هي مسيرة قرن من الزمن عرف فيها الفريق العديد من العقبات والصعاب لكنه كان يعود في كل مرة بقوة أكثر وعزيمة أكبر، فمنذ نشأته سنة 1909 ظل الفريق رمزا للنجاح والمثابرة والعمل الدءوب الذي جعل منه رمزا من رموز الكرة الألمانية والأوروبية، ومثالا يحتذى به في الانضباط وقوة الشخصية، هناك العديد من الأندية صنعها التاريخ لكن بوروسيا دورتموند هو من صنع التاريخ بألقابه ونجومه الذين كانوا السند الأول للمنتخب الألماني، وبأنصاره الأوفياء الذي وقفوا معه في السراء والضراء وأبدوا دعمهم المطلق له، ليصبح اليوم أصحاب القميص الأصفر والأسود فريقا بتاريخ كبير يحتاج إلى فقط إلى من يقلب صفحاته.. هكذا تأسس العملاق بوروسيا دورتموند يمكن القول أن تأسس ناد عظيم بحجم بوروسيا دورتموند صاحب الإنجازات الكبيرة لم يكن على غرار العديد من الأندية العريقة مخططا له، فقد راودت الفكرة مجموعة من الأصدقاء بلغ عددهم 18 شابا، والذين كانوا يلتقون باستمرار في إحدى حانات مدينة دورتموند، وبالفعل فقد تحولت الفكرة إلى خطوة فعلية في 19 ديسمبر 1909 التي شهدت الميلاد الرسمي للفريق وجاءت كرد فعل من هؤلاء على سكان المدينة الذين كانوا يمنعونهم من ممارسة كرة القدم، كان ذلك قبيل سنوات فقط من اندلاع الحرب العالمية الأولى، وهو ما جعل مقره مركزا للجيش الألماني وملجأ له، بالإضافة إلى استعماله كمخبأ للذخيرة والمؤونة العسكرية، وهو ما كان ينبئ بأن الفريق سيواجه مشاكل جمة بفعل الحرب العالمية الأولى التي كانت ألمانيا الطرف الأول فيها . الحرب العالمية دمرته والناجي الوحيد من الحرب انتشله من الضياع مع اندلاع الحرب العالمية الأولى سنة 1914 كان الفريق مهددا بالضياع وسط هول المعارك، خاصة أن مقره كان مستهدفا باعتباره أحد مخابئ الجيش الألماني، وبالفعل فقد حصل ما لم يكن في الحسبان حيث تم قصفه عن آخره وتخريب ملعبه وكل ما له صلة بالفريق، والأكثر من ذلك كله هو وفاة جميع مؤسسيه في هذه الحرب، لكن القدر أراد أن ينجو أحدهم بأعجوبة ليعود من جديد إلى مرحلة الصفر لإعادة تكوين الفريق مع بعض محبي وعشاق النادي، وبفضله انتشل بوروسيا دورتموند من ضياع محتم، حيث لعب الحظ دوره في عودته إلى الحياة من جديد بعد أن كان قاب قوسين أو أدني من الضياع . "البوروسيا يمرض ولا يموت" هو الشعار الذي رفعه عشاق الفريق بعد نهاية الحرب العالمية الأولى سنة 1918، ورغم حجم الخسائر التي أتت على الأخضر واليابس إلا أن عزيمة هؤلاء في رؤية القميص الأصفر والأود يرفرف من جديد كانت أكبر، فقد قاموا بعميلة جمع الأموال عن طريق التبرعات من أجل إعادة بناء الفريق، واستمرت المحاولات لسنوات طويلة لكن بوادر الأزمة ونشوب الحرب العالمية الثانية جعل الفريق يعود إلى نقطة الصفر على غرار كل الأندية الألمانية التي تأثرت بحجم الخراب الذي مس البنى التحتية، ليتأجل موعد إعادة البناء إلى وقت آخر خاصة أن ألمانيا كانت من أشد البلدان الأوروبية تأثرا في الحرب العالمية الثانية . العملاق يعود من جديد ويحرز أول ألقابه المحلية