استيقظ سكان بلدية حمام قرقور الواقعة بشمال ولاية سطيف، على وقع جريمة قتل راح ضحيتها كهل يبلغ من العمر 47 سنة، بعد تلقيه طعنات قاتلة على يد شقيقه، الحادثة وقعت بقرية أولاد عياد، حيث انتهى خلاف بين الشقيقين (ر. م) و(ر. ح) بثلاث طعنات وجهها أحدهما للآخر على مستوى الرقبة والبطن، فأرداه قتيلا. أكّدت شهادات الجيران بأنّ القاتل أقدم على فعلته بعد خلاف بين الشقيقين منذ 6 أشهر حول استغلال قطعة أرض بالقرية المذكورة، ومحاولة أحدهما تمرير أنبوب غاز طبيعي. كما أقدم كهل يسمى (أ.ب) ببلدية أولاد سلام دائرة رأس العيون بباتنة على ضرب شقيقه بمطرقة في مؤخرة الرأس بسبب خلاف حول حرث قطعة أرض متنازع عليها لم تقسّم بينهما وابنة أخته ما تسبّب في وقوع ملاسنات تطوّرت في اليوم الموالي إلى جريمة قتل. هاته الجرائم وأخرى مماثلة كثيرة ملأت بها صفحات الجرائد خصوصا في الآونة الأخيرة، ما جعل من القارئ الجزائري يتساءل عن أحوال الدّنيا، وعن الأسباب التي جعلت قتل الأنفس سهل إلى درجة تنسى فيها القرابة والأخوة. أسماء زبار تحوّلت قضية الميراث في بعض الأحيان إلى خلق العداء بين الإخوة والأقارب، وقد تصل إلى قطع صلة الرحم وولوج قاعات المحاكم، هاته الأخيرة أضحت في السنوات الأخيرة لا تخلوا من قضايا النزاعات حول أنصاب متباينة من تركة المتوفي، يتحايل فيها القوي على الضعيف بوثائق مزوّرة تُدخل الورثة في دوامة الإجراءات القانونية التي قد لا تنفض إلا بهلاك شخص آخر يُفسد القسمة ويعيدها إلى نقطة الصفر. مشادات كلامية .. شجارات و قطع صلة الرحم قالت (نبيلة.ز) ربة بيت، أنّ قضية الميراث كثيراما تتسبب في تفكك العائلات والأسر، فأنا مررت بهذه المشكلة، فعندما توفي أب زوجي لم يرغب الإخوة في تقسيم الميراث لأنهم كانوا المستفيدين الأكبر من التجارة وأرباحها، بينما أنا وزوجي كنّا نعاني من غلاء المعيشة، وبعد إصرارهم على رفض التقسيم قمت برفع دعوة قضائية لتقسيم التركة بيننا، فتلقيت كلّ أنواع السبّ والشتم منهم، عايروا زوجي وهو أخوهم الكبير، وصلت القضية إلى المحكمة، خسرت أموالا كثيرة وزوجي أصيب بأمراض مزمنة مثل ارتفاع ضغط الدم، لكن استمرت القضية وبعد أكثر من سنتين أخذنا حقوقنا بعدما تعادينا وتشاجرنا. وأضافت السيدة، "الميراث بنظري فتنة يجب على الورثة أن يتفاهموا في ما بينهم لتفادي العدواة". أما (مليكة.ح) فقالت "توفي والدي منذ ثلاث سنوات وأخذ أخي الكبير كلّ التركة، من محلات وأراضي استولى عليه أخي وحرمني أنا وأخواتي الثلاثة منها، لم نرد أن نرفع دعوى رغم أننا محتاجات لحقّنا، أخبرنا والدتنا، لكنها قالت أنّه أخوكم الكبير ولا أريد لأبنائي أن يتعادوا بينهم اتركوه وسوف يفهم الأمر مع الوقت، لكن ابن أختي يصرّ على أمّه أن ترفع دعوى، تشاجر مرّة مع خاله وقال له أنّه أكل حقّ أخواته بالباطل ما تسبّب في مشاكل مع أختي وأخي وهما لا يتكلمان مع بعضهما مدّة عام". وقال لطفي(موظف) "توفي جدّنا قبل أكثر من عشرة سنين، وإلى الآن لم يقسّم الميراث، وبعض الورثة من أعمامي