بثت قناة الجزائر الدولية 24 خلال هذا الشهر الفضيل، برنامجها الفني الأسبوعي الجديد "شذرات" (من إعداد الأستاذ عبد القادر بن دعماش)، المخصّص للموسيقى الكلاسيكية الجزائرية بمدراسها الثلاث (الغرناطي والمالوف والصنعة)؛ حيث استقبل المنشط الفنان عباس ريغي، في عددين من البرنامج، النجمين بهجة رحال ونوري الكوفي، اللذين تناولا جوانب من مسيرتهما الفنية. خُصّص العدد الأوّل من الحصة (يبث كلّ جمعة) لسيدة النوبة الفنانة بهجة رحال، التي تم استقبالها في حصن 23 بالعاصمة، الذي اختير فضاء للتصوير. وتنطلق السهرة في حدود العاشرة مساء. وتُفتتح بكواليس التصوير؛ منها التحضيرات، خاصة تدريبات الفرقة والمطرب الضيف. كما يخصص المنشط عباس ريغي وهو يتجول في أفنية الحصن، ركنا لقراءة بعض من الزجل الأندلسي، في أداء راق وحساس. بهجة رحال سفيرة النوبة تم في هذه الحلقة الحديث عن مشوار بهجة رحال مع الموسيقى الكلاسيكية الأندلسية، ومسارها المحترف الذي تعدى 30 سنة. وقالت الضيفة إنها لفتت إعجاب أساتذتها منذ بداياتها كتلميذة دخلت أقسام هذه المدرسة الفنية، لكنهم لم يقولوا ذلك علنا؛ كي لا يكون هناك تفضيل وتمييز وإثارة الغيرة بين التلاميذ، لكنهم اعتنوا بموهبتها، ورعوها فنيا. وعادت الفنانة بهجة بالذاكرة إلى أيامها بجمعية "الفخارجية" التي التحقت بها سنة 1974 وغادرتها في 1986، لتلتحق بعدها بجمعية "السندسية" في 1992. وكل هذا التنقل والمسار رأته مهمّا جدا؛ لأنه أعطاها التكوين اللازم، والذي هو أساس كل نجاح. كما تحدثت الضيفة عن طبعي الحوزي والعروبي، وغيرهما، وأهمية الشعر، والحفظ السليم. ومن بين القصائد التي أدتها في هذه الحصة الافتتاحية وبمناسبة رمضان الكريم، قصيد "باسم الإله الأعظم"، مقترحة على الجمهور المتفرج أداءه معها. واستحضرت الفنانة، بالمناسبة، الشيوخ والأساتذة الذين كان لهم فضل عليها، منهم الراحل زبير كاكاتيلا، الذي وضع يدها على السنيترة، وعلّمها قواعد العزف، وكذلك محمد خزناجي الذي رافقها في النوبة، وعبد الرزاق فخارجي. وقالت: "لي شرف أنني تتلمذت على أيديهم وتكونت التكوين الصحيح؛ ما مكنني من أداء فن الصنعة على أصوله، وأكوّن، بدوري، الأجيال". وأدت الفنانة، أيضا، ضمن ما اختارته للسهرة، قصيد "جادك الغيث" انصراف في طبع رصد من آخر ألبوم لها صدر مؤخرا بالجزائر. وقالت إنّه من الزجل الأندلسي. وهو بلغة عربية مفهومة في المشرق؛ ما يدل على ثراء النوبة الجزائرية. واختُتم اللقاء بأداء مشترك بين الفنانين بهجة رحال وعباس ريغي في قصيد "عشقي وغرامي". نوري الكوفي أمين التراث الغرناطي التقى جمهور البرنامج في عدده الثاني، الفنان القدير نوري الكوفي قادما من عاصمة الزيانيين تلمسان. واستُهلت الحلقة ببورتريه عن الفنان، وعن تلمسان بمعالمها وأجوائها العليلة. ويظهر الفنان بداية وهو بمدينته مستمتعا ومادحا بالقول