مع اقتراب شهر جوان من كلّ سنة، تعلن العائلات الجزائرية حالة الطوارئ استعداداً لاجتياز أبنائها الامتحانات المصرية بنجاح، سواء كان ذلك على المستوى النفسي أو على المستوى المادي لتزداد أعباء الأسرة فوق ما تحتمله من أعباء. وتأتي الدّروس الخصوصية على رأس قائمة الأولويات التي تسعى الأسرة الجزائرية إلى تسديد فاتورتها، إذ أصبحت أمراً حتمياً لا يمكن للطالب أن يستغني عنه خلال العملية التعليمية، ظاهرة الدروس الخصوصية ليست ظاهرة ترفيهية أو نتجت من غير دوافع حقيقية لتفشيها، بل إنّها كغيرها من الظواهر الاجتماعية الناشئة في ظل ظروف وأوضاع جديدة تنتاب المنطقة بأكملها. أسماء زبار تتعدّد الأسباب والنتيجة واحدة، هي المهمّ أن يحصد الطلبة نتائج ومعدّلات جيّدة دون حساب تكاليف الدروس التي تختلف بين أخذها لدى أستاذ في منزله أو في منزل الطالب، أو مدرسة خاصة بالدروس التدعيمية، وللوقوف على هذه الظاهرة وأسبابها ارتأت - الحياة العربية- أن تقف على جميع الجوانب الملمة بالموضوع. 1500-1200 دج للمادة في الطورين التعليمي والمتوسّط و1000 دج للابتدائي توجّهنا إلى مدرسة النوابغ بباش جراح، و قالت لنا السكرتيرة أنّ المدرسة تستقبل مع بداية الدخول المدرسي العديد من التسجيلات في دروس الدعم في جميع الأطوار خاصة أقسام الثالثة ثانوي والرابعة متوسط والخامسة ابتدائي، وهذا بسبب الامتحانات، فنحن نعمل مثل المؤسّسات التربوية تماما أي طيلة السّنة الدراسية، وعن أوقات الدراسة قالت المتحدثة أنّه هذه السنة شهدت إقبالا واسعا من طرف التلاميذ ولهذا فكثرة الأفواج جعلتنا نفتح مساء ونخصص أفواجا من الساعة الخامسة إلى السابعة خاصة بالنسبة للتلاميذ الذين يقطنون أمام المدرسة، أمّا الآخرين فيدرسون يوم الثلاثاء مساء وأيام العطل الأسبوعية خاصة بالنسبة لأقسام النهائي. وعن أهمّ المواد التي يتم التركيز عليها هي مادتي الرياضيات والفيزياء والعلوم واللّغة العربية والفرنسية والفلسفة، كما قالت المتحدّثة أنّ التلاميذ يستفيدون كثيرا من دروس الدعم ونحن نطلب منهم إحضار النقاط للمعلّمين هنا لمراقبة مدى تحسّنهم. من جهتها قالت نائبة المدير بمدرسة المداد بباب الزوار في اتصال مع الحياة العربية، أنّ هذه السنة شهدت المدرسة تسجيلات كبيرة من طرف التلاميذ خاصة مع بداية الفصل الثاني وهذا لسمعة المدرسة الجيدة ومستوى المعلمين هنا، كما أنّ النجاح الذي حققه تلاميذ المدرسة السنة الماضية فنسبة النجاح بلغت 100 بالمائة بالنسبة لتلاميذ البكالوريا الذين درسوا هنا، ناهيك عن الأطوار الأخرى، وهذا راجع إلى مستوى الأساتذة هنا وطرق شرحهم للدروس التي تعتمد على حل التمارين بالأساس، هذا ما يسمح بفهم التلاميذ ومرونتهم في حلها، أما عن الأسعار فقالت المتحدثة أن المادة الواحدة ب 1200 دج للشهر بالنسبة للطور الثانوي والمتوسط، أمّا الابتدائي فالمادة ب 1000دج للشّهر. من جهتها تشهد مدرسة النجاح بالحراش إقبالا كبيرا من طرف الطلبة، إذ قالت لنا السيدة (ص.