قول الله عزّ وجلّ: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ) (البقرة/ 185). وفي هذه الآية يربط الله عزّ وجلّ بين شهر رمضان ونزول القرآن ليوضَح للمؤمنين الترابط الوثيق بين الصيام في شهر رمضان وقراءة القرآن في هذا الشهر الكريم وأنّ هذا القرآن هداية للناس بإعجازه وآيات واضحات مما يهدي إلى الحق ويفرق بينه وبين الباطل بما فيه من الحكم والأحكام. وأنّ هذا الشهر محطة يتزود منها المؤمن لباقي السنة من النفحات الإيمانية وملازمة كتاب الله عزّ وجلّ قراءة وفهماً وتدبراً وحفظاً. إنّ رجال القرآن هم الذين يحفظون كتاب الله علماً وعملاً وهم الذين يحفظ الله بهم كتابه العزيز لقوله سبحانه وتعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر/ 9). أخي الحبيب: إنّ الناس يحرصون على نيل أعلى المنازل والمراتب الدنيوية أما نحن فأصحاب غاية أخروية ولذا نحن نذكّر أنفسنا بقول الرسول (ص): "يقال لصاحب القرآن إقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها" (الترمذي). وهذه هي المنزلة التي يريدها المؤمن ويسمو إليها ويحذر أن يكون من الذين قال الله فيهم: (إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا) (الفرقان/ 30). أي تركوا قراءة القرآن وحفظه والعمل به، حتى أن بعض المسلمين تمر عليهم الأيام بل الشهور وهم لم يقرأوا أو يحفظوا من هذا القرآن شيئاً. وإنها لبداية كريمة في هذا الشهر المبارك أن يتعاهد المسلم نفسه بقراءة القرآن وملازمة هذا الكتاب الكريم وبذلك يوصينا الرسول (ص) بقوله: "تعاهدوا القرآن فوالذي نفس محمد بيده لهو أشد تفلتاً من الإبل في عقلها" (مسلم). ويا من تحافظ على كتاب ربك أزف إليك بشرى الرسول (ص): "الذي يقرأ القرآن وهو حافظ له من السفرة الكرام البررة ومثل الذي يقرأ القرآن وهو يتعاهده وهو عليه شاق فله أجران" (متفق عليه). أخي الحبيب: فلنمض نتواصى على قراءة القرآن الكريم والرسول (ص) يقول: "مَن قرأ حرفاً من كتاب الله فله حسنة والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول ألم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف. هكذا القرآن بستان مليئ بالأجر والثواب الجزيل. مليئ بالذكرى والموعظة والرضوان والحق والبيان. مليئ بالرضى والرضوان والشفاعة والرحمة. وهكذا كان السلف الصالح رضوان الله عليهم فلا يمضي يوم إلا وقد كان لهم في كتاب الله قسط كبير من قراءة أو تدبر أو تدارس وفهم لآياته أو حفظ شيئ من آياته الكريمة. ولذلك كانت البركة والسكينة والرحمة تنزل عليهم إينما كانوا.. إنها بركة ملازمة قراءة القرآن الكريم وتدبر آياته. والعيش مع النداء الرباني بين الترغيب والترهيب في ظل الذكر المحفوظ. إخواني في الله: "اقرأوا القرآن فإنّه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه"