الأستاذ بجامعة نايف للعلوم الأمنية بالرياض د. محمد بوساق أكد الدكتور محمد بن المدني بوساق، أستاذ بجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية بالرياض بالسعودية، أنّ ظاهرة ملء المساجد في رمضان ظاهرة حسنة، مشيرًا إلى أنّها تدلّ على عمق الإيمان في الشّعب الجزائري. واعتبر في حوار خصّ به "الخبر" أنّ خلوّها بعد رمضان يشعر بالتّقصير في احتواء هذه الأعداد. ودعا الدّعاة ووزارة الشّؤون الدّينية والأوقاف إلى انتهاج خطّة لكسب هذه الأعداد وربطها ببيوت الله. كيف يستقبل المسلم شهر رمضان المبارك؟ رمضان شهر كريم وموسم عظيم وفوائده ومنافعه لا تحصى ولا تعد، والمطلوب من كلّ مسلم أن يعرف مكانة هذا الشّهر وفوائده العاجلة والآجلة، لأنّ حفاوة الاستقبال تنبع من أهمية الضّيف الزّائر ومدَى الحاجة إليه والشّوق إلى بلوغه وإدراكه، ولذلك كان السّلف رضي الله عنهم يجتهدون في الدّعاء إلى الله أن يُبلّغهم رمضان مدّة ستة أشهر، فإذا هَلَّ عليهم سألوا الله أن يجعل لهم فيه أعظم الحظّ والنّصيب واستعدّوا لذلك بالتّوبة النّصوح والدخول فيه بهمّة عالية وعزم أكيد لتحصيل التّقوى والإخلاص والتّغيير إلى الأحسن والأفضل والأصوب حتّى يكونوا بعده أفضل ممّا قبله. أصبح شهر رمضان في أيّامنا هذه موسمًا للتّجارة والأكل وغير ذلك بعدما كان موسمًا للعبادات، كيف ترون ذلك؟ لا يزعجني أن تزدهر في شهر رمضان التّجارة وأكل وشرب الأطايب فإنّ ذلك يزيد في أهمية الشّهر، حيث تجتمع فيه المصالح كلّها وقد قال سبحانه وتعالى فيما يتّصل بموسم الحجّ {لاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ}، وفي الحديث عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم "كُلوا واشربوا والبسوا وتصدّقوا بلا سرف ولا مخيلة"، وقال ابن عبّاس رضي الله عنهما "كُلْ ما شئتَ والبس ما شئتَ إذا أخطأتك اثنتان الإسراف والمخيلة"، بمعنى أنّه إذا تجنّب المرء التّبذير والكبر والاستعلاء على النّاس فلا يضرّه ما أكل أو لبس من الطيّبات الّتي أحلّها الله. وكلّ ذلك من غير تقصير أو تفريط فيما أوجبه الله في هذا الشّهر من صيام وصلاة وغير ذلك من أنواع النّوافل والتّطوّع. فمن المعلوم أنّ المطلوب الّذي لا يجوز التّقصير أو التّهاون فيه هي الفرائض الّتي يعدل ثواب أدائها في شهر رمضان سبعين مرّة في غيره، أمّا أنواع التطوّع والفضائل الأخرى فيتفاوت النّاس فيها ويحسن التّنافس في ذلك كلّ حسب استطاعته وعلوّ همّته، وينبغي على المسلمين أن يطلبوا أعلى الدرجات وأعظم الحظوظ في هذا الشّهر ببذل الوُسع واستفراغ الجهد في القيام والتّلاوة والصّدقة والذِّكر. ماذا عن فضائل رمضان الّتي يغفل عنها الكثيرون؟ من الفضائل الّتي قد يَغفل عنها الكثيرون تلاوة القرآن بفهم وتدبّر وتحقيق الإخلاص لله وكثرة الصّدقة والقيام بحقوق العباد والسّعي في مصالح المسلمين، وفي الحديث "أحبّ النّاس إلى الله أنفعهم للناس، وأحبّ الأعمال إلى الله سرور تُدخله على أخيك المسلم أو تكشف عنه غمّة أو تقضي له دَيْنًا أو تردّ عنه جوعًا، ولأن أمشي في حاجة أخي المُسلم خيرٌ لي مِن أن أعتكف في المسجد شهرًا". وهذا من التطوّع الّذي يتعدّى نفعه إلى الغير. والفضائل لا يمكن حصرها، وهي تتنوّع حسب الاستعدادات والتّوفيق، وصدق مَن قال: [تعدّدت أصناف الأعمال بتعدّد موارد الأحوال]. كيف تنظرون إلى ظاهرة المساجد في رمضان وخلوها في غيره من الأوقات؟ ظاهرة امتلاء المساجد في رمضان ظاهرة حسنة تسرّ قلوبنا وتسعدنا، فهي تدلّ على عمق الإيمان في هذا الشّعب، لكن خلوّها بعد رمضان يشعرنا بالتّقصير في احتواء هذه الأعداد، ولذلك ينبغي أن يكون موسم رمضان فرصة لكسب هذه الأعداد وربطها ببيوت الله، وعبء ذلك يقع على الدّعاة والخطّة الّتي تنتهجها وزارة الشّؤون الدّينية والأوقاف، وعلى كلّ حال فإنّ امتلاء المساجد في رمضان ظاهرة صحيّة تبشّر بالخير. وهل يكمن المشكل في عدم قيام أئمة المساجد بواجباتهم؟ هذه المهمّة يتحمّل جزءًا منها أئمة المساجد ووسائل الإعلام بعامة، وعلى كلّ حال، فمهما بُذِل من جهد في ذلك يَبقى النّجاح نسبيًا ويمكّننا أن نشعر بالرّضا إذا نجحنا في زيادة عدد الملتزمين بالمساجد كلّ عام مع مراعاة الأعذار والأسباب الكثيرة الّتي يختلف فيها الوضع بين رمضان وغيره.