ظلت الترجمة من اللغة العربية إلى الإنجليزية والعكس هي سلاحي لكسب القوت لسنين عددا، في شركة الاتصالات القطرية (كيوتل التي صارت لاحقا أوريدو)، ثم سمعت أن غوغل طرحت برنامجا يتولى الترجمة بين جميع اللغات الحية، فأصابني الهلع وقلت: الدوام لله يا أبو الجعافر، ها هي التكنولوجيا الامبريالية تتآمر عليك، ثم اتضح أن ترجمة غوغل، لا تختلف عن خطب ترامب، وأغنيات شعبولا فأنشدت بيت الشعر الذي صار على كل لسان: زعمت غواغل ان ستقتل جعفرا/ فابشر بطول سلامة يا جعفرُ (غواغل هي أنثى غوغل) . (حدث توارد خواطر بيني وبين الشاعر الأموي جرير بن عطية، فله بيت من الشعر يقول عن منافسه في ميدان الشعر أَبُو فِرَاسْ هَمَّامْ بْنْ غَالِبْ بْنْ صَعْصَعَة اَلْمُجَاشِعِي اَلتَّمِيمِي اَلْبَصَرِيَّ المعروف بِاَلْفَرَزْدَقِ: «زعم الفرزدق ان سيقتل مربعا/ فابشر بطول سلامة يا مربع». وبيني وبين وجرير ود حميم، فهو مثلي معتدٌّ بأصوله وأسرته البسيطة، ويقال إن رجلا سأل جريرا من أشعر الناس؟ فجذبه جرير مغضبا وقاده إلى منزله، وأوقفه عند رجل دميم، قد انتحى في زاوية من البيت، وقد دس رأسه بين رجلي عنز يرضعها، فقال له: أو تعرف هذا؟ قال: لا، قال: أو تعرف لماذا يفعل هكذا؟ قال: لا، قال: إنه يرضع هكذا، مخافة أن يسمع الناس شخب اللبن عندما يحلب عنزه، هذا هو أبي، وأشعر الناس من قارع بهذا الأب ثمانين شاعرا فغلبهم جميعا). وحسبت انني نجوت من الكيد التكنولوجي متمثلا في غوغل فإذا بهوس الحكم الالكتروني يعم معظم أنحاء العالم، وكان معنى هذا «تفنيش» ابن آدم ليحل محله جهاز كله اسلاك قابلة للتلف، مع ما يمثله ذلك من انتهاك لحقوق الانسان، بينما معلوم ان متوسط عمر الانسان عشرين ضعف عمر الكمبيوتر، الذي لا يكاد يمر اسبوع دون ان يصاب بعلة: تكتب عليه 3000 كلمة وفجأة «يعلق» ويتجمد فلا تستطيع إضافة حرف لما كتبت أو الاحتفاظ بما كتبت، والانسان قد لا يصاب بفيروس إلا مرة أو اثنتين طوال عمره، بينما الكمبيوتر الجالس في مكتب في الدوحة يصاب بلوثة عقلية فتستنجد باختصاصي امراض الكمبيوتر فيقول لك: الدوام لله.. صاده فيروس من فنزويلا، وبينما تغلَّب بنو البشر على فيروس كوفيد – 19 في غضون سنتين فإن فيروسات الكمبيوتر تزداد شراسة لأنها تمر بطفرات. والآن ظهرت مصيبة جديدة اسمها الذكاء الاصطناعي، ويقولون انه سيؤدي الى الاستغناء عن خدمات البشر حتى في الحروب، وسيؤدي إلى انهاء خدمات ملايين أخرى في غضون سنوات قلائل. ويجري حاليا تطوير برمجيات الذكاء الاصطناعي بحيث تمتلك قدرة كبيرة من شأنها أن تحدث ثورة في عالم الأعمال، مما يُثير تساؤلات عديدة حول الوظائف التي يمكن أن يؤديها الذكاء الاصطناعي بدلا من الإنسان. وذكر تقرير صادر عن بنك الاستثمار الأمريكي، غولدمان ساكس، أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يحل محل ما يعادل 300 مليون وظيفة بدوام كامل خلال السنوات القليلة المقبلة، ولا يستبعد التقرير أن تقوم تقنيات الذكاء الاصطناعي بمهام 25% من الوظائف في الولاياتالمتحدة وأوروبا. خاصة في القطاعات الإدارية، والقانونية، والهندسة المعمارية، والطبية حوالينا ولا علينا يا رب. ولا شك في ان الكمبيوتر إحدى نقلات كبرى في كل مجالات الحياة، ثم جاء الانترنت وقيل إنه سيستولي على وظائف البشر ويتسبب في تفشي البطالة وبائيا، ثم صار الانترنت حقيقة واقعة تعزز ديمقراطية المعرفة، حيث صارت المعلومات متاحة للملايين في كل البلدان، وما حدث تاليا هو أنه وفي جميع مواقع العمل تمددت إدارات تقنية المعلومات من حيث الموارد والكوادر البشرية، ولم يحدث التشريد واسع النطاق المرتقب لقوى العمل، فالكمبيوتر وما ترتب عليه من تطور وطفرات تكنولوجية من صنع العقل البشري، والبشر هم من يتحكَّمون فيه وفيها، والذكاء الاصطناعي خرج من رحم الكمبيوتر والإنترنت، والتلميذ قد يتفوق على المعلم، ولكن المخلوق لا يتفوق على خالقه، وعليه فلا سبيل لتفوق الذكاء المصطنع على ذكاء من صنعه ويتولى إدارته وتطويره ووضع الضوابط لاستخدامه. الشرق القطرية