نشرت جريدة »الدستور« المصرية التي يرأس تحريرها إبراهيم عيسي أوّل أمس مقالاً يطعن في أصول الشريعة الإسلامية فيما يخصّ نظام المواريث في القرآن الكريم موقّعًا باسم يوسف سيدهم عضو المجلس المالي ورئيس تحرير جريدة »وطني«، وهو المقال نفسه الذي نشرته الصحيفة المسيحية يوم الأحد الماضي تحت عنوان »اغتصاب ميراث المرأة المصرية«. بدأ الكاتب مقاله قائلاً: »من أكثر الأمور المسكوت عنها قبحًا في ملف المرأة المصرية موضوع الميراث، فمهما تطوّر المجتمع وازداد وعيه بضرورة تحقيق المساواة بين الرجل والمرأة يظلّ موضوع الميراث خارج دائرة الحوار وغير مقبول من الرجل الخوض فيه. وفي الوقت الذي اعتقد فيه البعض بأن القضية تتعلّق بالمساواة بين الرجل والمرأة في نصيب كلّ منهما من الإرث ووضع حدّ للشرع السائد الحاكم بأن للذّكر نصيب الأنثيين، صفعتنا الحقيقة المرة بأن الأنثى في قطاعات لا يستهان بها في مجتمعنا لا تأخذ حتى نصف نصيب الذّكر وربما لا تأخذ شيئا على الإطلاق. ومضى سيدهم مستطردًا: »معتقدات قديمة ضاربة في جذور الثقافة المصرية آن الأوان لمراجعتها، لكن لأن الرجال هم حجر الزّاوية في تقرير الأمور ولأنهم مستفيدون من بقاء الأوضاع كما هي عليه يبقى ذلك الأمر تحت السطح لا يمتلك أحد شجاعة وأمانة إثارته ودفعه على مائدة الهموم المجتمعية المصرية لعلاجه، ولا يكتف بذلك بل يعمد إلى الغمز بأفضلية التاريخ المسيحي في هذا الصدد، قائلا: »ويذكر الدارسون في التاريخ القبطي أن التشريع القبطي الذي وضعه أولاد العسال حدّد أنصبة متساوية للمواريث توزّع بين الذكور والإناث، فما بالنا مازلنا نفرّق بينهما ونبرّر ذلك بمقولات عفي عليها الزّمن مثل: الولد يعيل البنت ويصرف عليها لذا لابد أن يأخذ أكثر منها، ومثل: البنت مصيرها الزّواج وأموالها يحب ألاّ تذهب إلى رجل غريب«. وسرد الكاتب رسالة وصفها بالمؤسفة قال إنها تصرخ جرّاء هذا الواقع الذي وصفه مجدّدا ب »القبيح« جاءته من السيّدة "س.غ" من بني مزار- المنيا تقول فيها: »مشكلتي التي أعاني منها منذ وفاة زوجي هي رفض إخوته إعطاءنا نصيبنا في ميراثه لديهم"، والتي أعتبرها رسالة تفضح الخلل البشع في مجتمعنا والمتّصل بحقّ أصيل من حقوق المرأة، وسكوت المجتمع على الظلم الفادح النّاتج عن هذا الخلل. أين الرجولة المصرية؟ وإذا كانت غائبة فأين الضمير المصري؟ هكذا اختتم الكاتب مقاله. ويتناقض ما أورده الكاتب في مقاله من محاولة الطعن في نظام المواريث الذي يطبّقه المسيحيون أنفسهم مع الدراسات التي تشير إلى إنصاف الإسلام للمرأة في الميراث، وأنها تحصل على أكثر من الذّكر في الكثير من الحالات. ومن ذلك ما جاء في أطروحة للباحث أحمد حسين خليل حسن في رسالته لنيل الدكتوراه بكلّية الدراسات الإسلامية - جامعة الأزهر، إذ يقول إن الأنثى في الإسلام لا ترث نصف الذّكر دائمًا وأبدًا، والقرآن لم يقل يوصيكم اللّه في الوارثين للذّكر مثل حظّ الأنثيين، وإنما جعل ذلك في حالة بعينها هي حالة »الأولاد«، وليس في مطلق وكل الوارثين »يوصيكم اللّه في أولادكم للذّكر مثل حظّ الأنثيين« النساء/ 11. أمّا عندما كان التقعيد عامّا للميراث فإن القرآن قد استخدم لفظ »النصيب« لكلّ من الذكور والإناث على حدّ سواء »للرجال نصيب ممّا ترك الوالدان والأقربون وللنّساء نصيب ممّا ترك الوالدان والأقربون ممّا قلّ منه أو كثر نصيبًا مفروضًا« النّساء/ 7. ومعايير التفاوت في أنصبة الميراث لا علاقة لها بالجنس ذكورة أو أنوثة على الإطلاق على غير ما يحسب ويظن الكثيرون إن لم يكن الأكثرون، وإنما معايير هذا التفاوت ثلاثة وهي درجة القرابة، فكلّما كان الوارث أقرب إلى المورث زاد نصيبه في الميراث، وكذلك موقع الجيل الوارث في تسلسل الأجيال، فكلّما كان الوارث صغيرًا من جيل يستقبل الحياة وأعباءها وأمامه المسؤوليات المتنامية كان نصيبه من الميراث أكبر. فابن المتوفّي يرث أكثر من أب المتوفّي وكلاهما ذكر، وابنة المتوفّي ترث أكثر من أمّه وكلتاهما أنثى، بل إن ابنة المتوفّي ترث أكثر من أبيه. أمّا العامل الثالث فهو العبء المالي الذي يتحمّله ويكلّف به الوارث طبقًا للشريعة الإسلامية، فإذا اتّفقت وتساوت درجة القرابة وموقع الجيل الوارث مثل مركز الأولاد أولاد المورث مع تفاوت العبء المالي بين الولد الذكر المكلّف بإعالة زوجة وأسرة وأولاد وبين البنت التي سيعولها هي وأولادها زوج ذكر هنا يكون للذّكر مثل حظّ الأنثيين، وهو تقسيم ليس فيه أيّ شبهة لظلم الأنثى، بل ربما كان فيه تمييز وامتياز لها احتياطًا لاستضعافها.