وما هي إلا سنوات قلية حتى عادت المياه إلى مجاريها، واستطاعت ألمانيا أن تنفض غبار الدمار الذي أحاط بها من كل جانب وعصف بكل قطاعاتها بما في ذلك الرياضة، وعلى غرار باقي الرياضات التي تأثرت بفعل الدمار عادت كرة القدم إلى الحياة من جديد وعاد معها البوروسيا كأحسن من ذي قبل، فقد تطور الفريق بشكل ملحوظ وأصبح رقما صعبا في البطولة الألمانية، حيث لم تمر إلا سنوات قليلة حتى خطف الأضواء من العديد من الأندية العريقة على غرار بايرن ميونخ وبوروسيا مونشنغلادباخ، واستطاع سنة 1956 بالتحديد أن يتوج بأول لقب خاص بالدرع الألمانية قبل نشأة البوندسليغا، ليعيد نفس الإنجاز في الموسم الموالي 1957-1958 أين استطاع أن يحافظ على لقبه، وبعد غياب عن منصة التتويج لمدة ستة سنوات عاد العملاق من جديد ليحرز لقب البطولة من جديد سنة 1963، وهو ما كان ينبئ بعودة قوية لأصحاب القميص الأصفر والأسود. الزحف الدورتموني يصيب أوروبا بالشلل ويتوج بالكأس الأوروبية وبعد أن فرض منطقه محليا بتتويجه بلقب البطولة الألمانية ثلاث مرات في مدة سبع سنوات وضع مسيرو النادي البطولة الأوروبية نصب أعينهم، حيث عاد الفريق سنة 1966 بحلة جديدة وقوة أكبر مكنته من التألق أوروبيا أمام عمالقة القارة وكانت النتيجة لقب أوربي يضاف إلى خزائن الفريق المملوءة بالإنجازات، أين استهل البوروسيا منافسة كأس الكؤوس الأوروبية (ألغيت نهائيا سنة 1999) بكل قوة مما جعله يصل إلى المربع الذهبي الذي واجه فيه نادي أتليتيكو مدريد الإسباني في نصف النهائي حيث تعادل معه في مباراة الذهاب (1-1) وفاز عليه في مباراة العودة (1-0)، وفي المباراة النهائية تغلب دورتموند على العملاق الإنجليزي ليفربول بثنائية نظيفة ليتحصل بذلك على أول ألقابه القارية، وفي نفس الموسم كان النادي الألماني قد حاز على أول كأس ألمانية . أزمة مالية خانقة عصفت بالفريق وبعثت به إلى القسم الثاني بعد مرور ست سنوات من إنجازه الكبير المتمثل في لقب كأس الكؤوس الأوروبية تراجع مستوى النادي بشكل لافت، ليس بسبب المستوى الفني أو ضعف المدرب ولكن بسبب الأزمة المالية الخانقة التي كادت تتسبب في حله كلية، حيث عاني الفريق الأمرين سنة 1972 بسبب غياب التمويل اللازم في غياب الدعم من طرف الاتحاد الألماني، وهو ما انعكس سلبا على نتائجه التي جاءت هزيلة على طول الخط، ليجد الفريق نفسه لأول مرة يلعب في القسم الثاني، لتبقى هذه الفترة هي الأسوأ في تاريخ النادي بدون منازع. وهي الفترة التي تزامنت مع بروز غريمه التقليدي بايرن ميونخ بقيادة مدافعه الأنيق بيكمباور ومهاجمه الفذ مولير. العودة إلى معانقة الألقاب بعد 23 سنة من الغياب بعد قضائه لأربعة مواسم في حظيرة القسم الثاني عاد البوروسيا إلى مكانه الطبيعي مع الكبار، لكن النتائج لم تكن بحجم الآمال والتوقعات، حيث كان يكتفي بلعب ورقة البقاء في كل مرة، والأكثر من ذلك أنه كاد أن يعود إلى حظيرة القسم الثاني موسم 1985/1986 حين أجبر على لعب المباراة الفاصلة من أجل تحديد الفريق الذي سينزل أمام