يستأجر جزء من العقار للمنفعة الشخصية وبداعي الحاجة، وكلما أردنا التقسيم بالمحكمة يعترض البعض منهم، وكلّ من أراد الذهاب للمحكمة ليتم الفرز تحصل مشادة ومشاكل بيننا تؤدي إلى خلافات تدوم إلى شهور وهكذا، ولحد الآن لم يتم حل هذه المشكلة". أما إنصاف، تعمل عند موثقة قالت "كثير من الحالات تأتي يوميا إلى المكتب ليتكاتبوا، ولحلّ مشكل التركة، وفي عديد من المرات تنشب مشاجرات كلامية حادة بين الورثة تتسبب في إلغاء الأمر، خاصة إذا كانت الإرث عبارة عن أراضي أو مصانع". حالات التزوير هي سبب الخلافات.. والوعي القانوني دفع بالقضايا لأروقة المحاكم أكّد لنا المحامي الأستاذ إبراهيم بوحدبة، أنّ قانون الأسرة الجزائري ينقل جزءه المتعلّق بالمواريث نقلا حرفيا من القرآن الكريم من سورة الفرائض، وهي سورة النساء، وبالتالي فإنّ القاضي ملزم بتطبيق تلك الأحكام، أي أنّه سيحكم بأحكام الشريعة الإسلامية، لكن هناك أحكاما ترد على غير الشريعة الإسلامية في تقسيم التركات، لأنّ القاضي يعالج القضية من خلال الوثائق، ولأنّ الوثائق يمكن التلاعب بها من خلال بعض الورثة، حالات التزوير وهنا يتعامل مع المعطيات وأمور أخرى، كما أضاف إلى أنّ غالب الخلافات التي تقع بين الورثة سببها التزوير، لكن غالبا ما تحل أخيرا. من جهة أخرى، قال المحامي ضيف فواز، في الحقيقة المشاكل الأسرية والعائلية الناجمة عن الميراث كانت وستبقى إلا أنّها في الماضي لم تكن شائعة بسبب العرف الاجتماعي ومع تطور المجتمع وانتشار الوعي الديني والقانوني صارت هذه المشاكل تجد طريقها إلى أروقة العدالة في غالب الأحيان، وكذلك لتفتت العلاقات الاجتماعية نوعا ما داخل مجتمعنا الجزائري". ..أحكام الإرث واضحة في القرآن والسنة وأكل حق الغير ليس من الإسلام قال الشيخ محمد عثمان إمام بمسجد الفتح بالحراش،"أنّ الله عزّ وجلّ أنزل التشريعات التي يهدي بها عباده إلى الطريق المستقيم في العبادات والمعاملات، وفي جميع الأمور الدنيوية والآخروية. ومن القضايا المهمة في حياة الإنسان قضية الميراث وكيفية التقسيم، ومن هم أصحاب الحقوق، فالله عزّ وجلّ فطر الإنسان على حب المال قال تعالى" وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا * وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا"، لذلك جاءت الشريعة الإسلامية مبينة طرق تقسيم التركة في السبل المشروعة ليأخذ كلّ ذي حق حقه، وبما أنّ الموت حق على الإنسان، ولأنه كثيرا ما يأتي فجأة فيموت العبد قبل أن يوصي أنزل الله تعالى" كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ"، وأنزل الله عز وجل أحكام الميراث في حالة عدم وجود الوصية في قوله تعالى " يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً"، نزلت أحكام الميراث لتحل تلك المشاكل التي كانت منذ القدم بين الورثة وحقهم. وأضاف الشيخ إلى أنّ أحكام الإرث واضحة في القرآن والسنة، لمحاربة عادات الجاهلية التي كانت تظلم أصحاب الحقوق خاصة المرأة وتحرمها من الميراث، فأبطل الإسلام