م) مديرة المدرسة " أنّ هذه السنة شهدنا العديد من التسجيلات على جميع المستويات خاصة طلاب السنة الثالثة ثانوي، وارتفع العدد أكثر خلال هاته الأيام بسبب طرحنا لبرنامج جديد مخصّص لمترشحين البكالوريا هو حل التمارين ومواضيع البكالوريا السابقة، هذا البرنامج الجديد طرحته المدرسة العام الماضي ولقي نجاحا كبيرا كما أنّ التلاميذ استفادوا منه كثيرا وتجلى ذلك في نيلهم لشهادة البكالوريا بنسبة كبيرة وبمعدلات جيدة، وقالت المتحدثة نحن في الأساس نفضل أن يكون نفس الأساتذة الذين يدرسونهم في المؤسسات التعليمية نفسهم الذين يعطونهم دروس الدعم في مدرستنا، لأنّ الأستاذ يعرف تلاميذه ويعرف تماما ماذا ينقصهم وماذا يضيف لهم بالضبط . وقالت مديرة المدرسة نحن نقوم بتخفيضات في الأسعار لمساعدة الطلاب فالمادة الواحدة ب 1200دج لكن إذا تم دراسة مادتين فتحسب ب 2000 دج. أساتذة بحاجة للمال وآخرون يستغلون معرفتهم بالتلاميذ لتقديم الدعم من جهتها قالت أستاذة العلوم الطبيعية بالثانوي (ع.ب)، أنا أقدّم دروس تدعيمية في مدرسة خاصة خلال عطلة الأسبوع، فهذه الدروس مهمة وضرورية خاصة للمقبلين على اجتياز شهادة البكالوريا، فالحصة الواحدة في الثانوية لا تكفي خاصة لحلّ التمارين وتصحيحها، فلهذا معظم التلاميذ يلجؤون لهاته الدروس نظرا لاعتماده على التمارين وتصحيح الأخطاء. ووافقتها أستاذة الفيزياء في نفس المدرسة والثانوية أنّ دروس الدّعم باتت من الأمور المهمة للتلاميذ، وأريد أن أنبه لشيء مهم ألا وهو أن بعض التلاميذ الذين يأخذون دروس الدعم لا ينتبهون كثيرا للأساتذة وللدّرس في المؤسسة التعليمية، بل كثيرا منهم يتغيبون بالنسبة لأقسام النهائي، حيث أصبحوا يعتمدون على دروس الدعم، وأؤكّد أن سبب إعطائي لدروس الدعم في المدرسة هو حاجتي الماسة للمال. من جهتها قالت معلمة بالابتدائي أنّ معظم تلاميذها يدرسون في مدرسة خاصة للدعم فاقترحت على مديرة المدرسة أن تقوم هي بتدريسهم لأنها تعرف مستواهم وتعرف ما ينقصهم وبالفعل أصبحت تعمل هناك منذ ثلاث أشهر تقوم بحلّ التمارين ومراجعة الدروس. .. طلبة لا يفهمون الأستاذة في المدرسة عكس الدروس الخصوصية قالت كلّ من أمينة ووسام أنهما وبعد شهر من بداية السنة الدراسية، سجلتا في مدرسة خاصة للدروس التدعيمية في مادتي الرياضيات والفيزياء، وبعد الفصل الأول سجلتا أيضا في مادة العلوم وهذا لطريقة الأستاذة الغامضة التي لا يفهمانها كثيرا، وقالتا أنّ أستاذ الفيزياء هو نفسه في الثانوية، وأنه في المدرسة الخاصة يشرح لهما أكثر وتقومان بحل التمارين وتصحيح الأخطاء بينما في الثانوية يشرح لهم الدرس فقط، وكثيرا من التمارين التي يحلانها في المدرسة الخاصة تشبه التي يعطيهم لهم في الفروض والامتحانات. أما سمية تلميذة سنة رابعة متوسط قالت أنها لا تفهم جيدا في القسم في مادة الرياضيات لأن طريقة شرح الأستاذ غامضة نوعا ما، فقررت والدتي أن أسجل في مدرسة الدروس التدعيمية بعد العلامة الضعيفة التي تحصلت عليها في الفصل الأول، لكن علاماتي تحسنت كثيرا واستفدت من هاته الدروس لأن مستوى المعلمين فيها جيد كما أن طريقة شرحهم تختلف تماما عن طريقة شرح المعلمين في الاكمالية. من جهتها قالت الطالبة ياسمين قسم نهائي في الموضوع "أنا ادرس الرياضيات والفيزياء والعلوم بمدرسة خاصة باعتبارهم المواد الأساسية، واستفدت كثيرا من هاته الدروس وتحصلت على علامات جيدة طوال الفصلين الأول والثاني، وأتمنى أن أتحصل على شهادة البكالوريا بمعدل جيد، لأنّ معظم التلاميذ الذين درسوا هنا العام الماضي تحصلوا على الشهادة، وأضافت، الكثير من زملائي يدرسون هنا معي ونفس المواد. .. كثرة المواد وطمع الأساتذة تجبر الأولياء على مساعدة أبنائهم في ذات السياق قالت فطيمة أمّ لولدين، أنّ الدروس التدعيمية أصبحت ضرورة لابد منها للتلاميذ منذ الابتدائي، فأنا ولدي مقبل على اجتياز امتحان الخامسة ابتدائي ومنذ الفصل الأول وهو يتلقى دروس الدعم بسبب كثرة المواد أولا، وبسبب المعلمين ثانيا الذين أصبح همهم الوحيد الزيادة في الأجور والإضرابات التي أدت إلى إهمال التلاميذ، مما اضطررنا نحن الأولياء إلى تخصيص مبلغ من الميزانية الشهرية لهاته الدروس حتى لا نضيع مستقبل أولادنا. أما السيدة ع، فقالت أن ابنتها ستجتاز شهادة البكالوريا وتدرس الرياضيات والفيزياء في مدرسة خاصة لتحسين مستواها، بالرغم من أن المادة الواحدة ب 1200دج لكن ماذا نفعل نحن مضطرين إلى دفعها من اجل أولادنا، خاصة وأن هذه الدروس تهمهم وتفيدهم كثيرا، فالأساتذة اليوم أصبحوا لا يبالون بالتلاميذ يشرحون الدرس ولا يتعبون أنفسهم في الذي لم يفهم، لذا فأغلبية التلاميذ أصبحوا يقبلون بكثرة على دروس الدعم وغالبا ما يكون الدافع أوليائهم. من جهتها قالت السيدة ز، أنّ الدروس التدعيمية لابد منها للتلاميذ خاصة منهم المقبلين على اجتياز البكالوريا وشهادة التعليم المتوسط والابتدائي، لأنها تساعدهم على الفهم الجيد للدروس وحل التمارين وتصحيح المواضيع السابقة ما يعود التلميذ على التطبيق والسهولة في الحل. وبالنسبة للإقبال الواسع على هاته الدروس في الآونة الأخيرة قالت المتحدثة، هذا بسبب استفادة كل من قام بهاته الدروس، والكثير من التلاميذ من نجحوا لذا زاد الإقبال. .. منازل تحوّل إلى مدارس والمال الهمّ الوحيد بعيدا عن المدارس الخاصة هناك الكثير من الأساتذة والمتخرجات الجامعيات من يقمن بإعطاء دروس دعم وتقوية للتلاميذ، في منازلهم والثمن يكون أقل من سعر المدرسة الخاصة، هذا ما تقوم به فاطمة متحصلة على شهادة الليسانس في علم الاجتماع تدرّس العديد من تلاميذ الابتدائي، في منزلها بسعر 1000 دج لجميع المواد.أما الأستاذة ك، رياضيات فتقوم في منزلها بإعطاء دروس الدعم للطلاب، وأغلبهم هم تلاميذها في الثانوية، فهي تخصّص مكان في المنزل لإعطاء الدروس. من جهتها قالت لنا الأستاذة (س.ر)، أستاذة فلسفة بالثانوي، أنا لا أوافق تماما القيام بالدروس التدعيمية إلا في حالات عدم فهم الطالب تماما، لكن اليوم أصبح التلاميذ يقبلون على هاته الدروس ولا ينتبهون بتاتا لشرح الأستاذ في القسم، فالطالب الذي يركز أثناء الدرس لا يحتاج إلى هاته الدروس التي تتطلب الكثير من المال، أما عن الأساتذة الذين يقدمون دروس الدعم في المدارس الخاصة لنفس طلابهم في المؤسسات التعليمية فقالت الأستاذة، هذا أمر يعود إلى شخصية الأستاذ نفسه فالذي يعتبر المهنة نوعا من التجارة يقوم إعطاء هاته الدروس لنفس تلاميذه، أما الذي يعتبرها أمر واجب ونبيل فلا يفكر في هذا الأمر على الإطلاق، فالأستاذ مطالب بإعطاء كل شيء لتلاميذه فلا يضطرون إلى هدر مال أسرهم من أجل هاته الدروس،فتجد الأسرة نفسها مضطرة إلى دفع هاته المبالغ من أجل مستقبل أبنائها. وأكّدت الأستاذة أنّه طالما أثارت دروس الدعم والتقوية نقاشا حادا بين مختلف الفاعلين التربويين من جهة وبين شرائح اجتماعية متعدّدة من جهة أخرى، وأكدت أن التعليم انحرف عن مساره التربوي الذي كان يهم بالأساس تكوين أجيال تجسد الهوية الجزائرية الحقيقية القائمة على التضامن وبناء المجتمع القادر على رفع التحديات المستقبلية، كما أنّ المربي لم يعد في مستوى نبل رسالته ولم يعد التعليم يملك جزئه المجاني النبيل بل أصبح يلتف على جيوب الأسر لتفريغها.