غريمه التقليدي فورتونا كولونيا، لكن عزيمة لاعبيه كانت قوية آنذاك حيث نجحوا في الفوز في مباراة الذهاب (1-0)، قبل أن يدكوا مرمى خصمهم بثمانية أهداف نظيفة في مباراة العودة وهو ما مكنهم من تجنب السقوط، وبعدها بثلاث سنوات عاد أصحاب القميص الأصفر والأسود إلى معانقة الألقاب مجددا بعد 23 سنة من الغياب، حيث توجوا بلقب كأس ألمانيا على حساب نادي فيردر بريمن . الجنرال هيتسفيلد يعيد كتابة التاريخ بالأسود والأصفر وفي سنة 1991 كان أنصار الفريق ومحبوه على موعد مع دخول التاريخ، ليس بتتويج أوروبي أو محلي ولكن باستقدام مدرب داهية أطلق عليه لقب "الجنرال" إنه الألماني أوتمار هيتسفيلد الذي أعاد كتابة تاريخ النادي بالأسود والأصفر فقط، وقاده لمعانقة الألقاب المحلية، الأوروبية وحتى العالمية، فعلى مدار سبع سنوات قضاها الجنرال داخل أسوار "دورتموند" حقق ما لم يحققه غيره منذ نشأة الفريق حيث قاده إلى الفوز بسبعة ألقاب كاملة، كما أنه كان أول فريق ألماني يتوج بكأس رابطة الأبطال الأوروبية في نسختها الجديدة وعلى حساب العملاق الإيطالي جوفنتوس سنة 1997، ليصبح بذلك أفضل مدرب للفريق على مر التاريخ وهو ما يفسر تعلق الأنصار بشخصه ورفضهم المطلق لرحيله . اللقب يضيع في آخر دقيقتين من الموسم وبدون مقدمات شرع المدرب هيتسفيلد في تحضير لاعبيه للمنافسة على اللقب منذ أول موسم له مع الفريق، حيث أدى اللاعبون موسما جيدا مكنهم من المنافسة على اللقب بشرف وإلى آخر دقيقة من عمر البطولة، حيث كانوا متجهين بخطى ثابتة لمعانقة درع البوندسليغا بعد غياب لأكثر من ثلاثين سنة، وقد ظلوا متساوين في النقاط مع شتوتغارت حتى الجولة الأخيرة التي تنقل فيها دورتموند إلى دويسبورغ وفاز (0-1) فيما كان شتوتغارت متعادلا مع مضيفه ليفركوزن حتى (د88) لما خطف له غويدو بوتشوالد هدف الفوز (1-2) ليفوز باللقب في آخر دقيقتين وبفارق الأهداف على دورتموند، وهو ما جعل المدرب هيتسفيلد يعتبر هذا الموسم الأسوأ في مسيرته التدريبية، لكن وعلى الرغم من ذلك فقد صفق الجمهور كثيرا على لاعبيه ومدربهم معترفين بالمجهودات التي بذلوها ومؤكدين دعمهم الكبير للفريق . بعد 32 سنة من الانتظار .. تحقق حلم الأنصار وبعد 32 سنة من الانتظار جاء اليوم الذي كان يحلم به جميع الأنصار، حيث ومنذ سنة 1963 تاريخ آخر بطولة للدرع الألمانية لم يحقق الفريق أي بطولة، وكان أمل محبي البوروسيا وعشاقه رؤية فريقهم يتوج بلقب البطولة في الحلة الجديدة "البوندسليغا" لكن ذلك لم يحدث وزادت حسرتهم عندما ضيع الفريق التتويج موسم 1991/1992 بطريقة ساذجة، لكن موسم 1994/1995 كان تاريخا شاهدا على العودة القوية للفريق الذي توج بطلا لأول مرة بدرع البوندسليغا تحت قيادة الجنرال هيتسفيلد، وبوجود كوكبة من النجوم يتقدمهم النجم مولر، القائد سامر والهداف السويسري شابويزا، ومما يؤكد العودة القوية لأصحاب القميص الأصفر هو محافظتهم على اللقب في الموسم الموالي 1995/1996، والذي كان إنذارا للجميع بأن عاصفة دورتموند لن تهدأ قبل أن تحصد