نشرت : المصدر جريدة الشروق الثلاثاء 05 يوليو 2016 16:26 استهدف انتحاريون مدينتين سعوديتين، الاثنين، ووقع تفجيران أصابا مصلين شيعة ومركزا أمنيا قرب المسجد النبوي في المدينة، ما ولّد غضبا عارما داخل المملكة وخارجها، وأشعل شبكات التواصل الاجتماعي التي ثار مغرّدوها ضدّ انتهاك أيادي الإرهاب لمسجد الرسول الكريم. في حملة منسقة على ما يبدو عشية احتفالات عيد الفطر، كشفت وسائل إعلامية سعودية إنّ انتحاريا فجّر نفسه وقت الإفطار بالقرب من المسجد النبوي، ووقع الانفجار داخل موقف للسيارات بالقرب من مقر أمني بجوار المسجد النبوي الشريف، وقالت المصادر ذاتها إنّ التفجير الذي نفذه انتحاري أعقبه حريق في الموقف، وأنه كان يستهدف رجال الأمن الذين كانوا يتناولون وجبة الإفطار. بدوره، صرح المتحدث الأمني لوزارة الداخلية بأنه مع حلول صلاة مغرب الاثنين بالمدينةالمنورة، اشتبه رجال الأمن في أحد الأشخاص أثناء توجهه إلى المسجد النبوي الشّريف عبر أرض فضاء تستخدم كموقف لسيارات الزوار، وعند مبادرتهم في اعتراضه قام بتفجير نفسه بحزام ناسف مما نتج منه مقتله، واستشهاد أربعة رجال أمن، وإصابة خمسة آخرين من رجال الأمن. بالتزامن، وقع عند صلاة المغرب ذاتها وبالقرب من أحد المساجد المجاورة لسوق مياس في محافظة القطيف، تفجير انتحاري ثان وتم العثور على أشلاء بشرية لثلاثة أشخاص يجري التحقق منها، ولا تزال الجهات الأمنية تباشر مهامها في ضبط الجريمتين والتحقيق فيهما، وسيصدر بيان إلحاقي بالمستجدات. وأكدت الداخلية السعودية أنّ هذه الأعمال الدنيئة التي لم تراع حرمة المكان والزمان وحرمة الدماء المعصومة، أتت ل "تبيّن بشكل جلي مدى الضلال الذي بلغته هذه العناصر الضالة وما يدفعهم إليه فكرهم الظلامي"، وتابعت: "قد خذلهم الله وخيّب آمالهم وأفشل مخططاتهم وردّ كيدهم في نحورهم، ولم يفلحوا بفضله ومنته في تحقيق أهدافهم التي سعوا إليها من خلال هذه العمليات البائسة أن الله لا يصلح عمل المفسدين". وأظهر مقطع فيديو أرسله شاهد لوكالة "رويترز" بعد انفجار المدينة سحابة دخان هائلة وسيارات متوقفة مع حلول ليل الاثنين مع صوت صافرات الإنذار في الخلفية، وأظهرت صور رجلا مصابا بحروق وينزف راقد فوق محفة في أحد المستشفيات، مثلما بيّنت صور أخرى متداولة على مواقع التواصل الاجتماعي دخانا أسود يتصاعد من ألسنة اللهب قرب المسجد النبوي. وفي مدينة القطيف بالمنطقة الشرقية التي يسكنها كثير من أبناء الأقلية الشيعية بالسعودية، تحدث شهود عيان فيما بعد عن رؤية أشلاء بشرية لمفجر انتحاري على ما يبدو. وقال أحد سكان القطيف ل "رويترز" إنّه من المعتقد عدم وجود قتلى هناك باستثناء المهاجم نظرا لأن المصلين كانوا قد غادروا بالفعل إلى بيوتهم لتناول الإفطار، وأضاف أنّ قوات الدفاع المدني تقوم بتنظيف المنطقة وإن الشرطة تحقق في الواقعة. وأظهر فيديو جرى تداوله على وسائل التواصل الاجتماعي يفترض أنه صور عقب تفجير القطيف حشدا هائجا بأحد الشوارع بينما تشتعل النار قرب مبنى وجثة مخضبة بالدماء على الأرض. وشن ما يسمى "تنظيم الدولة" (داعش) سلسلة هجمات في السعودية منذ أواخر 2014 أدت إلى مقتل عشرات الأشخاص معظمهم من الأقلية الشيعية وقوات الأمن. وزادت الشرطة ومجموعات من المتطوعين المحليين الأمن قرب المساجد في القطيف منذ تفجيرات انتحارية أصابت مساجد في مناطق شيعية العام الماضي وأسفرت عن مقتل العشرات، وأصاب تفجير انتحاري مسجدا يستخدمه أفراد الأمن قبل نحو عام مما أدى إلى مقتل 15 شخصا.
لا ضحايا بين الجزائريين صرّح "عبد العزيز بن علي شريف" المتحدث باسم وزارة الخارجية أنّ سلسلة التفجيرات التي شهدتها السعودية الاثنين، لم تخلّف أي ضحية بين الجزائريين. ونقلت وكالة الأنباء الرسمية، على لسان "بن علي شريف" قوله إنّ الجزائريين ليسوا بين ضحايا هجمات جدة، المدينةوالقطيف. وأضاف المسؤول ذاته أنّ المصالح الدبلوماسية والقنصلية في المدن السعودية المذكورة، "تتابع الوضعية عن كثب، وبالتنسيق مع السلطات السعودية المختصة".
عداء لم يراع حرمة الزمان ولا قداسة المكان من جانبه، لاحظ وزير العدل السعودي "وليد بن محمد الصمعاني" رئيس المجلس الأعلى للقضاء، إنّ الاعتداءات الإرهابية التي شهدتها المملكة في المدينةالمنورةوجدةوالقطيف، كشفت للعالم بأسره العداء الذي يكنه الإرهابيون للمملكة العربية السعودية خصوصًا بلدان المسلمين وعامة. وأبان "الصمعاني": "ظهر هذا العداء من خلال إباحة دماء المصلين والصائمين والمعتكفين وترويعهم، فلم يراعِ الإرهابيون حرمة الزمان ولا قداسة المكان، وأقدموا على عمل إرهابي جبان في المساجد وبجوار الحرم النبوي، وقتل الأنفس المعصومة، فلم يعد هناك مجالاً للشك بأن هؤلاء أدوات محترقة بأيدي جهات معادية للإسلام والمسلمين، الذين وجدوا جهالاً مجرمين فقدوا دينهم وعقولهم وفطرتهم، لينفذوا أجنداتهم الخبيثة". وأوضح: "المنظمات الإرهابية وجندهم من المنحرفين فكريًا وعقائديًا بايعوا آئمة ضلالهم على الفجور والفسق وعصيان ما أمر به الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ومخالفة الدين في كل عمل يقومون به لمحاربة الله ورسوله والمسلمين، فقد قاموا بعمل إرهابي جبان وتفجير مؤمنين صائمين في بلد حرام ، ومع ذلك يزعمون أنهم ينصرون دين الله، ويحاول قادة ضلالهم تجنيد النشء من خلال هذه الشعارات والمعتقدات التي كشفت أعمالهم الخبيثة زيفها، وعرَّت عقولهم المريضة، ونفوسهم الحاقدة ، فهم لم يتركوا محرمًا إلا انتهكوه بأفعالهم الشيطانية المجرمة حتى وصل شرهم لكل مقدس من أنفس معصومة وبلاد مقدسة حتى مدينة المصطفى صلى الله عليه وسلم لم تسلم من شرورهم وفجورهم، وهي المدينة التي لعن الله من أحدث فيها حدثًا، كما قال صلى الله عليه وسلم ( الْمَدِينَةُ حَرَمٌ مَا بَيْنَ عَيْرٍ إِلَى ثَوْرٍ، فَمَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا، أَوْ آوَى مُحْدِثًا، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يَقْبَلُ اللهُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَرْفًا، وَلَا عَدْلًا ) . متفق عليه في الصحيحين". وأضاف الوزير :"دأب الإرهابيون على استهداف بلاد الإسلام، فهم كما أخبر عنهم النبي صلى الله عليه وسلم (يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان)، فأي امرئ متجرد للحق يمكن أن يصدق انطلاقهم من قواعد الإسلام؛ فضلاً عن أن يكونوا مدافعين عنه. وأشار إلى أن استهداف الجماعات الإرهابية للدول الإسلامية وفي مقدمتها المملكة يكشف عن زيف مزاعمهم ويبين نواياهم الخبيثة في الصد عن دين الله من خلال التشويه، ولكن الإسلام الصافي الذي قام على الوسطية والاعتدال واحترام الجوار منهم ومن أفعالهم براء، فتاريخ التطرف في هذه الميليشيات والجماعات الإرهابية وإن تنوعت مسمياتها ومناطقها اجتمعت على الضلالات والانحرافات الدينية والعقدية والفكرية. وتلبست باسم الدين لاختراق وحدة الصف الإسلامي وتفريق كلمة المسلمين وزرع الفتنة بينهم ولكن الله متم نوره ولو كره هؤلاء المجرمون المفتونون".
