على مدى الشهرين الماضيين، كانت الإشارات من أسواق النفط متضاربة، ما دفع المتداولين إلى التأرجح من طرف إلى آخر، حيث إن التباطؤ الاقتصادي العالمي يقاوم المخاوف من حدوث نقص في الإمدادات. خصوصا ازدادت التقلبات بشكل كبير في الأسبوعين الماضيين، حيث اشتدت المخاوف بشأن تباطؤ الاقتصاد العالمي والمخاوف من نقص النفط أو الوقود. نتيجة لذلك، أصبحت سوق النفط غير مؤكدة للغاية. على سبيل المثال، في وقت سابق من تشرين الأول (أكتوبر)، أصدر صندوق النقد الدولي تحذيرا شديدا بشأن الاقتصاد العالمي. في ذلك، كتب المستشار الاقتصادي ومدير الأبحاث في الصندوق، أن "التباطؤ في 2023 سيكون على نطاق واسع، حيث تستعد الدول التي تمثل ثلث الاقتصاد العالمي تقريبا إلى الانكماش هذا العام أو المقبل". وأضاف ستستمر الاقتصادات الثلاثة الأكبر، الولاياتالمتحدة، الصين، ومنطقة اليورو في التعثر. عموما، ستعيد أزمات هذا العام التحديات الاقتصادية التي تم تجاوزها جزئيا فقط بعد الوباء. باختصار، حسب صندوق النقد، الأسوأ لم يأت بعد، وكثير من الناس سيشعرون بالركود في 2023. بطبيعة الحال، مثل هذه التوقعات هبوطية إلى حد ما بالنسبة إلى أسعار النفط، لكن في الوقت نفسه، كانت التحذيرات تتزايد بشأن حالة أسواق الديزل. حيث، سجلت مخزونات الولاياتالمتحدة من مقطرات الوقود، بما في ذلك الديزل، أدنى مستوياتها القياسية، ولا يزال الطلب قويا. كما أن الحظر الوشيك من جانب الاتحاد الأوروبي على الوقود الروسي يسهم في تفاقم النقص، الذي كان السبب الأصلي وراءه هو انخفاض طاقات التكرير في كل من أوروبا والولاياتالمتحدة، وانتعاش أسرع من المتوقع في الطلب بعد عمليات الإغلاق. والوضع يزداد سوءا يوما بعد يوم. حيث يتفاقم نقص الديزل في الولاياتالمتحدة مع انهيار مخزونات نواتج التقطير إلى أدنى مستوياتها في عدة أعوام. أغلقت مصافي التكرير الأمريكية بشكل دائم بعض طاقات التكرير في بداية الوباء عندما انخفض الطلب على الوقود. لا يبشر نقص وقود الديزل وارتفاع أسعاره بالخير بالنسبة إلى الاقتصاد العالمي، الذي قد ينقلب إلى الركود في مرحلة ما من العام المقبل. في هذا الجانب، وصف بعض المحللين هذا الوضع، بأنه عاصفة مثالية، حيث إن انخفاض المخزونات مع ارتفاع الطلب قبل فصل الشتاء، وصفة مثالية لارتفاع الأسعار الذي ينتشر عبر الصناعات الأخرى ويضرب المستهلكين الذين يعانون أصلا. في النهاية، إذن، يجب أن تكون أزمة الديزل هبوطية أيضا بالنسبة إلى الطلب على النفط، لكن من الناحية النظرية فقط. الديزل يحرك الاقتصادات. لن يظهر انهيار الطلب إلا عندما يصبح وضع العرض كارثيا، وهذا من شأنه بالتأكيد أن ينطوي على تراجع في الركود. لكن، حتى ذلك الحين، انهيار الطلب سيكون محدودا – مثل النفط الخام، المشتقات غير مرنة تماما عندما يتعلق الأمر بالأسعار. أحدث الأرقام حول تداولات النفط الخام تعبر عن ذلك. في هذا الجانب، كتب محلل "رويترز"، على الرغم من أن المضاربين الكبار قاموا بعمليات شراء كبيرة مرتين خلال الأسابيع الأربعة الماضية، عند 62 و47 مليون برميل، إلا أنهم خلال الفترة نفسها قاموا بمبيعات كبيرة عند 34 و50 مليون برميل. في غضون ذلك، رفعت "أوبك" توقعاتها للطلب العالمي على النفط على المديين المتوسط والطويل، وكررت مرة أخرى دعواتها إلى استثمارات جديدة في النفط والغاز، بعد أيام فقط من إعلان وكالة الطاقة الدولية أن الطلب على النفط والغاز على وشك أن يبلغ ذروته في بضعة أعوام قصيرة، في حين ترتفع طاقة الرياح والطاقة الشمسية. وقالت "أوبك" في تقريرها "آفاق النفط العالمي ل2022" الذي صدر الأسبوع الماضي، إن المنظمة زادت من توقعاتها للطلب العالمي على النفط على المديين المتوسط والطويل. وتوقع التقرير ارتفاع الطلب العالمي على النفط إلى 103 ملايين برميل يوميا العام المقبل – بزيادة 2.7 مليون برميل يوميا عن 2022. ورفعت "أوبك" توقعاتها للطلب على المدى المتوسط أيضا حتى 2027، وزادت التوقعات بمقدار مليوني برميل يوميا بنهاية تلك الفترة، مقارنة بما توقعته المجموعة العام الماضي. والسبب وراء الارتفاع هو التعافي الأكثر قوة الذي شهده الطلب هذا العام والعام المقبل، والتحول في التركيز من انتقال الطاقة إلى أمن الطاقة. تتوقع "أوبك" الآن أن يصل الطلب على النفط إلى 108.3 مليون برميل يوميا في 2030، بارتفاع أيضا عما توقعته العام الماضي. وعلى المدى الأطول، تتوقع "أوبك" أن يبلغ الطلب العالمي على النفط في 2045 نحو 109.8 مليون برميل يوميا. ترى المنظمة أن حصتها في السوق سترتفع، لكنها ترى أن إنتاج "أوبك" في 2027 سيكون أقل من 2022. على صعيد الاستثمارات، قال هيثم الغيص الأمين العام للمنظمة في مؤتمر أديبك في الإمارات، إن "إجمالي الاستثمار المطلوب لقطاع النفط حتى 2045 هو 12.1 تريليون دولار". وأضاف، "مع ذلك، نقص الاستثمار المزمن في صناعة النفط العالمية في الأعوام الأخيرة، بسبب الانكماش الصناعي، جائحة كورونا، والسياسات التي تركز على إنهاء التمويل في مشاريع النفط والغاز، هي سبب رئيس للقلق". وهذا يعني أن العرض المستقبلي للنفط بأحجام تتوافق مع الطلب غير مضمونة على الإطلاق. كما أن ارتفاع طاقة الرياح والطاقة الشمسية غير مضمونة أيضا بسبب نقص النحاس الذي يلوح في الأفق، الذي حذر اثنان من المديرين التنفيذيين في مجال التعدين في الأسبوعين الماضيين من أنه سيكون شديدا. إضافة إلى ذلك، تفكر إندونيسيا في إنشاء منظمة على غرار "أوبك" لمنتجي معادن البطاريات، ما سيجعل سلسلة التوريد لانتقال الطاقة أكثر صعوبة. وسط سيناريوهات ذروة الطلب في ظل التقارير الصادرة حديثا، لا يبدو أن الاستثمار في إنتاج النفط الجديد مهيأ ومستعد للانطلاق. يشير هذا إلى أن عدم اليقين في أسواق النفط سيسود في المستقبل المنظور أو على الأقل حتى يضرب الركود تلك الدول التي يتوقع أن تنزلق إليه. الاقتصادية السعودية