كل شيء . بعد السيطرة المحلية .. الأطماع أصبحت أوروبية وبشهادة العدو قبل الصديق صنع بوروسيا لنفسه اسما كبيرا في هذه الحقبة خاصة بوجود مدرب اسمه أوتمار هيتسفيلد، حيث اعتبره الأخصائيون أحسن مدرب مر على الفريق الذي اعتبر أيضا أحسن فريق لكل الأوقات في تاريخ البوروسيا، فبعد أن فرض سيطرته على بطولة البوندسليغا التي فاز بها لموسمين متتاليين بدا وكأن الفريق أصبح يطمح لأكثر من ذلك وكانت الوجهة هي كأس رابطة الأبطال الأوروبية، التي لم يكن آنذاك أي فريق ألماني قد تشرف بحملها في نسختها الجديدة، وهو ما جعل طموح الدورتمونيين كبيرا من أجل دخول التاريخ من أوسع أبوابه والتتويج بأغلى لقب بعد كأس العالم، فكانت البداية قوية بتصدر الفريق لمجموعته والتأهل إلى الربع النهائي من المنافسة التي كان يعلق عليها الأنصار آمالا كبيرة. عمالقة أوروبا يتساقطون أمام المارد الأصفر بعد وصوله إلى الدور ربع نهائي تقابل بوروسيا دورتموند مع نظيره بطل فرنسا نادي موناكو الذي كان في أحسن أحواله آنذاك، لكن عزيمة الألمان وقوة ذهنيتهم جعلتهم يحسمون الأمر لصالحهم، حيث دك زملاء ماتيوس سامر شباك موناكو بثلاثية في لقاء الذهاب (3-1)، قبل أن يحققوا الفوز (1-0) في مباراة العودة ليتأهلوا بجدارة واستحقاق إلى نصف النهائي لمواجهة العملاق الإنجليزي مانشستر، وهي المباراة التي أبان فيها المدرب هيتسفيلد عن حنكته الكبيرة وبفضلها استطاع أن يحكم السيطرة على الإنجليز تكتيكيا ويفوز عليهم ذهابا وإيابا بنفس النتيجة (1-0)، ليتأهل إلى المباراة النهائية التاريخية من أجل مواجهة عملاق آخر ألا وهو نادي جوفنتوس الإيطالي حامل اللقب بأرمادة من النجوم على غرار زيدان، دل بييرو، فيالي ورافانيلي بالإضافة إلى ديليفيو وديشان وغيرهم، وهو ما جعل الجميع يرشح الإيطاليين للتويج باللقب. البوروسيا يلقن جوفنتوس درسا في الواقعية ويتوج برابطة الأبطال الأوروبية وعلى ملعب ميونيخبألمانيا كان الجميع على موعد استثنائي في مباراة نهائية بين عملاقين كبيرين، وعلى الرغم من أن كفة الترشيح كانت تميل لنادي جوفنتوس بقيادة المدرب المحنك مارشيلو ليبي، إلا أن أبناء دورتموند كانوا في الموعد وقدموا مباراة قوية من كل الجوانب وأعطوا السيدة العجوز درسا في الواقعية، وكان نجم المباراة المهاجم الدورتموني "ريدل" الذي استطاع أن يوقع ثنائية في الدقيقتين 29 و34 على التوالي، قبل أن يقلص دلبيرو النتيجة قبل نهاية الشوط الأول، وفي الشوط الثاني أطلق البديل "ريكن" رصاصة الرحمة على الإيطاليين بعد تسجيله للهدف الثالث من لقطة فنية رائعة رفع من خلالها الكرة فوق الحارس بيروتزي الذي بقي يتفرج على الكرة وهي تدخل شباكه، لينتهي اللقاء بتتويج بوروسيا دورتموند بلقب كأس رابطة الأبطال الأولى في تاريخ الأندية الألمانية. وينصب نفسه بطلا للأبطال بالتتويج بكأس "الإنتركونتنونتال " ولم يكتف بوروسيا دورتموند بذلك حيث زادت أطماعه بعد أن حقق ما كان منتظرا منه محليا وأوروبيا، وكانت الفرصة مواتية من أجل ترك بصمته قاريا أمام