إنها مدينة الفن والحوزي، وامتداد للأندلس، مضيفا أن تلمسان معشوقته؛ فهي مسقط رأسه، شرب فيها هذا الفن الأصيل منذ الطفولة. ووجد التلمسانيين مولَعين بالأندلسي الكلاسيكي، وبالتالي لزم هذا الفن، وبقي وفيا له حتى ارتبط اسمه بتلمسان حيثما حل وكان. وعن بداياته قال إنّه كان عازف إيقاع، ليتمكّن من الميزان الذي هو أساس كلّ أداء، ليتعلم بعدها العزف على العود، وباقي الآلات الموسيقية علما أن ذلك كان اجتهادا منه، وبشكل عصامي. وفي سنة 1966 أدى بسينما "لوكس" بتلمسان، أغنية "أنا طويري" بحضور صاحبتها الراحلة فضيلة الدزيرية. ثم أصبح يغني بصوت مرفوع يجلجل عكس الشيوخ الذين يؤدون بطبقات سفلى، وهذا كان، حسبه، بداية الجديد في مشواره، علما أنه حافظ على التراث نصا وإيقاعا، لينتشر اسمه ويعرفه الجمهور من خلال التلفزيون، ويبلغ شهرته مع أدائه لرائعة "سيدي بومدين". وهنا توقف عند تاريخ هذا العلاّمة. وقال إنّها كانت تؤدَّى في الأعراس، وحين سجّلها سنة 1986 بالتلفزيون اشتهرت جدا، وارتبطت به. وأدى الفنان، بالمناسبة، "قصيد" مشهورا بعنوان "اليوم أنا لقيت خودات". كما أدى "أ رسول الله". وعن القصيد الأوّل قال إنّه كان أوّل تسجيل تلفزيوني له سنة 1973 رفقة الجوق الشعبي للإذاعة والتلفزيون آنذاك، تحت قيادة مصطفى اسكندراني مع كوكبة من أكبر العازفين، كان منهم الحاج نور الدين، وبحار، وبلقايد عبد الغني، ورشيد سوكي، وكان هذا الجوق يرافق العنقى، وعبد الكريم دالي، والصادق بجاوي، ودحمان بن عاشور. ورغم ذلك رافق بحب واحتضان شابا في 20 يدعى نوري الكوفي، مؤكدا أن الجميع كان يقدّره ويحترمه. وكان ابن الشيخ العنقى يدعوه للإفطار في بيته في رمضان. كما تحدّث الضيف عن الأندلسي الكلاسيكي في تلمسان في الماضي، والذي كان له جمهوره. ولتوسيع قاعدته الشعبية لتشمل كل الفئات، ظهر فن من أحواز تلمسان سمي الحوزي. ثم ظهر العروبي، ولا فرق بينهما سوى في النطق، علما أنّهما يستعملان اللهجة العامية. وظهر معهما شيوخ الملحون، منهم الشيخ الميلود، والخالدي، وابن مسايب، والمنداسي وغيرهم. وهنا أكّد الفنان نوري الكوفي لولا أنه لم يغنّ سوى الأندلسي الكلاسيكي لما دخل كل المناطق في الجزائر. وبالمناسبة، أدى الفنان قصيد "الحرم يا رسول الله" لبن مسايب، في غاية الروعة والتمكن. وحرص الفنان عباس ريغي على إثارة بدايات نوري الكوفي مع هذه الموسيقى العريقة، فأجابه ضيفه قائلا إنّها كانت في طفولته، حيث كانت تُعزف في الأعراس، وفي الشوارع. وتُسمع في كلّ مكان في تلمسان، لينطلق في سن 16 سنة مع المجموعة الصوتية للهلال الأحمر الجزائريبتلمسان، وكان مقرها بجوار منزله العائلي. وبعد فوزه في مسابقة نظمتها مديرية الشباب والرياضة ضمته إليها جمعية "سناب" العريقة التي تأسست سنة 1934. وكانت أول جمعية بتلمسان. ثم عمل في تنشيط الأعراس والمناسبات العائلية.