هذا الفهم وأنزلت الآية "لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا * وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ * وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ * إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا"، وأشار الشيخ أن الخلافات التي تقع بين العائلات بسبب الميراث سببها الطمع وحب أكل حق الغير، هذا يتنافى ومبادئ الشريعة الإسلامية التي تحث على العدل وإعطاء الحقوق لأصحابها، كما ويخفى على العديد من الناس الذين يأكلون الحقوق بالباطل أنّ الحساب عسير ولا مفر منه يوم القيامة من جزاء الله عز وجل، كما حثّ الناس على أن يتفاهموا بالتي هي أحسن خاصة الإخوة في قضية الإرث، وأن يعودوا لأحكام القرآن ليكون التقسيم عادلا. ..ذهنية الجزائري مادية وينظر للإرث كالمتعطش للماء قال المختص الاجتماعي الأستاذ محمد طويل ل" الحياة العربية"، تغيّرت نظرة المجتمع الجزائري في الميراث، ففي الماضي كانت الأسر لا تبالي بالميراث، فيتقاسمه الإخوة في ما بينهم دون أن يسمع أحد أو تثار مشاكل، أما الآن فقد تحول الميراث مع التحول المادي والنظرة للحياة، بحيث أصبح ينظر إليه كمكسب مالي مهم هذا بسبب تغير القيم الاجتماعية، والابتعاد عن القيم الدينية. رغم أنه حق وهذا ما جاء في كتاب الله عز وجل، وفي سنّة النبي صلى الها عليه وسلم إلا أنّ المشاكل التي تقوم بسببه كبيرة جدّا راجعة في غالب الأحيان إلى الأوضاع الاجتماعية، وأكّد المختص الاجتماعي أنّ هناك عدالة اجتماعية خالصة في الدين الإسلامي لتقسيم الميراث على الورثة، لكن تحوّل ذهنية الأفراد، وكلّ واحد يأخذ لنفسه ولا يبالي بالآخرين. ومن أسباب الخلافات حول الإرث هو حق المرأة المقهور من الميراث، وهو أمر وارد خاصة في بعض الجهات من الوطن لأنّهم يزعمون أنه لمّا يعطى للمرأة من الميراث يعود للزوج أي يستفيد منه من هو غريب عن العائلة. وأضاف الأستاذ إلى أنّ المشاكل التي تنشب بسبب الميراث لها آثار سلبية جسيمة تنعكس على جميع أفراد العائلة، حيث تكثر الضغوطات النفسية بينهم، فالأخ الذي يأكل حق أخيه من الميراث بغير حق يزيد من حدة المشاكل، يصبح أولاده يطالبون بحقهم من أعمامهم، ومن هنا تنتج أزمة عائلية سببها التركة. وأضاف المختص "في مجتمعنا الجزائري كثيرا ما نجد الأشخاص الذين أصبح لديهم ممتلكات من الإرث يعانون من أمراض مزمنة كارتفاع ضغط الدم والسكري و الكولسترول، بسبب المشاكل الناجمة عنه، فذهنية الفرد الجزائري التي أصبحت مادية بحكم الظروف الاقتصادية والاجتماعية أصبح ينظر إلى الميراث نظرة المتعطش للماء، فالفرد بات لا يبالي لما يحدث لأخيه المهم أنه يأخذ الميراث ويصبح غنيا، وهذا راجع أيضا إلى ضعف الدخل الأسري والبطالة التي يعاني منها المجتمع. كما أشار المختص إلى أن اللهث وراء لقمة العيش والخوف من المستقبل يدفع بالأفراد إلى البحث عن سبيل للحصول على المال ولو كان ذلك بالعدوان والقوة مع الإخوة والعائلة، هذا ما ينجر عنه الإصابة بأمراض نفسية وعضوية مزمنة.