حلت أول أمس، الذكرى الرابعة لرحيل احد الاسماء الخالدة في تاريخ المسرح الجزائري، الفنانة القديرة "صونيا" الذي رغم مرور سنوات عن رحيلها، يبقى اسمها حاضرا في ذاكرة المسرح الجزائري والعربي وحتى الجمهور الذي افتقد لأبداعها الفني. الممثلة "صونيا" ايقونة المسرح الجزائري والعربي على حد سواء، استطاعت ان تصنع من اسمها محطة يجب الوقوف عندها كلما ذكر، اسم ترك اعمالا خالدة محفورة في الذاكرة الجمهور الذي يفتقد اليوم لأعمالها الرصينة، والجادة، وقد ساهمت الراحلة في بناء الحركة المسرحية في الجزائر، كمبدعة وكمخرجة وكممثلة حتى كإدارية عندما تم تعينها مديرة لمعهد الفنون الدرامية ببرج الكيفان، وعندما عينت على رأس المسرح الجهوي لولاية سكيكدة. "سكينة مكيو" وهو الاسم الحقيقي لراحلة "صونيا" هي من مواليد 1953بمدينة الميلية بولاية جيجل، دخلت الراحلة ميدان التمثيل في سن مبكرة لا تتعدى 17 عاما، وتخرّجت من معهد الفنون الدرامية ببرج الكيفان سنة 1973، متجاوزة اعتراض الأهل على اختيارها مجال التمثيل بحكم واقع المجتمع آنذاك، غير أنها كسّرت ذلك القيد والتحقت بالمعهد رفقة أربع ممثلات أخريات، خاصة وأنه في تلك المرحلة كان المسرح يفتقر للعنصر النسوي بحكم عادات وتقاليد المجتمع الجزائري، عكس ما أصبح عليه حاليا. حضورها الاول على الخشبة كان في مسرحية "لنعبر للعالم الذي عبرنا" وهو عمل جماعي شارك فيه كل من محمد فلاق وحميد رماس، وهي مسرحية ترصد انحراف الشباب، وعلى مدار أكثر من أربعة عقود، قدمت صونيا أكثر من خمسين عملاً مسرحياً، بالإضافة إلى الأعمال السينمائية والتلفزيونية، وسجلت حضوراً مميزاً في الذاكرة الجزائرية على غرار "قالوا لعرب قالوا" و"بابور غرق" و"العيطة" ومونودرام "فاطمة". وتعد صونيا أول امرأة جزائرية تقف على خشبة المسرح لتؤدي المونولوج، كما رافقت أعمدة المسرح الجزائري مثل أمحمد بن قطاف وزياني شريف عياد والطيب صديقي وعبد القادر علولة، ورفضت الهجرة خلال العشرية السوداء، مجسدة رفضها بأعمال على غرار مسرحية "الصرخة"، ومسرحية "حضرية والحواس" وهو عمل جماعي لمصطفى عياد، يعالج ظروف المأساة التي عاشها الجزائري في تسعينيات القرن الماضي، ويشرح الوضع الذي ساد الجزائر في تلك السنوات الحمراء التي ضربت كل شيء ولم يخرج منها المسرح سليما، حيث فقد الكثير من عمالقة الخشبة، وهي تصنّف هذا العمل في خانة الأعمال النادرة، بحكم نصه وطريقة المعالجة التي تم بها من قبل الممثلين الذين وظفوا خبرتهم في هذه المسرحية بالكثير من الشجاعة، لتبقى هذه المسرحية من بين العروض المهمة. ومن أعمال صونيا الأخيرة، إخراج مسرحية "الجميلات" من إنتاج المسرح المحلي عز الدين مجوبي في عنابة، وتفتح المسرحية باب سجن سركاجي في الجزائر العاصمة، في أواخر عام 1961، لنعيش مع قصة خمس مجاهدات سقطن في يد الاستعمار الفرنسي الذي تفنن في تعذيبهن بشتى الوسائل، وتسلط المسرحية الضوء على العمل النضالي للمناضلة الجزائرية جميلة بوحيرد وفضيلة سعدان وحسيبة بن بوعلي، ممن عشقن الوطن ولأجله اخترن النضال والتضحية لتحيا الجزائر حرة، اللواتي كرّسن حياتهن للدفاع عن القضية الوطنية والتخلص من ظلم الاستعمار الفرنسي. وكان آخر عمل قدمته صونيا للمسرح "بدون عنوان"، الذي أخرجته ومثلت فيه إلى جانب مصطفى عياد، كما شاركت في فيلم "طبيعة الحال" للمخرج كريم موساوي. للإشارة، تزوجت الشاعر الكبير الراحل، أحمد فؤاد نجم، خلال فترة إقامته بالمنفى في الجزائر، ثم انفصلا عن بعضهما بعد ذلك، وقد رحلت الفنانة عن عالمنا بتاريخ 13 ماي 2018.