بيوت تتحول إلى مدارس خاصة و استثمار بدون ضريبة لم تعد الدروس الخصوصية التي يقدمها الأساتذة للتلاميذ مقتصرة على تحضيرات نهاية السنة فقط، كما أنها لم تبق في طابعها التقليدي، حيث كان الأستاذ يدرس تلميذين أوثلاثة على الأكثر في غرفة من غرف بيته، بل تحول الأمر إلى شبه مدارس خاصة بالدروس الإضافية، يقوم الكثير من الأساتذة بكراء شقق أو محلات تتحول إلى مدارس حقيقية يؤطرها أساتذة ثانويون أو في الإكمالي بعيدا عن أية مراقبة أودفع مستحقات مثل هذا النشاط "التجاري" لمصالح الضرائب. مع ازدياد اهتمام الأسر الجزائرية بالرفع من مستوى أبنائها الدراسي وحرصها على تدارك النقائص المسجلة عندهم مهما كلفهم الثمن، وخاصة خلال سنوات الامتحانات المصيرية مثل البكالوريا والتعليم المتوسط، ازدهر نشاط الدروس الخصوصية التي لم تعد تقتصر على أستاذ يقدم دروسا في مادة معينة في ببيته بل أصبح الكثيرمن الأساتذة يختارون شقة معينة لكرائها في شكل جماعي أو فردي كل واحد يقدم دروسا في مجال اختصاصه. ويفسر تنامي هذه الظاهرة السنتين الماضيتين كثافة البرنامج، وعدم قدرة التلاميذ على مراجعة دروسهم، وكذلك تغيير المناهج التربوية في اطار اصلاح المنظومة التربوية وهذا ما ترتب عنه الإستعانة بصفة حتمية بمعلمين لتقديم دروس خصوصية. أجرت بيتا، ووظفت "نفسها" وزميلاتها من بين حالة أستاذة في مادة الرياضيات بأحد أحياء العناصر قامت بكراء شقة لتقديم دروس خصوصية لتلاميذ المستوى النهائي في مادتين رئيسيتين مقابل 4000 دينار للمادتين معا، لأربعة حصص في الشهر ولمدة ساعتين في اليوم الواحد لكل تلميذ، لكن اعتمادها على نفسها فقط لدفع تكاليف الكراء جعل نشاطها أقل دخلا فقررت فتح المجال لثلاثة أساتذة في مواد الفلسفة الفرنسية واللغة العربية لتقديم دروس لنفس المستوى على أن يخصصوا لها نسبة من دخلهم. ولأننا لم نستطع الحصول على المعلومات مباشرة انتقلنا مع صارة.ع وهي في المستوى النهائي قصدت البيت المعني بعد علمها من زميلاتها بوجود أستاذه ذات مستوى تقدم دروسا خصوصية في الرياضيات والفيزياء، وعندما وصلنا إلى عين المكان سألنا عن المدرسة وطرحنا السؤال متظاهرين بالاهتمام بالمواد التي تدرس فيها، فأجابت المدرسة بأنها تدرس الرياضيات والفيزياء لكن هناك أساتذة يمكنهم تقديم دروس في الفلسفة والأدب العربية بمبلغ 1500 دينار لكل مادة واللغة الفرنسية بمبلغ 1000دينار "وكلهم من الأساتذة الممتازين" تقول المتحدثة. وعندما طرحنا عليها السؤال حول ما اذا كان معترفا بنشاطها أجابت أن المبادرة من تلقاء نفسها، بعد أن رأت أن هناك رغبة ملحة من التلاميذ في الحصول على دروس إضافية لفهم الكثير من الدروس وهي تقدم تلك الدروس من أجلهم وليست بحاجة لاعتراف الدولة "فانا لست مدرسة" تقول المتحدثة التي احتجت على أسئلتنا "المقلقة" وما إن جئنا للاستعلام أو للتجسس. التدريس في البيوت هو كذلك مشروع بين زوجين. تقول سيدة من حي 618 بالديار الخمس بالحراش إنها وجدت في إحدى الأستاذات بالحي الذي تقطن فيه ملجأ لها لإعطاء دروس إضافية