هو تراث يتراوح بين الإنشاد والشعر الشفوي والموسيقى والرقص، بل هو مزيج فريد من كل تلك الفنون، تزخر به واحة تيميمون وما جاورها دون غيرها، وكانت طقوسه تقام في المناسبات الدينية المحلية وبعض الأعراس، قبل أن ينال هذا الاعتراف العالمي ويصبح له مهرجانه السنوي. ويرتبط بالنمط المعيشي الزراعي لتلك المنطقة في قلب الصحراء الكبرى، ومن آلاته «القمبري» وهي آلة وترية تقليدية، ومجموعة صوتية بعشرات الأفراد يتحركون واقفين كتفا لكتف في أشكال دائرية، ويأتمرون برئيس الفرقة الذي يقف وسط الدائرة. ويشبه بعض الباحثين هذا التراث بموسيقى «البلوز» المعروفة التي غناها العبيد. ويعتقد كثير من الباحثين أن هذا التراث هو مزيج لعدة ثقافات تزاوجت في تلك المنطقة النائية، التي سكنتها قبيلة زناتة الأمازيغية التي ما زالت لغتها متداولة هنا، ليسكنها في مرحلة لاحقة اليهود ثم بعض الإشراف القادمين لأسباب تاريخية من المغرب الأقصى الذين يسمون «المرابطين»، لتمتزج ثقافات كل هؤلاء بالثقافة الأفريقية التي أتى بها «السودانيون» (نسبة إلى السودان الغربي وهو دولة مالي الحالية)، الذين كانوا ضحية لتجارة العبيد ضمن محور منطقة الساحل الأفريقي (ضفاف الصحراء الكبرى) والشمال الأفريقي حيث البحر المتوسط وصولا إلى الأندلس. وبحكم هذا التمازج العجيب أصبحت تلك الواحة تسمى «طريق الملح» العملة القديمة التي كتب عنها الكثير ومنهم الروائي الليبي الطوارقي إبراهيم الكوني إنه فن الأهليل. ليس للزائر لمدينة أدرار النائمة على كنوز من الموروث الثقافي الحضاري المادي والشفوي، إلا أن يقع أسيرا لذلك الصخب الغنائي المنبعث من بين شقوق القصور العتيقة لمنطقة القورارة وتمنطيط وتيميمون.. صخب هو الأكثر جمالا من بين كل الطبوع الغنائية الأمازيغية الصحراوية. هو صخب"الأهليل" هذا الإيقاع الروحاني الصوفي الذي قدم الإسلام للأمازيع بطريقة سلسة هي في الأصل أمازيغية اشتغل المسلمون العرب على تهذيبها من خلال صياغة ديوان شعري في غرض المديح الديني. ليصبح اليوم الأهليل ضمن ال43 نوعا من الطبوع الفنية الشفوية التي تم تصنيفها من قبل منظمة الأممالمتحدة للتربية والثقافة والعلوم " اليونيسكو " سنة 2005 . وتجذر فلكلور أهليل، ذلك التراث غير المادي العتيق الذي تكرس له مدينة تيميمون (أدرار) مهرجانا سنويا في ثقافة سكان منطقة القورارة الواقعة في الجنوب الشرقي الجزائري. التي تزخر بمرجع ثري من الأناشيد الدينية بإيقاعات خاصة تؤدى في المساء بالأماكن العمومية خلال الحفلات العائلية أو زيارة أضرحة الأولياء الصالحين للمنطقة، ويتميز طابع أهليل بكيفية أداءه من قبل منشدين يجلسون على شكل حلقة دائرية. نايلة باشا فمن خلال زيارتنا منذ أشهر لمدينة تيميمون الواقعة على بعد 210 كلم عن أدرار. كانت وجهتنا الأولى إلى مركز الإشعاع الثقافي حيث التقينا بمدير المركز السيد الذي لم يوفر جهدا و لا معلومة إلا و جاد بها على فضولنا وشغفنا الكبيرين بأسرار المنطقة و كان جناح "الأهليل" الذي انشأته "الجمعية الثقافية تفاوتزيري للمحافظة على الأصالة والتراث" على مستوى المركز الأكثر سحرا من بين كل أجنحة هذا المبنى العتيق الذي تم تصنيفه من قبل وزارة الثقافة. حيث عاد بنا مدير المركز إلى تاريخ الأهليل والذي يعود إلى عهد أول من استوطن المنقطة وهم قبائل زناتة "البربريين" الذين خلّفوا أثارهم فيها ثم أتي من بعدهم اليهود ثم أعقبهم الشرفة "القبائل الإسلامية الشريفة التي أتت من المغرب" وأخيرا سكنها السواديون الذين أخذوا إلى هناك عبيدا في العديد من القوافل المتاجرة بين شمال أفريقيا وأراضي الساحل.وأصبح إقليم قورارة من خلال اختلاط الأعراق، ملتقى للثقافات. ويمكن معاينة في موسيقى أهليل التي تحكي تاريخ هذه الواحات الأخّاذ والمضطرب. .. الاهليل مدائح تغنى أناء الليل يعتبر الدليل السياحي " عبد الحي بوقاشوش" في شرح له حول أصل تسمية الاهليل انه ديوان شعري عاكس لمختلف مناحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية للإنسان الجنوبي، وهو فن روحاني عريق مرتبط بالموروث الثقافي المحلي .وفي توضيح له لأسرار هذا الطقس الشعري الفريد. يقول ذات المتحدث بان سكان الواحات اعتادوا التوافد كل مساء لسماع الآداءات المختلفة لفرق "أهليل" المنتشرة في الجنوبالجزائري في فضاءات مفتوحة فوق الرمال وسط أجواء حميمية خاصة وفي فترات معينة. ويقول البعض أن تسمية اهليل اشتقت من "أهل الليل" لكون هذا الغناء يؤدى في الليل فيما يعتقد البعض الآخر بأن هذه التسمية ترتبط بالإسلام و جاءت من التهليل بالنظر إلى طبيعة النصوص التي تؤدى تمجيدا لله. وحسب كل من استفسرنا لديه عن أصل التسمية فان جمهور الدارسين لهذا الطابع الغنائي لم يستقروا حيث يرجعها فريق إلى "أزلوان" وهي كلمة محلية تُطلق على "أهل الليل" اعتبارا لكون قصائد الأهليل عادة ما تلقى ويتم التغني بها في الليل حتى مطلع الفجر، بينما ربط فريق آخر، كلمة أهليل بالهلال الذي يهل مطلع كل شهر، في حين يذهب البعض إلى أنّ كلمة أهليل جاءت من التهليل لله وذكر عبارة "لا اله إلا الله". من جهة أخرى، يقر مدير جمعية"انو انتمقريوت" الذي التقيناه في مقر جمعيته بمدخل تيميمون بأنّ الأهليل ثلاثية الاتجاه فهي "إسلامية الطابع، مغربية المنشأ، تربوية الروح"، وتهدف حسبه إلى بعث الوعي الروحاني لدى جمهور المتلقين وتحفيزهم على التأمل في بدائع الخالق . ويشير ذات المصدر بان الاهليل ليست جزائرية محضة مؤكدا وجودها بشكل ملفت في دول الجوار كالمالي وتونس وليبيا، إضافة إلى فرنسا وألمانيا بفضل تأسيس الجالية المغاربية هناك لعديد الفرق. .. طقوس و أسرار الأهليل يؤكد "عبد الحي بوقاشوش" الدليل السياحي بان الاهليل يتصل اتصالا وثيقا بنمط الحياة لدى قاطني منطقة قورارة التي تبعد بحوالي 1000 كلم جنوب غرب الجزائر الذين يشتغلون أساسا بالزراعة في الواحات. ويمارس الاهليل ضمن طقوس معينة لا يمكن الخروج عنها و لا محاولة عصرنتها. حيث تؤدى الاهليل جلوسا أو وقوفا لكل وضعية آلاتها الموسيقية الخاصة. حيث يستعمل الناي التقليدي الخاص بالمنطقة إلى جانب الدربوكة في حالة الوقوف . فيما تستعمل آلة البنقري الوترية التي تصنع عادة من جلود الحيوانات إلى جانب حجر الإيقاع في حالة الجلوس . تتضمن فرقة الاهليل الواحد ما يقارب ال100 عنصرا يقفون أو يجلسون متكاتفين مصفقين على إيقاع الآلات الاقاعية يتوسطهم مغني الفرقة الذي يتولى وحده حفظ و ترديد القصائد و المدائح الدينية . والغريب في الأمر وعلى غير باقي الطبوع الموسيقية الأخرى ترافق الاهليل أهل القورارة في أفراحهم و اقتراحهم حيث تغنى الاهليل في الأفراح ويؤدى طابع " التيفقيرين " في حالة الأحزان بدل العويل