يؤكد لهما، الواقع على الأرض، أن الزمن يشتغل بالضد من مشروعهما، وأن استمرار المقاومة تحفر عميقا تحت جرف هذه الهيمنة، وبوصلتها الموجهة لمشروعهما، ما يؤدي مع مواصلة الكفاح إلى انهيار هذه الهيمنة. لذا، فإن مواصلة النضال برؤية واضحة، ومحددة في الخطاب النضالي، وفي الترجمة الفعلية له، على أرض الواقع، تأخذ في الاعتبار عند التخطيط لها، الوضع الفلسطيني والعربي والإقليمي والدولي، وما فيه من تغييرات آنية ومستقبلية، سواء في فلسطين أو في الأوطان العربية، التي يشتعل فيها لهيب الصراع الأهلي، بموجهات أمريكية وإسرائيلية، بواسطة أدوات الإنابة العربية عنهما أو غيرها، في زيادة سعير تلك الحرائق، وتوسيعها، إلى أن تصل إلى حافاتها النهائية، التي تستدعي حضور الحلول من الراعي الأمريكي وغير هذا الراعي من القوى الدولية الاخرى. إن من يمنع هذا السقوط، هو طريق الكفاح ولا طريق غيره. هذا التوجه، هو ما يدفع أمريكا الرسمية إلى إعادة النظر في مشروعها، بإدخال تغييرات مهمة لصالح الأوطان العربية والقضية الفلسطينية، حتى تتجنب الخسارة الكلية. موقف القوى العظمى والكبرى، سيتغير جديا وواقعيا وحقيقيا، حين يكون الموقف في الأوطان العربية التي تتعرض إلى هجمة تطال وجودها في الحاضر والمستقبل، والوضع في فلسطينالمحتلة، موقفا موحدا على طريق المقاومة من أجل حق شعوبها في الحياة والوجود الحر، في دول مستقلة ذات سيادة فعلية وغير مستلبة. عندها لن يكون أمام العالم بقواه الدولية المؤثرة في القرارات الدولية، إلا البحث عن حلول منصفة وعادلة. ويبقى السؤال المهم: هل هناك في العالم، كل العالم وبجميع قواه الدولية والإقليمية، من يمنح حقوق الضعيف والخانع والخائف، كبادرة إنسانية يفرضها العدل والانصاف والحق، بالتنازل عن مشروع الهيمنة والسلب والنهب للثروات وسلب الإرادة، لصالح قتل روح الاعتراض الشعبي على هذا الاستغلال؟ الاجابة المؤكدة أو التي يؤكدها واقع السياسية الدولية بمداخلها ومخارجها هي، لا توجد. إن التطبيع مع الكيان الصهيوني، هو بيع للأوطان العربية وفلسطين في سوق النخاسة، بلا مقابل، المقابل الوحيد، هو حماية الحاكم العربي من غضب الشعب، والسكوت على جرائم هذا الحاكم، والتاريخ علمنا، أن الشعوب لا تقهر، ونهاية الحاكم الظالم والمتجبر، والمحتمي بالحامي الدولي بقوته العسكرية الهائلة، الذي اشترى منه الوطن وما فيه من ثروات، وشعب، ومستقبل، مقابل حمايته من انفجار شعبه، مكب قمامة التاريخ. وأوكد على أن التطبيع لم ولن يجلب السلام والاستقرار إلى المنطقة العربية، بل العكس هو الصحيح بالكامل. الغالبية العظمى من الشعوب العربية وقواها واحزابها، رفضت التطبيع رفضا كاملا. اما في فلسطين، فقد رفض رفضا تاما ومطلقا من قبل الشعب العربي الفلسطيني، سلطة وأحزابا وفصائل مقاومة ومنظمات فلسطينية مقاومة. القدس العربي