عملاق كرة القدم وبطل أمريكا الجنوبية "اليبارتادوريس"، ويتعلق الأمر بنادي "كروزيرو" البرازيلي، حيث تفوق النادي الألماني في المباراة النهائية من كأس ما بين القارات التي جمعت الفريقين منهيا المباراة لصالحه بثنائية نظيفة (2-0) ومتوجا بلقب "السوبر" قاري، مضيفا بذلك ثاني لقب له في ذلك العام (1997) بعد لقب كأس رابطة الأبطال، ومؤكدا زعامته القارية بعد أن أكد ذلك في البوندسليغا وفي كامل أوروبا. 1998 ...عام الحزن ونهاية العصر الذهبي لو طرحت السؤال على أي مناصر للفريق عن أسوء موسم في تاريخ البوروسيا لكانت الإجابة من دون شك سنة 1998، ليس فقط لغياب النتائج والألقاب ولكن لمفارقة شخصين عظيمين صنعا جزءا كبيرا من تاريخ النادي، ويتعلق الأمر بالمدرب أوتمار هيتسفيلد الذي قرر مغادرة الفريق في تجربة جديدة مع نادي بايرن ميونخ، وهو ما ترك فراغا رهيبا على مستوى العارضة الفنية لم يستطع أي أحد أن يسده فيما بعد، في حين شكل اعتزال القائد ماثياس سامر ضربة موجعة للفريق بعد أن أنهكت كاهله الإصابات ، مما اضطره إلى توقيف مسرته الكروية في ذلك الموسم، وهي الأسباب التي حالت دون محافظة الفريق على لقب البوندسليغا للمرة الثالثة على التوالي، وجعلت العصر الذهبي للفريق يشرف على نهايته . ماثياس سامر يعود كمدرب ويمنح الفريق آخر لقب بحلول موسم 2000/2001 عاد الابن البار للفريق والمانشافت ماثياس سامر إلى صفوف الفريق ولكن ليس كلاعب، حيث أوكلت إليه مهمة تدريب الفريق الذي افتقد إلى الروح الجماعية منذ رحيل المدرب هيتسفيلد، وفي موسمه الأول استطاع سامر أن يقود الفريق إلى المركز الثالث المؤهل إلى منافسة أوروبية، لكنه في الموسم الموالي أعاد الفريق إلى سكة الألقاب بالفوز بدرع البوندسليغا بعد منافسة شرسة من باير ليفركوزن وبايرن ميونخ إلى آخر جولة، وهي الجولة التي قلب فيها الفريق تأخره بهدف إلى فوز بهدفين أمام فيردر بريمن ليتوج بطلا بفارق نقطة فقط عن ليفركوزن ونقطتين عن البايرن، ما جعل العديد من المتتبعين يعتبرونه أغلى وأحلى لقب لكنه كان الأخير في تاريخ بوروسيا دورتموند الذي أنهكته الأزمات المالية فيما بعد وكادت تؤدي به إلى الضياع والاندثار سنة 2004 حين اضطر لبيع نجومه وتغيير اسم ملعبه . دورتموند يسير نحو لقب البوندسليغا وعودة شعار "الكبير لا يموت" عاد نادي بوريسيا دورتموند إلى سكة الانتصارات واستعلى قمة البطولة الألمانية من جديد، قاهرا كبار ألمانيا، ومثبتا للجميع تصميمه على العودة إلى مكانه الأصلي على منصة التتويجات ولو بعد غياب طويل، حيث يتصدر أصحاب الزي الأصفر والأسود البطولة الألمانية عن جدارة واستحقاق، خاصة بعد الهزيمة التاريخية التي ألحقوها بالعملاق البافاري بايرن ميونيخ على ميدانه أليانز أرينا بنتيجة 1-3، وهو اللقاء الذي اتضح فيه مدى إصرار النادي على لقب البطولة للموسم الحالي، وهو ما ليس ببعيد عن متناول بوريسيا خاصة وأنه يبتعد عن أقرب منافسيه باير ليفركوزن ب7 نقاط كاملة، وهو ما معناه قرب تتويجه بلقب البوندسليغا للموسم