لإبنها الذي يعاني "عجزا كبيرا في مادة الرياضيات لتجد عندها دروسا أخرى يقدمها زوجها الأستاذ في مادة الفيزياء وهو يدرس الرياضيات والفيزياء معا. وأشارت السيدة إلى أن الأستاذة التي تدرس ابنها كانت ترغب في استقدام زميلتين لها لقديم دروس في الفلسفة وأخرى في الأدب العربي مقابل تقاسم الدخل معهما، إلا أن زوجها كان ضد هذه الفكرة لعدم وجود وقت فراغ لهما حيث يتطلب منهما الأمر تخصيص ساعات أخرى على حساب وقت الأسرة. بيوت العائلة تحولت إلى مدارس "سرية" من الحالات الشائعة كثيرا أن يقوم الأستاذ بتخصيص بيته لعدد محدود من أبناء الجيران أو الحي الذي يقيم فيه لتقديم دروس إضافية في المساء وهي حال هدى المقيمة بالديار الخمس التي تقول أنها اغتنمت فرصة إقبال الجيران عليها من اجل تدريس أبنائهم في مادة العلوم الطبيعية ,ومنهم تلاميذ الاكماليات وتلاميذ المستوى النهائي وهي تقوم بهذا النشاط في الفصل الثاني فقط من السنة الدراسية وهو حال أمال كذلك المتحصلة على ليسانس في مادة الإنجليزية وبقيت بدون عمل ,ففضلت تقديم الدروس الإضافية على العمل في المدرسة لما لهذا النشاط من راحة تسمح لها بالاهتمام بمنزلها وابنائها من جهة وتحقيق دخل ملائم خاصة وانها تتمع بسمعة جيدة في الحي الذي تقطن فيه بالحراش ويثق في مستواها كل الاولياء من أبناء الحي ما مدى مردودية نجاح هذا النشاط الموازي في قطاع التعليم وما يحققه من دخل وفير لأصحابه؟ الجواب وجدناه في المدارس الخاصة المعتمدة من وزارة التربية الوطنية الفرصة التي اغتنمت هذا الواقع، وببحثنا في وسط تلاميذ النهائي دلنا الكثير منهم إلى "مدرسة ديكارت" بالقبة وهي مدرسة خاصة يقوم فيها الكثير من الأساتذة بتقديم دروس تدعيمية مقابل 1500 د ينار للتلميذ الواحد في مادة واحدة مرتين في الأسبوع. وبازدهار هذا النشاط تحركت وزارة التربية واعترفت بأن الظاهرة "غزت قطاع التربية"، حيث قال وزير التربية شخصيا أنه سيخوض حربا ضد "سماسرة دروس الدعم وأن قطاعه يقوم بحرب بيداغوجية في هذا المجال وقررت الوصاية عقب ذلك تخصيص دروس شاملة عبر كل المؤسسات التعليمة للوطن. وزارة التربية "تحارب الظاهرة "بتعميم دروس الدعم أكد عباسي مدير التعليم الأساسي بوزارة التربية أن هذه الأخيرة على دراية بانتشار مثل هذا النشاط، ولمحاربة الظاهرة قررت تنظيم جهاز خاص بالدروس المدعمة عبر المؤسسات التربوية مجانا ولكل التلاميذ في السنوات الخامسة المقبلين على شهادة التعليم الابتدائي والرابعة متوسط المقبلين على شهادة التعليم المتوسط والثالثة ثانوي المقبلين على شهادة البكالوريا و"هذه هي الطريقة المثلى التي تواجه بها وزارة التربية فوضى الدروس الخصوصية "يقول السيد عباسي. وأضاف المتحدث أن الوزارة تلاحظ ازدياد الاقبال على الدروس التي برمجتها في المدارس وأن هذه الدروس التدعيمية بدأت تفرض نفسها نظرا للمستوى الجيد للتدريس مما سمح للتلاميذ بالتحضير الجيد للامتحانات، مشيرا إلى أنه بالرغم من عدم تلقي الوزارة لأي احتجاج أو تقرير من جمعيات أولياء التلاميذ أو هيئات