دونالد ميلتون – إدوارد نارديل – ديفيد مايكلز تتبعنا، في كل مرحلة من مراحل الجائحة، عدداً غير متناسب من إصابات الفيروس، وصولاً إلى عدد صغير نسبياً من التجمعات، المعروفة أيضاً بأحداث «الانتشار الفائق». إن عشاء «غريديرون» الأخير، وهو تجمع سنوي للسياسيين والصحافيين، الذي أسفر بعده عما يزيد على 70 حالة إيجابية، بما في ذلك أعضاء إدارة بايدن، ليس إلا أحدث مثال على ذلك. ويقول بعض خبراء الصحة العامة، إن التراخي مع هذه الأحداث هو ما يبدو عليه التعامل مع فيروس كورونا. على حد علمنا، لا أحد ممن ثبتت إصابته بالمرض بعد عشاء غريديرون أصابه المرض الشديد، لكننا لا نعرف ما إذا كانت هذه الحالات قد انتشرت أيضاً إلى العمال وغيرهم، أم لا. لا يوجد سبب لقبول هذا كواقع طبيعي جديد. هناك طريقة أفضل لإقامة الفعاليات والمناسبات داخل المباني بلا كمامات، وهي لا تعتمد على اللقاحات والاختبارات السريعة. يمكن للقاحات أن تمنع أسوأ النتائج المحتملة ل«كوفيد – 19»، لكنها لا تستطيع دائماً منع الإصابات. واختبارات ما قبل المناسبات غير مثالية، ولكي تكون أكثر فاعلية، يتعين على الناس إجراء الاختبار قبل الدخول إلى المناسبة أو الفعالية مباشرة. إن فرض هذا القدر الكبير من عبء السيطرة على العدوى على الأفراد من غير المرجح أن يفيد بشكل جيد في منع الانتشار الفائق، ويرفع الحرج عن مضيفي الفعاليات الكبيرة من زاوية الحفاظ على سلامة الحاضرين والعاملين وغيرهم. وبدلاً من ذلك، هنالك طرائق يمكن بها لمالكي المباني أن يجعلوا البيئات المغلقة آمنة بتطهير الهواء الداخلي. ومن أفضل التقنيات لتنفيذ ذلك «الأشعة فوق البنفسجية القاتلة للجراثيم» التي خضعت للدراسة منذ عقود ويمكن استخدامها بأمان الآن. هناك ثلاث طرائق يمكن بها جلب هواء نظيف إلى الغرف أو تنظيف الهواء الموجود فيها: التهوية، وترشيح الهواء، وتعقيم الهواء. من بين هذه الثلاثة، قد يكون الأخير هو الأقوى، حتى لو كان الأقل استغلالاً. تعتمد مخاطر الإصابة بالأمراض التي تنتقل عن طريق الهواء مثل فيروس كورونا والحصبة والسل وغيرهما من الأمراض التنفسية الأخرى، بما فيها الإنفلونزا، إلى حد كبير على كمية الفيروسات المعدية – أو البكتيريا في حالة السل – الموجودة في الهواء الذي نتنفسه. عدد هذه الجراثيم في الهواء الداخلي يتحكم فيه أمران؛ معدل زفير الأشخاص المصابين في الغرفة للجراثيم، ومعدل إزالة الجراثيم المعدية من الهواء. ويمكن للتهوية والترشيح إزالة الجراثيم الهائمة داخل المبنى، إما بإخراجها من المبنى واستبدال هواء نقي بالهواء الداخلي، أو بالتقاطها أثناء تحريك الهواء الداخلي عبر المرشح. عند إحداث تغييرين لحركة الهواء في الساعة، وهو أمر شائع في الأبنية الكبيرة، وتجري إزالة أكثر بقليل من نصف الجراثيم الموجودة كل 30 دقيقة. ومع 6 تغييرات هوائية في الساعة، وهو أمر شائع في غرف المستشفى والفصول الدراسية بكثير من مرشحات هواء طراز «HEPA» المحمولة، تتم إزالة أكثر من نصف الجراثيم كل 10 دقائق. هذا أمر جيد، لكن هناك بعض التحديات. الطرق التي تنقل الهواء عبر الغرف يمكن أن تكون عالية لاستهلاك الطاقة وغالية وصاخبة. فالشخص المصاب بفيروس كورونا يمكنه أن يضيف ما يكفي من الجراثيم إلى الهواء لإصابة أكثر من 16 شخصاً في كل دقيقة، أو أكثر من 900 شخص في الساعة، رغم أن بعض هذه الجرعات الفيروسية، من الناحية العملية، لن تجد شخصاً لإصابته بالعدوى. ربما يقترب متحور «أوميكرون» الآن من مستوى عدوى فيروس الحصبة، وهو الفيروس التنفسي الأكثر عدوى المعروف، فشخص واحد شديد العدوى قادر على إطلاق ما يكفي من فيروس الحصبة لإصابة 93 شخصاً في الدقيقة، أو أكثر من 5500 شخص في الساعة. قد تؤدي إزالة نصف هذا العدد من الفيروسات كل 10 دقائق إلى تقليل عدد مواطن