الحالي. عندما يجتمع التخويف بالسخرية... أسرار الألوان، ملعب "إيدونا بارك " والأنصار يعد نادي بوروسيا دورتموند من بين أعمدة أندية البوندسليغا بفضل مشواره الذي امتد على مدار قرن من الزمن حيث يعود تأسيسه إلى سنة 1909 وبفضل ألقابه الكثيرة والتي لا تعد ولا تحصى سواء في ألمانيا أو في أوروبا حتى أصبح مفخرة للألمان ورمزا من رموز مدينة دورتموند، كما يشتهر لاعبو الفريق بأقمصتهم التي تحمل اللونين الأصفر والأسود، حيث يرمز اللون الأسود عند الألمان إلى التخويف والترويع، بينما يدل اللون الأصفر على السخرية من المنافسين، كما يحمل قميص "البوروسيا" (والتي هي "لابروس" باللغة اللاتينية) علامة "بي في بي 09 " و تعني "بوريسيا المنتصر"، بينما الرقم "09" يعود إلى سنة التأسيس وهي 1909 . فريق الأنصار الواقفين ويملك نادي بوريسيا دورتموند بشهادة الجميع أحسن جمهور في ألمانيا بل وحتى في أوروبا كلها، حيث يصل معدل جماهير الفريق إلى 72 ألف في كل مباراة، ويعد أنصاره الأكثر تنقلا بين الألمان إلى مختلف أنحاء أوروبا وبأعداد غفيرة، وهو ما يشكل دائما عبئا بالنسبة للشرطة، حيث غالبا ما يكون السبب في اندلاع مشادات خاصة إذا تعلق الأمر بلقاء "ديربي" أو مواجهة مع أندية انجليزية، ويملك أنصار الفريق ملعبا رائعا " أيدونا بارك" حيث يتجمهر قرابة 52 ألف متفرج في المنعرج فقط، لكن الغريب في أنصار بوريسيا أنهم يتابعون فريقهم واقفين طيلة التسعين دقيقة ومهما كانت نتيجة اللقاء، وهو ما جعل الصحافة تطلق عليهم لقب "الأنصار الواقفون ". السر في جلوس لاعبي دورتموند عقب نهاية المباراة عندما تشاهد لاعبي بوروسيا جالسين على أرضية ميدان سيغنال إيدونا بارك عقب نهاية المباراة فلا تستغرب، ولا تظن بأن ذلك ناتج عن التعب الذي ينال منهم جراء المجهودات التي بذلوها طيلة المباراة، ولكنها حكاية لطقوس ساحرة ألف اللاعبون نسجها عقب الكثير من المباريات من أجل الاستمتاع بالجماهير التي تعزف أحلى الألحان والأغاني الممجدة للفريق، مما يعكس بصدق حب هؤلاء وتعلقهم بألوان الفريق مهما كانت النتائج ويكفيهم فخرا أنهم الأحسن أوروبا حسب إحصائيات الفيفا، وهو ما يجعل اللاعبين يرفضون مغادرة الميدان بعد صافرة الحكم من أجل الاستمتاع بالعروض التي يقدمها هؤلاء على مدرجات إيدونا بارك الذي يتحول حينئذ إلى مسرح مهما كانت نتيجة المباراة. المدرج الجنوبي علامة مميزة والأفضل في القارة العجوز وإذا كان ملعب إيدونا بارك يعد تحفة في حد ذاته حيث تم تشييده بطريقة حضارية رائعة، بالإضافة إلى الترميمات التي مسته خاصة من ناحية التوسعة، فإن ما يميزه عن غيره هو وجود المدرج الجنوبي الذي يعد "القاعدة" الحقيقية للأنصار والمقياس الذي يقاس به مدى الوفاء والانتماء إلى الفريق، فهو يمتد على مسافة 40 مترا طولا ، 100 متر عرضا، و25 مترا عمقا، ويتسع لقرابة 25 ألف مناصر وهي أكبر نسبة من مدرجات الملعب الذي تصل سعة استيعابه إلى 83 ألف مناصر، وقد جاء هذا المدرج في المركز الأول حسب ترتيب الفيفا على المستوى الأوربي من حيث الصخب والحماس وقوة التشجيع، بالإضافة إلى اللوحات الفنية الساحرة التي يصنعها عشاق الأصفر والأسود. عندما يتحول الملعب إلى "معبد"... 