أخرى إلا أن أولياء التلاميذ يمكنهم البرهان على موقفهم الرافض لفوضى المدارس الخاصة من خلال البرهنة بارسال أبنائهم إلى دروس الدعم لوزارة التربية، حيث هناك طاقم من الاساتذة والمفتشين يسهرون على حسن سير العملية ويراقبونها وهي أحسن حملة ونتيجة يمكن الرد بها على أصحاب المدارس الفوضوية، وهو ما سيقلص من نشاط المدارس الفوضوية، خاصة إذا علم الأولياء أن عددا من الولايات ساهمت دروس الدعم الممنوحة من قبل وزارة التربية بنسبة 60 إلى 70 بالمائة من النجاح في الكثيرمن الولايات. وعن الإجراءات التي من صلاحيات الوزارة اتخاذها ضد أصحاب هذا النشاط الموازي، قال المتحدث إن الوزارة مسؤولة عن الأساتذة داخل المؤسسة التربوية وأما خارجها فهي ليست مسؤولة عما يقومون به" وذكر المتحدث بأن منشورا وزاريا يمنع إعطاء دروس خصوصية. صبرينة بودالية الدروس الخاصة أصبحت ضرورية بالنسبة إليهم الأولياء التلاميذ: المسالة تتعلق بمستقبل أبنائنا في فيلا راقية بشارع "دي فونتان" بالعاصمة يصطف جمع غفير من الطلبة من مختلف المستويات المتوسط والثانوي ينتظرون دورهم لأخذ الساعات المقررة لهم في الدرس الخصوصي، هو منظر يثير الغرابة لأن المار من هذا الحي يخيل له أنه أمام مدرسة أو إكمالية ليتضح الأمر فيما بعد أن هذه الفيلا مخصصة للدروس التدعيمية لمختلف المستويات. دخلنا حديقة المنزل سألنا عن صاحبها فقيل لنا إنه شاب جامعي في مقتبل العمر تبادرت له فكرة الدروس الخصوصية بعد إلحاح من أصحاب الحي الذين كانوا يقصدونه في كل مرة لمساعدة أبنائهم، فقبل الفكرة وقام بفتح الطابق الأرضي من بيته للتلاميذ لمختلف الأطوار. يقول السيد ف. ك –صاحب المشروع- في بادئ الأمر كنت أقدم دروسا للأقسام النهائية فقط، حيث استعنت بمدرسين من نفس الحي، ب 14000 دج للشهر بالنسبة إلى مستوى الثانية ثانوي مرتين في الأسبوع وقد يصل المبلغ إلى 3000 دج فيما يخص الأقسام النهائية. أما المواد المخصصة فهي الرياضيات والفيزياء فقط. اتجهنا إلى احد التلاميذ الذين كانوا ينتظرون للالتحاق بالدرس، فأكد لنا كمال وهو تلميذ من السنة الثانية ثانوي أنه يأخذ دروسا في مادتي الفيزياء والرياضيات بقيمة 5000 دج للشهر في قسم يتكون من 10 إلى 14 تلميذا ويرى نفس التلميذ أن هذا المبلغ غير مبالغ فيه بالنظر إلى مستوى الأساتذة الذين يشرفون على الدروس. من جهة أخرى يرى أولياء التلاميذ الذين أثقلتهم مصاريف الدروس أن أبنائهم أصبحوا يتسابقون في اخذ الدروس كنوع إلزامي وتقليدا لأصحابهم، فهم يتباهون أمام أقرانهم عن مستوى المدرسون و المكان الذي يأخذون فيه الدرس وحتى عن الأسعار فهو نوع من التسابق نحو الأفضل ونحو الأغلى ضاربين عرض الحائط إمكانيات أوليائهم، في حين يرى البعض الآخر أن موضوع الدروس الخصوصية امر ضروري بالنظر إلى مستوى الدروس المقررة لهم، حيث أكد زين العابدين وهو أب ل 3 أطفال أن ما يدرسه أبناءه حاليا كان مقررا عليه في الثمانينات عندما كان هو في الثانوي، و بالتالي المتابعة اليومية للتلميذ في البيت غير كافية وملزم علينا ان