الطبقة الاجتماعية في دولنا الخليجية ليست نتاج التاريخ، بمعنى أنها لم تصنع ذاتها بذاتها بقدر ما ساعد ظهور النفط والاستفادة من ريعه على إيجادها. قبل النفط لا يمكن الحديث عن الطبقة الاجتماعية في هذه الدول بصورة علمية، وإنما يمكن الإشارة إلى وجود مراكز اجتماعية حددها العامل الاقتصادي المتمثل في الثروة اعتماداً على مجتمع الغوص وامتلاك السفن. كذلك لا يمكن الحديث اليوم بحرية وبمنهج علمي دقيق عن الطبقات الاجتماعية في هذه الدول، بناءً على تقسيماتها المعروفة من طبقة عليا وطبقة وسطى وطبقة سفلى، لسبب بسيط وهو أنه منذ ظهور النفط تحددت الطبقة العليا في المجتمع بشكل يقلل بل ينفى إمكانية الحراك الاجتماعي منها وإليها للطبقات الأخرى. تحدد الدكتورة "ماجدة بركة" في دراسة لها عن الطبقة العليا في مصر في أوائل هذا القرن حتى بداية الثورة عام 1952م ثلاثة عوامل مهمة للانتماء إلى هذه الطبقة العليا وهم: العامل الأول اقتصادي متمثل في الثروة وهو ما يركز عليه معظم الباحثين وهناك عاملان ثقافيان وهما "الأسرة الطيبة" و"التعليم" وتؤكد على أن العامل الأول ثابت في حين أن العاملين الآخرين متغيران فلابد من اجتماعها، أو أحدهما مع العامل الأول المتمثل في الثروة لإمكانية الولوج والانتماء إلى الطبقة العليا في مصر في تلك المرحلة، فهما لوحدهما ليس كافيين لتحقيق ذلك. والاختلاف الذي يمكن أن نلاحظه لو طبقنا هذه العوامل الثلاثة مع مجتمعاتنا الخليجية فإننا سنحصل وفي حال اجتماع هذه العوامل جميعاً فى شخص ما إلى انتسابه إلى الطبقة الوسطى العليا وليس إلى العليا، لأنها محددة سلفاً كما أشرت. كما يمكن ملاحظة تراجع مكانة العائلة الطيبة في سلم الطبقات الاجتماعية حالياً بالنسبة للشعب عنها في العقود السابقة، ومفهوم العائلة أو الأسرة الطيبة مفهوم يتفق عليه المجتمع، وينبع من ثقافته لصالح العامل الاقتصادي المتمثل في الثروة، كما تراجع دور التعليم الآن عنه في بداية الطفرة النفطية وإرسال البعثات. كما أشرت فإن الطبقات في مجتمعاتنا الخليجية ليست إفرازا للحوادث التاريخية وعندما نتكلم عن الطبقات لا نعني الأفراد الذين قد يحتلون مراكز عليا في مجتمعاتهم في مرحلة ما نظراً لتميزهم بصفات قيادية وما إلى ذلك ولكن الطبقات في هذه المجتمعات أقرب إلى إفراز المصادفة التاريخية، حيث تصادف ظهور النفط وتدفق الريع مع حقبة تاريخية معينة، فدفع بها وبرجالها إلى السطح، فكانت مرحلة تأسس الدولة في الخليج بعد ذلك معتمدة تماماً على تلك المصادفة بين ظهور النفط وشكل المجتمع في تلك المرحلة "تاريخياً" وكما تشير الدراسات فإن هاجس الطبقة العليا هو الإبقاء على وضعها، كما أن هاجس الطبقة الوسطى دائماً تحاشى السقوط إلى الأسفل، في حين أن طبيعة الطبقة السفلى أو العاملة هو عدم الرضا والثورة ما أمكن إلى ذلك سبيلاً. لا أحد يستطيع أن ينكر دور النفط وتوزيع الريع في إيجاد مجتمع مستقر في منطقتنا الخليجية، فهو عامل مهم ومساعد في مسألة التوافق بدل التنافر في هذه المجتمعات وفي تقليل الفروق بين طبقات المجتمع وتوفير الحد الأدنى من الحياة الكريمة لكل أسرة، ولكن الخطورة في إغفال هذا الدور أو تجاهله وهو أمر نرجو أن لا يحدث في أي منطقة من مناطق خليجنا الحبيب، فهذه المنطقة هي هبة النفط، فالمجتمعات بل الدول فيها إفراز لذلك التدفق الذي غطى سهولها ووديانها وامتزج بماء الخليج الأزرق ولكن إلى متى سيستمر هذا التدفق وهل سيظل العالم بحاجة إليه إلى الأبد؟ أسئلة لا يمكن الإجابة عنها بدقة ولكن يمكن العمل لإيجاد البدائل واستشراف المستقبل وهو أمر لا يبدو أننا نعيره الشيء الكثير وإذا كان ثمة سيناريو يمكن تخيله اجتماعياً لفترة ما بعد النفط، فهو كالتالي فالطبقة العليا المستفيدة مباشرة من ريع النفط ستصبح أكثر اعتماداً على الخارج. أما الطبقة الوسطى فسوف تتآكل شيئا فشيئا وما يتبقى منها لابد له من التبعية للطبقة العليا بينما ستزداد رقعة الطبقة السفلى وسيزيد حنقها وستصبح مطالبتها بحقوقها أمرا لابد منه وعندئذ ربما يمكن الإجابة عن سؤال تم طرحه مرارا يتساءل عن دور النفط السلبي في تأجيل التحول الديمقراطي في المنطقة بعد أن أمضينا عقودا في التغني بدوره الإيجابي في انتشالنا من غياهب النسيان إلى بؤرة ذاكرة التاريخ المركزية. الشرق القطرية