على الميت. لقد أصبح هذا الطابع الغنائي يؤدى اليوم من قبل الرجال بعد أن كان في الماضي حكرا على النساء اللواتي كانت تسمى ب"القوالات" على غرار الفقيدة داداة حسناء. كما يؤدى هذا النوع الفلكلوري في الليل من قبل مجموعة من الرجال يجتمعون في شكل دائري يقف في وسطه أباشنيو (الشاعر أو المغني) يرافقه العازفون على التامجا (الناي) والقلال. وما يزيد رونق وجمال اهليل هو انسجام الحلقة الدائرية التي يكونها المؤدون والذي يعكس جمال و هدوء النصوص التي تؤدى بحركات تتناغم مع الأصوات المنسجمة للمغنين حيث يتخذ الشعراء من الحب والحرب والشهرة والكرامة والعطف، مواضيع محبّبة لهم، وإذا كان المعطى الديني أساسا في هذه الأناشيد، فإنّ ذكر الأساطير والملاحم وقصص الحب والقصور والحروب بين قبائل المنطقة لا يغيب عنها بل هو يتساوى فيها مع ذكر الله وأنبيائه وأوليائه الصالحين على مساحة وسطى. وتؤدى رقصة اهليل على ثلاثة مراحل. يدخل عازف القصبة (الناي) ليعزف جملا من السلم الموسيقي الذي سيغنى عليه الاهليل تحضيرا لدخول المغني الذي يدخل بدوره بصوت قوي و يبدأ بالطبقات العليا مع التصفيق بإيقاع يحدد من خلاله سرعة الأداء. تتواصل هذه الحركات الفنية من خلال انسجام بين المغني و الفرقة حتى ينهي المؤدي غناءه تحت إيقاع ساحر من خلال ترديد الجملتين "الله يا الله" و"يا مولانا يا مولانا". ويؤدى هذا النوع من الأناشيد الدينية ذو الأصل الأمازيغي (الجنوب الشرقي) باللغة البربرية للمنطقة وهي الزناتية. ومن بين أشهر القصائد التي تؤدى في هذا اللون ع قصيدة "النبي الأعظم": والتي تقول في مطلعها: صلى الله على صاحب المقام الرفيع.... والسلام على الطاهر الحبيب الشفيع قدر الداعي والمدعي ومن هو سميع... قدر الشاري في السوق ومن جاء يبيع قدر الطايع للحق رآه في أمره سميع... قدر ما قبضت اليد الكافلة بالجميع قدر الحلفة والدوم والزرع والربيع.. مريدو الأهليل يطالبون بحمايته من الضياع ورغم تصنيف هذا اللون الغنائي الروحاني من قبل منظمة اليونسكو منذ أزيد من خمس سنوات ضمن كلون غنائي عالمي معترف به ورغم رصد وزارة الثقافية لميزانية خاصة بإحياء مهرجان خاص بالاهليل يقام سنويا بمنطقة تيميمون إلا أن مريدوا هذا اللون الغنائي الصوفي يشكون التهميش والإهمال من قبل السلطات القائمة على الحفاظ على الموروث الثقافي لمدينة أدرار وهو ما من شانه تهديد الاهليل بالاندثار و الضياع . حيث تشتكي جمعية انو انتمقريوت عدم إشراكها ضمن التظاهرات الثقافية الدولية التي من شانها التعريف بهذا الجنس الغنائي الخاص و الذي يعبر عن جزء من الهوية الجزائرية. فيما طالب عدد من الشباب بفتح مجال التعليم والتكوين في هذا اللون الغنائي وذلك كنوع من الحماية والحفاظ عيله من الضياع مشددين على ضرورة تفعيل دور الحضيرة الوطنية في حفظ التراث المادي وغير المادي للمنطقة إضافة إلى مساهمتها في زيادة الوعي لدى الجمهور بقيمة هذا الثراث الذي يحتوي على أشكال التعبير الشعبية والتقليدية التي تواجه خطر الانقراض. من ناحية أخرى، دعا سكان المنطقة إلى ضرورة جمع وأرشفة البحوث المنجزة حول أهليل، وإعداد قاموس خاص بمصطلحاته "الزناتيةّ، وذلك بالنظر إلى ما يتضمنه من معان وأهازيج وقصائد شعبية، بالإضافة إلى تنظيم دورات تربصية للشباب حول هذا التراث قصد ضمان تداوله عبر الأجيال