نساعدهم بالدروس الخصوصية مهما كلف الأمر، فالمسالة الآن متعلقة بمستقبل أولادنا. الأساتدة: راتب الأستاذ لا يكفي لوحده أما السيد عظيمي محمد وهو مدرس في التعليم المتوسط ويعطي دروسا للسنة الثالثة والرابعة متوسط فيرى مسألة الدروس الخصوصية ظاهرة فرضت على المجتمع الجزائري، فكثافة الدروس وصعوبتها جعلت الأولياء يستنجدون بالمدرسين لإعطاء دروس خصوصية لأولادهم فمستوى المقررات ارتفع مقارنة بالسنوات الماضية وتكاليف الحياة أصبحت غالية جدا والمعلم أو الأستاذ لم يعد قادرا على تغطية مصاريف عائلته، أضف إلى ذلك" معادلة" أخرى هي المدارس الخاصة التي أصبح الأولياء يتسابقون عليها بحكم أن التعليم العمومي لم يعد يجدي نفعا بالنظر إلى كثافة الأقسام، وفيما يخص الراتب الشهري للأساتذة فإن 30 ألف دينار في اعتقادي غير كافية لتغطية المصاريف، وهذا ما جعل اللجوء إلى الدروس الخصوصية أمرا ضروري. المكلفة بالإعلام بمديرية التربية لولاية الجزائر "وفرنا كل الإمكانيات البيداغوجية للقضاء على الدروس الخصوصية" وفي محاولة لرصد هذه الظاهرة من جانب أكاديمية الجزائر أكدت المكلفة بالإعلام بمديرية التربية للجزائر الوسطى السيدة آسيا عثمانية أن الجهات الخاصة وفرت كل الإمكانيات البيداغوجية لمساعدة الطلبة في مختلف الأطوار، أي من الابتدائي إلى الثانوي، حيث خصصت الوزارة ساعات بعد الدروس المقررة لمساعدة الطلبة الذين يعانون من عراقيل في الدروس، وحددت هذه الساعات – تضيف نفس المتحدثة، من الساعة الثالثة زوالا إلى الرابعة والنصف وهذا بغرض الحد من ظاهرة الدروس الخصوصية التي أثقلت كاهل الأولياء. للتذكير فان ظاهرة الدروس الخصوصية حسب محدثتنا بدأت في أواخر الثمانينات، حيث خصت وزارة التربية ساعات إضافية مسائية مجانية لطلبة الاطوار النهائية من التعليم النهائي تبدأ من الساعة السادسة مساء في المواد الأساسية كالرياضيات الفلسفة العلوم و الادب العربي. واعتبرت الدروس الخصوصية ظاهرة اجتاحت مجتمعنا وألقت بظلالها على الأولياء والتلاميذ وحتى الأساتذة والضحية الأولى هم الأولياء. رغم أنها تنشط جهارا نهارا الضرائب تحتج بعدم ضبطها لهذه المدارس أكد م.ع إطار بوزارة المالية أن بعض المدارس الخاصة غير مصرح بها وتحتمي وراء أسماء مخالفة للنشاط وذلك تهربا من الضرائب ومن الشروط التي تلزمها الوزارة لفتح هذه المدارس منها توفر شهادة المطابقة كما يلزم مقر النشاط على شروط الأمان كمخرج للطوارئ وصممات الغاز مؤمنة ومنافذ التهوئة وغيرها. وأوضح ذات الإطار أن مصالح الضرائب لم تتلق شكاوي فيما يخص نشاط هذه المدارس لمحاربتها قانونيا فمعظمها يتم فتحها "خلسة" في بيوتهم أو طابق من العمارة أو الفيلات وهو الأمر الذي يصعب مراقبته، أما المدارس المصرح بها فهي تخضع للقوانين المصرح بها كالسجل التجاري وبالتالي الضرائب الملزمة عليهم بالنظر إلى المدخول الذي يتحصلون عليه. وتبقى ظاهرة الدروس الخصوصية" موضة" تجتاح مجتمعنا في إطار غياب القانون الذي فشل في التصدي للحد من نشاط هذه المدارس خاصة الغير مصرح بها.