كنا بالأمس ننتظرك ونرجو الله أن يلحقنا بك لنتشرف بمُصاحبتك وجوارك وأنسك وجمالك.. فأكرمنا الله واستجاب لنا رأفة بنا ورحمة فبلّغنا إياك، ثم ما أن لبثت فينا قليلا حتى وجدناك تُسرع الخُطى لتصل إلى ثلثك الأخير.. ماذا فعلنا بك أيها الحبيب حتى تسارع خُطاك؟ فالقرآن صاحبناه وقرأناه واستمتعنا به.. فأمسكنا الألسن وغضضنا البصر وترقق القلب.. وعلمنا أن خلاصنا بالقرآن وسعادتنا بالقرآن ونهضة أمتنا لن تكون إلا بالقرآن.. فتمهّل علينا أيها الحبيب.. تمهّل قليلا.. فهو الذي قد نزل فيك فزدت به شرفا وفخرا، واجتمعت الخيرات كلها فيك، خير نزول القرآن فيك، وخير ليلة قدر شريفة عظيمة، وخير رحمة وخير مغفرة وخير عتق من النيران.. أبَعد هذه الخيرات التي ميّزك الله بها نراك مُصرّا على إسراع الخُطى...؟ مهلا رمضان.. لا تحرمنا خيراتك. ماذا فعلنا بك أيها الحبيب حتى تسارع خطاك؟ فلذة التراويح أمتعتنا وكثرة الركعات أراحتنا ومزيد السجدات رفعتنا وطول الوقوف بين يدي الله أنسانا دنيانا ومشاغلنا. فلماذا تسرع الخطى؟ تمهّل أيها الحبيب فتراويحك جميلة فيها الراحة.. ومعها السعادة وبها تتميز أيها الشهر الحبيب. تمهل ولو قليلا.. فقد عشقنا سماع قول الإمام يصدح: "صلاة القيام أثابكم الله".. كلمات دغدغدت آذاننا، وأطربت مسامعنا، ولا ندرى ماذا نفعل إذا رحلت وأسرعت خطاك؟ وصفوف المصلين في التراويح تتزاحم والأكتاف تتلاحم والأقدام تلتصق والخشوع يهيمن والرحمة تتنزل والجنة أمام الأعين تتمايل.. أعيننا في موضع السجود وقلوبنا في سبحات الله وأيدينا فوق الصدور وأرجلنا تتثبت لا تريد الخروج من الصلاة حتى تفوز بدعاء الإمام ليختم به تراويحنا فيدعو ونؤمن، ويرجو ونطلب، ويرفع الأكف ولا ينتهي من الدعاء إلاّ بعد أن نكون قد استشعرنا إجابة الدعاء وانفتاح السماء وقبول الرجاء.. ولمَ لا؟ تمهّل أيها الحبيب.. فأين نجد في غيرك من الشهور تراويحاً..؟ فوالله إن حروف اسمك من ذهب فأنت رمضان... راؤك رحمة وميمك مغفرة وألفك أمن وأمان ونونك نجاة ونجاح. لماذا تسرع الخطى؟ ونحن قد زاد طمعنا كل ليلة في مغفرة ربنا وكلنا فيه ثقة وكلنا نظن فيه الظن الحسن ولم لا وهو القائل: أنا عند ظن عبدى بى؟ لماذا تسرع الخطى؟ ونحن قد وجدنا في أنفسنا أمانا جَعلنا نرجو ربنا وندعوه أن يعم به على بلادنا وبلاد المسلمين أجمعين. مهلا.. نريد أن نعيش حياة فيك مع التقوى التي جمّلَها علي رضي الله عنه وأرضاه بقوله: "التقوى الخوف من الجليل والعمل بالتنزيل والقناعة بالقليل والاستعداد ليوم الرحيل". أمهلنا أيها الحبيب.. نريد أن نوثّق خوفنا من الله.. نريد أن ننتهي عمّا نهانا ونتدرب على برنامج الخوف من الجليل. أمهلنا أيها الحبيب.. نريد أن نتدرّب فيك على أن نقنع بما يعطيه لنا ربنا ونعتقد أن ما أعطانا خالقنا ما هو إلا المكتوب لنا، وأن أهل الأرض لو اجتمعوا على أن يضرّونا بشيء فلن يكون إلا بالذي قد كتبه ربّنا علينا ولو اجتمعوا على أن ينفعونا بشيء فلن يكون إلا بالذي أراده لنا. أمهلنا أيها الحبيب.. نريد أن نتدرب فيك على برنامج الاستعداد ليوم الرحيل من دنيا لا تساوي عند الله شيئا، حقيرة ذليلة، من أرادها أعطاه الله إياها ومن تزهّد فيها ورغب فيما عند الله أعطاه الله خيري الدنيا والآخرة. دعنا قليلا نستعد لتلك اللحظة الفارقة في حياتنا والتي من بعدها سيتحدّد المصير إما إلى جنة – جعلنا الله والمسلمين جميعا من روادها – أو إلى نار – اعاذنا الله وآباءنا وأمهاتنا وزوجاتنا وأبنائنا والمسلمين منها. أمّا وإن كان ولابد من رحيلك.. فلا تنسى الشفاعة لنا عند ربك.. أنّا تركنا فيك الطعام والشراب، أنّا هجرنا فيك الملذات والشهوات، أنّا صبرنا فيك..؟ راجين الله ألاّ يأذن برحيلك قبل أن يعتق رقابنا من النار.