80 ألف مناصر دائما مهما كانت النتائج وإذا كان هناك شيء يفرق نادي بوروسيا دورتموند عن بقية الأندية الأوروبية فهو من دون شك أنصاره الذي يتوافدون على الملعب بصورة لا يمكن وصفها، حيث يصل معدل حضور الجماهير إلى 72 ألف في أسوء الحالات، والغريب في الأمر أن الحضور الجماهيري يبقى مرتفعا مهما ساءت نتائج الفريق، ففي ظل العشرية السوداء للفريق منذ رحيل المدرب أوتمار هيتسفيلد أين ساءت النتائج بشكل كبير لم يتأثر الأنصار بذلك وأثبتوا وفاءهم وحبهم الكبير لفريقهم، حيث ظلوا في المركز الأول على مدار أكثر من عشرين سنة، ورغم أن آخر تتويج للفريق بالبطولة كان سنة 2002 إلا أن مدرجات إيدونا بارك تمتلئ عن بكرة أبيها، وهو ما يفسر إطلاق هؤلاء لقب "المعبد" على ملعبهم، لأنهم يعتبرونه مكانا روحيا مقدسا يمكنهم من ممارسة هوايتهم المفضلة المتمثلة في التشجيع. الفوز بالداربيات أغلى من كل البطولات تعتبر مباريات " الديربي" في ألمانيا البعد الآخر لكرة القدم، فلا طعم للبطولات والانتصارات إذا لم يحقق الفريق الفوز على غريمه، وهو نفس الشعور الذي يبديه أنصار بوروسيا دورتموند تجاه غريمهم الأبدي نادي شالك 04، فالمباريات بين الفريقين تعتبر مسألة حياة أو موت بالنسبة للأنصار واللاعبين على حد سواء، والفوز بداربي "الروهر" يعتبر إنجازا في حد ذاته، ويتذكر الجميع فوز بوروسيا دورتموند على شالك موسم 2006/2007 في آخر جولة من البوندسليغا (2-0) مما حرم شالك من البطولة ومنح شتوتغارت هدية اللقب، رغم أن البوروسيا لم يكن معنيا بأي شيء وكان يحتل المركز السابع . "بوروسيا دورتموند ليس للبيع يا أبراموفيتش" وخلال قرن من الوجود ضرب أنصار الفريق أروع الأمثلة في الصبر والوفاء والوقوف إلى جانب فريقهم في أحلك الأوقات، ليس فقط بمؤازرته فوق المدرجات وإنما بالمواقف التي ستبقى دوما تتحدث عن هؤلاء، فرغم الهزات الكثيرة التي كان النادي عرضة لها إلا أنه كان يتجاوزها بفضل تضافر الجهود، ويبقى ما حصل للفريق سنة 2003 أكبر دليل على ذلك فقد كان مهددا بالنزول إلى أسفل الدرجات (بطولة الهواة) بسبب الأزمة المالية الخانقة، وتم طرح فكرة بيعه من أجل التخلص من الديون وهو ما جعل الملياردير الروسي رومان أبراموفيتش يتحرك من أجل شرائه كما فعل مع تشيلزي، حيث تعهد بتوفير كل شيء واستقدام أكبر النجوم، غير أن رد أنصار النادي كان قويا بمظاهرات حاشدة ولافتات كتب عليها " بوروسيا دورتموند ليس للبيع يا أبراموفيتش"، لينجح الفريق أخيرا في تفادي الإفلاس وذلك ببيع معظم نجومه وقبول تغيير اسم ملعبه من أجل الحصول على إيرادات من الاتحاد الألماني، دون نسيان 80 ألف مناصر الذين سيتنقلون في كل مباراة من أجل ألوان الأصفر والأسود. إحتفالات تاريخية في الذكرى المئوية وبحلول موسم 2008/2009 كان الفريق قد وصل إلى عامه المائة في مسيرة حافلة بالنتائج والألقاب على