هل يفلح الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند في إقناع الجزائر بجدوى توقيع معاهدة الصداقة كما أكد عليه مرارا، وذلك خلال زيارته المرتقبة شهر ديسمبر الداخل؟. تبتغي باريس فتح عهد جديد مع الجزائر، لكن الملاحظ أن فرنسا تريد ذلك وفقا لهرم مقلوب، أي أنها تبدأ بمعاهدة صداقة قوة مع الجزائر لتزل بها إلى إذابة الجليد في مختلف ملفات الخلاف بين البلدين، بدلا من الخوض في هاته الملفات وصولا إلى إبرام المعاهدة، كما سبق وأن عمل عليه الرئيس السابق نيكولا ساركوزي، ومعنى ذلك أن هولاند يريد "صعقة كهربائية" في العلاقات مع الجزائر تحرق كل ملفات الخلاف بمعاهدة، أعطى إشارات أن الجزائر غير متحمسة لها الأسبوع الماضي، لما قال أقر لوران فابيوس وزير الخارجية الفرنسي، من جهة أخرى، إن فرنسا تأمل في توقيع "شراكة إستراتيجية" مع الجزائر بمناسبة الزيارة التي سيقوم بها الرئيس فرنسوا هولاند وليس "معاهدة صداقة" لا "يريدها" الجزائريون. وقال في حديث لاذاعة "أوروبا-1" وقناة اي.تيلي التلفزيونية ان "أصدقاءنا الجزائريين لا يريدون الدخول في مثل هذه الأدوات القانونية، أنهم يريدون شراكة إستراتيجية معنا وهذه أيضا مقاربتنا". دعوة هولاند لم تأت من فراغ بالتأكيد، فهو إما أراد فعلا بناء علاقات قوية مع الجزائر التي يعرفها أكثر من سابقه ساركوزي وكان يتردد على الجزائر في كل مرة ويقيم في فندق "ستن جورج" يتصفح الجرائد الجزائرية، وما تقوله عن بلاده زمن ساركوزي ومن قبله، ويكون هولاند بدا تلطيف الجو المشحون مع الجزائر سيما في جانبه الإقتصادي، باعترافه بمجازر 17 أكتوبر، الأسبوع الماضي، ليستجيب لتوقيعات المئات من الشخصيات الجزائرية والفرنسية "نداء من أجل الاعتراف الرسمي ب"تراجيديا 17 أكتوبر1961"، التي أثير بشأنها جدلا ساخنا في ذكراها الخمسين بباريس، أراد الموقعون من خلالها إرساء علاقات جزائرية فرنسية جديدة مبنية على "الأخوة". وقد نقلت الذكرى الخمسين ليوم 17 أكتوبر المأساوي، جدال العلاقات بين الجزائروفرنسا ونقاش الاعتراف من الجزائر إلى باريس ، بعقول شخصيات سياسية وفكرية تنتمي إلى البلدين بحثا عن تصور جديد في العلاقات يكون مبنيا على الأخوة والحفاظ على مبدأ الذاكرة المشتركة، واختار أصحاب المبادرة البدء بحملة لدفع السلطة الفرنسية إلى الاعتراف ب"التراجيديا" التي راح ضحاياها جزائريون خرجوا إلى الشوارع في ذلك اليوم للتنديد بحصار فرض عليهم، ولاقوا تعاطف بعض الفرنسيين، واعتبرت تلك الشخصيات، بينها من جهرت بموقفها المساند للقضية الجزائرية أن "الوقت قد حان من اجل اعتراف رسمي بمأساة 17 أكتوبر 1961، باعتبار أن الذاكرة "مشتركة" ممتزجة بين جزائريين وفرنسيين ، ومن اجل ضحايا منسيون يعيشون في فرنسا". وأشهر من وقع على النداء الذي نشر على مواقع إلكترونية، السفير ستيفان هاسل ، صاحب كتاب "حققوا كرامتكم" وعالم الاجتماع مورين ادغر، والفيلسوف ريجيس دابري، والوزير الأول الأسبق ميشال روكارد ، كما وقع على النداء كل من الكاتب عزوز بقاق ، ونانسي هوستن، وفرانسوا ماسبيرووخبيرة الأنتبريولوجيا دنيا بوزار، بالإضافة إلى المؤرخين بنجامين ستورا وجون لوك فينودي . ويتحدث المؤرخون عن صمت رهيب يلف الأحداث منذ خمسين سنة، صنفها البعض في خانة "الحرب السرية" نظرا للسرية المضروبة على حقيقة ما جرى، خاصة مع تضارب الآراء حول العدد الحقيقي للضحايا والمقدر في نظر الغالبية بالميئات، علاوة عن عرقلة مهام الباحثين في الوصول إلى وثائق تلك الحقبة ، فيما يقول لوك إينودي انه طلب منذ سنوات الاطلاع على أرشيف رئاسة الجمهورية الفرنسية سيما المذكرات التي اتخذت في مجلس الوزراء والتي أدرجت ضمن أرشيف فرنسا ولكن طلبه رفض من طرف الرئيس الفرنسي جاك شيراك آنذاك، ووافق الراين المؤرخ البريطاني نايل ماك ماستر صاحب كتاب، "الجزائريون ذاكرة ورعب دولة" عندما قال "لن نعرف أبدا الأرقام النهائية للقتلى والمفقودين خلال يوم 17 أكتوبر . كما يرى رئيس رابطة حقوق الإنسان بيار تارتاكووسكي أن "نسيان وإخفاء الجرائم يغذي جرائم أخرى هي الظلم وانتهاك حقوق الإنسان". جدال مأساة 17 أكتوبر، تعالى على سقف غير مسبوق لكنه لم يكن بادرة إلى قضية "أهم" طرحت في الجزائر على مدار السنوات الماضية، وتتمثل في الاعتراف الدولة الفرنسية واعتذارها عن الجرائم التي ارتكبت خلال الحقبة الاستعمارية، أو الشرط الذي وضعه الجزائريون من اجل التأسيس لمرحلة جديدة من العلاقات الجزائرية الفرنسية، وإن كان هناك تراجع من قبل الجزائر، عن حملة قادها نواب، وتأسست على إقرار قانون تجريم الاستعمار، رفضه المجلس الشعبي الوطني لحسابات سياسية معينة وأثارت ضجة في أوساط العائلة الثورية، على ان التراجع خطرة لتعزيز الرؤية الساركوزية، لما يجب أن تكون عليه العلاقات، بمنطق باريس منتهاه بناء مستقبل بلا ماضي ، نقيض أطراف جزائرية لاتزال تتمسك بالاعتراف والاعتذار من اجل مستقبل على أساس الماضي.