يناقش الكاتب والباحث الأكاديمي الجزائري أحمد دلباني، تمرد الشاعر السوري أدونيس على التراث والمقدس، في كتابه "أدونيس؛ بروميثيوس عربي" الصادر حديثًا عن معهد العالم العربي في العاصمة الفرنسية باريس. ويجسد الكتاب حلقة في مشروع أطلقه المعهد للاحتفاء بوسطاء الثقافة الكبار بين ضفتي المتوسط منذ القرن التاسع عشر. وفي حديث خاص ل"إرم نيوز"؛ قال دلباني:"تم اقتراحي لتأليف الكتاب من قِبل أدونيس نفسه لاعتبارات، أهمها أنني كرست بعضًا من جهودي النقدية لدراسة الظاهرة الأدونيسية منذ نشرت، في دمشق، كتابي (مقام التحول؛ هوامش حفرية على المتن الأدونيسي) العام 2009′′. وأضاف:"ألَّفت الكتاب محترمًا شروط التأليف المطلوبة في هذا المشروع، التي تؤكد على ضرورة تقديم الكاتب المُحتفى به للقارئ بصورة مضيئة لأهم جوانبه الإبداعية، والتميز في نتاجه مع اقتراح مختارات من أكثر أعماله أهمية، وهو ما قمت به مع المُنجَز الأدونيسي الممتد لأكثر من نصف قرن". ..مئة كتاب وكتاب وتنبع أهمية مشروع "مئة كتاب وكتاب" الذي أطلقه معهد العالم العربي في باريس، من مهمته الرامية إلى التعريف بوسطاء الثقافة بين ضفتي البحر الأبيض المتوسط، وتجاوز العلاقات الصدامية للوصول إلى تعزيز وبناء روابط حضارية قائمة على التنوع. ويقدم المشروع تعريفًا بأكثر من 100 شخصية كان لها دورها الحضاري في تقريب وجهات النظر، وتعزيز التلاقح الثقافي، وترميم الذاكرة. ..عن الكتاب ويصنف أدونيس كأحد أبرز رواد الحداثة ومنظريها في العالم العربي، بالاعتماد على حوارات أجراها الكاتب مع الشاعر السوري، فضلًا عن مراجعات نقدية أكاديمية لمؤلفاته المترجمة إلى الفرنسية ونصوصه. ومن أجل عرض جيد لفكر أدونيس ورؤيته للعالم، انطلق الكتاب من اقتباس لأدونيس في أحد كتبه؛ مفاده:"المعنى هو أمام الإنسان". ويقول دلباني في مقدمة كتابه إن"هذه المقولة تلخص -بطريقة مكثفة- الموقف من إشكالية الحقيقة داخل ثقافته القائمة على منظومة الفكر الديني في الماضي أو العقائديات الإيديولوجية منذ الخمسينيات تحديدًا". ويضيف:"يريد أدونيس تحرير العقل في مواجهته للمجهول، وبالتالي المساهمة بولادة ثقافة عربية جديدة متحررة من ذلك التعالي العقائدي الذي جعلها محاصرة ومُعتقَلة في النص الديني أو الأيديولوجي". وسلط الكتاب أيضًا الضوء على جانب آخر من فكر أدونيس تجسَّد في مقولته:"المعنى هو نتاج الكتابة". ويقول دلباني في مقدمة كتابه، إن هذا الاقتباس:"يتعلق بمسألة الإبداع الأدبي وعلاقته بالمعنى، إذ بعيدًا عن اعتبار الكتابة الشعرية تنويعًا بسيطًا على النص الأيديولوجي أو على نص أول، يدعو أدونيس إلى كتابة جديدة تقدم نفسها بوصفها مغامرة من خلال اللغة في ليل العالم". ويناقش الكتاب مفهوم الحداثة لدى أدونيس، ويرى أنها ليست مجرد قضية جمالية أو شعرية بحتة، بل هي تجسد أيضًا تحديًا ثقافيًا عالميًا. ..بين أدونيس وبروميثيوس ويثير عنوان الكتاب تساؤلًا عن علاقة أدونيس بالشخصية الأسطورية بروميثيوس، إذ يرى دلباني أن أدونيس شاعر استطاع تجسيد روح الحداثة الفنية والفكرية العربية، من منطلق ثوري تجاوز ثقافة تهيمن عليها رجعية دينية واجتماعية. وينوه الكتاب إلى أن بروميثيوس العربي (أدونيس) ثار منذ بداياته على المُقدَّس في الحياة العربية، وتمرد على أسس ثقافة الاستسلام القدرية التي تحرم الإنسان من القدرة على التصرف أو تغيير مصيره. ويشير الكتاب إلى أن التجربة الأدونيسية تمثل انتصارًا للأنا المُبدعَة وشعلة نار الحرية الفردية، في مواجهة رماد النموذج الثقافي التقليدي على حد تعبيره.