مدار قرن من الزمن، حيث صادف ذلك مباراة الفريق أمام نادي فرايبورغ، لكن مسئولي النادي أرادوا أن يكون الاحتفال عظيما عظم الفريق وتاريخه، فقد قرروا أن يقيموا مباراة تكريمية للاعبين أمام العملاق الإسباني ريال مدريد على أرضية التحفة "إيدونا بارك"، ورغم أن النتيجة كانت ثقيلة بفوز الملكي بخماسية كاملة إلا أن الأنصار احتفلوا بطريقة رائعة وأثبتوا مدى عشقهم لفريقهم حيث امتلأت شوارع دورتموند عن آخرها، وكانت ساحة "بوريسغبلاتز" المكان المفضل لهؤلاء شاهدة على الاحتفالات التاريخية للأنصار الذين لم يناموا تلك السهرة وقضوا ليلة بيضاء بأعلام صفراء وسوداء. ====================== أرقام من تاريخ البوروسيا - قضى نادي بوروسيا دورتموند 43 عاما في البوندسليغا منذ نشأتها سنة 1963 ولم ينزل إلى القسم الثاني إلا مرة واحدة سنة 1972 ودام ذلك أربع سنوات. - تحصل الفريق في القسم الأول من البوندسليغا على 2167 نقطة منذ 1963، وهو ما يجعله في كخامس أحسن نادي ألماني في تاريخ البطولة الألمانية. - أكبر فوز حققه الفريق كان على حساب نادي أرمينيا بيفيلد بنتيجة (11-1) موسم 1982/1983 . - أما أثقل هزيمة لبوروسيا دورتموند فكانت أمام غريمه بوروسيا مونشنغلادباخ بنتيجة جد ثقيلة (12-0) موسم 1977/1978 . - أحسن هداف للفريق لكل الأوقات هو الألماني مونفراد بورسغمولر الذي استطاع أن يسجل 135 هدفا بألوان الفريق في الفترة الممتدة ما بين 1976 و1983. - اللاعب الأكثر مشاركة في تاريخ النادي هو المدير الرياضي الحالي مايكل زورك الذي شارك في 463 مباراة في 17 سنة التي قضاها كلاعب مع البوروسيا في الفترة الممتدة ما بين 1981 و1998. - أكبر صفقة شراء عقدها الفريق كانت استقدامه للبرازيلي ماركو أموروزو من نادي بارما موسم 2001/2002 مقابل 25.5 مليون أورو، أما أكبر صفقة بيع فقد كانت في نفس الموسم ولنفس الفريق وهي تسريح اللاعب إبفانيلسون فيريرا مقابل 17 مليون أورو. البطاقة الفنية للنادي اسم الفريق : بوروسيا دورتموند الملعب : فيستيفالين شتاديون (سيجنا إيدونا بارك حاليا) سعة الملعب : 83 ألف متفرج معدل الحضور الجماهيري في كل مباراة : 72 ألف متفرج البطولة : البوندسليغا الألوان الرسمية للنادي : الأصفر والأسود البلد : ألمانيا الولاية الفدرالية : نوردهين – وست فالن عدد سكان المدينة : 590 ألف نسمة رئيس النادي : رينارد روبال المدير التنفيذي للنادي : هانز يواخيم واتز المدير الرياضي للفريق : مايكل زورك مدرب النادي : يورغن كلوب إنجازات الفريق بطولة البوندسليغا ستة مرات : 1955/1956 – 1956/1957 – 1994/1995 – 1962/1963 - 1995/1996 – 2001/2002 كأس ألمانيا مرتين : 1965 – 1989 كأس ألمانيا الممتازة ثلاث مرات : 1989 - 1995 – 1996 كأس رابطة الأبطال الأوربية مرة واحدة : 1997 كأس الكؤوس الأوربية مرة واحدة : 1966 كأس ما بين القارات مرة واحدة : 1997 يتوجه نحو لقب البطولة السابع خلال الموسم الحالي، إذ يبتعد بسبع نقاط كاملة عن الوصيف ليفركوزن قبل نهاية البطولة بأسابيع قليلة.