الانتشار الفائق، لكن ذلك لا يكفي للوقاية منها في التجمعات الكبيرة داخل المباني. وهنا يظهر دور التطهير بالأشعة فوق البنفسجية القاتلة للجراثيم أو «جي يو في» اختصاراً. بإمكان «جي يو في» أن يقتل بسهولة وصمت نصف الجراثيم الهائمة في الهواء الداخلي كل دقيقتين أو أقل. وجرى تطويره واختباره بداية من ثلاثينات القرن الماضي باستخدام بعض من التقنية نفسها في تجهيزات الأضواء الفلورية. ولا تزال هذه التقنية شائعة الاستخدام في عنابر مرضى السل، علاوة على بعض أنظمة المستشفيات الرئيسية وملاجئ المشردين. هناك ثلاثة أنواع من الأشعة فوق البنفسجية: (UVA)، و(UVB)، و(UVC). تستخدم تقنية «جي يو في» الأشعة فوق البنفسجية (سي)، التي، خلافاً للأشعة فوق البنفسجية (إيه) والأشعة فوق البنفسجية (ب) في ضوء الشمس، لا تُسبب سرطان الجلد لأنها لا تستطيع اختراق الجلد بدرجة كافية. قد تسبب تقنية «جي يو في» التقليدية تهيجاً مؤقتاً للعين، وبالتالي يتم تثبيتها فوق رؤوس الأشخاص في غرف ذات أسقف ترتفع لنحو 9 أقدام أو أعلى. ومن الأفضل استعمالها مع مراوح السقف للتأكد من أن الجراثيم في الغرفة سوف تندفع منطلقة في المنطقة مما يمكن أن يجعل تقنية «جي يو في» غير مؤذية. كما أن تقنيات «جي يو في» الحديثة المتوفرة تجارياً أكثر أماناً بالنسبة إلى الجلد ولا تهيج العينين. ويمكن استخدامها بأمان في المناطق السفلى من الغرفة، ويمكنها تطهير الهواء مباشرة بين الناس الجالسين على مائدة العشاء. من العوائق الرئيسية أمام توسيع نطاق الاستخدام الخبرة المطلوبة في تركيب تقنيات «جي يو في»، كما تتطلب مجموعة من المهارات التقنية تختلف عما هو مطلوب لتحسين نظم التهوية والترشيح في المبنى (كلاهما لا يزال مهماً للغاية). وغالباً ما تكون التكاليف الأولية للمعدات وتركيب نظام «جي يو في» الفعال للغاية أدنى من تحديث أو استبدال نظم التهوية. كما تقوم تقنيات «جي يو في» بتعقيم الهواء بشكل أسرع، وبطاقة كهربائية أقل بكثير من التهوية والترشيح؛ ما يعني أنه حل صديق للمناخ في البيئات عالية المخاطر. ولأننا خبراء ندرس الطرق التي يمكن بها للفيروسات الانتشار داخل المباني، نعتقد أن تعقيم الهواء باستخدام تقنيات «جي يو في» كان يمكن أن يمنع حدوث ظاهرة «غريديرون فائق الانتشار». ينبغي للتكنولوجيا أن تصبح هي القاعدة في التجمعات الكبيرة داخل المنازل، حيث تقدم الوجبات ولا يمكن ارتداء الكمامات. لقد أثبت وباء «كورونا» أن إزالة الجراثيم من الهواء الداخلي يجب أن تكون على رأس أولويات الوقاية من عدوى الفيروس والأوبئة الأخرى. ومن المعروف أن زيادة التهوية ترتبط بانخفاض الغياب عن العمل، وبانخفاض عدد الفيروسات المنقولة جواً في هواء أماكن العمل. لطالما تمكن الأميركيون من استعمال صنبور المياه لثقتهم بأن شرب الماء لن يُسبب الكوليرا أو أي مرض آخر. ومثل شرب المياه النظيفة، فإن استنشاق الهواء الصحي في الأماكن المغلقة، لا سيما الأماكن العامة المزدحمة، سوف يمنع الأوبئة التنفسية. وسوف تصبح السيطرة على تفشي الأوبئة أسهل كثيراً من دون تعطيل اقتصادي أو تسييس. كما تسهم عمليات التهوية والترشيح إسهاماً مهماً في الحد من انتقال العدوى في المنازل والمكاتب. وتعقيم الهواء يمكن أن يجعل الأماكن الأكثر خطورة للانتشار الفائق – مثل غرف الاجتماعات، والمطاعم، ومصانع تعبئة اللحوم والدواجن، ودور الرعاية، والسجون وغيرها – أكثر أماناً. كما أصبحت تقنيات «جي يو في: التطهير بالأشعة فوق البنفسجية القاتلة للجراثيم» متاحة تجارياً في الوقت الحالي، ولا بد من تشجيع أصحاب البنايات ومشغليها على تبنيها من خلال إعانات الدعم والحوافز الضريبية. يمكننا إنهاء الفعاليات الرائعة ذات الانتشار الفائق، وجعل المناسبات العامة وتناول الطعام أكثر أماناً للجميع.