باكستاني نفّذ هجوم جدّة في غضون ذلك، قال مسؤول أمني سعودي إنّ الانتحاري الذي استهدف القنصلية الأمريكية في جدة فجر الاثنين، من جنسية باكستانية وظلّ يقيم في السعودية منذ 12 عاما، وأورد المسؤول ذاته أنّ المهاجم أوقف سيارة قرب القنصلية الأمريكية في جدة قبل أن ينفّذ التفجير الذي أسفر عن مصرع الانتحاري وجرح رجلي أمن. وأتت هجمات السعودية بعد أيام من عمليات نفذها تنظيم الدولة الإسلامية أسقطت أعدادا كبيرة في تركيا وبنغلاديش والعراق.
جريمة خسيسة حفلت شبكات التواصل باستنكار واسع لاستهداف الحرم النبوي من لدن الإرهاب، وانتشرت عدة وسوم في (تويتر) أشهرها "داعش تنتهك مسجد الرسول وقبره"، "كفّوا عن قتل الأبرياء"، "كفّوا عن انتهاك حرمة المساجد". وغرّد الداعية السعودي البارز "محمد العريفي": "أبشروا بهلاك المفسدين قال صلى الله عليه وسلم لا يكيدُ أهلَ المدينة أحدٌ، إلا انْماع كما ينماعُ الملحُ في الماء) رواه البخاري). وكتب "فيصل الزهراني": "بربكم أيقتل مثل هؤلاء .. أتستحل هذه الدماء الطاهرة التي تخدم ضيوف بيت الله ومسجد نبيه"، بينما شدّد "عزام الدخيل": "استهداف المدينةالمنورة استهداف لمعقل من معاقل الإسلام.. لا يجرؤ عليه إلا من نزع الله منه العقل والإيمان". ولفت "عادل الكلياني" إلى أنّ تفجير المدينة المنورّة هو محض "فكر منكوس وجهاد معكوس"، في حين عقّب الإعلامي الجزائري "عياش الدراجي" إلى كون: "القرامطة فعلوها من قبل، دنسوا مكة وقتلوا ثلاثين ألف حاج، وسرقوا الحجر الأسود ... أحفاد أبي طاهر القرمطي يُجرمون في المدينة اليوم !". وأوعز "حاتم غندير": "الذين يستبيحون الدم الحرام .. لن يراعوا حرمة المكان ولا حرمة الزمان في العشر الآواخر .. " ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا"، فيما سجّل موقع "أقوال وحكم الأدباء": اختاروا من المباني "المساجد"، واختاروا من الناس "الوالدين"، واختاروا من الأشهر "رمضان"، ما هي جنتكم". من جهته، أورد الإعلامي الجزائري "الصغير سلاّم": "الله يحرق الدواعش في كل مكان حتى مسجد رسول الله لم يسلم من إجرامهم"، في وقت كتبت الصحفية "روعة أوجيه": "حتى الحرم النبوي لم يعد له حرمة بالنسبة لهم؟ ما هذا الذي يزرعونه في رؤوسهم؟"، وذكر "عبد الرحمان أحمد درباشي": "الحقد يبلغ مداه بتفحير مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، اللهم عليك بهم"، وذهب مفتي مصر: "التفجير قرب الحرم النبوي جريمة خسيسة لا يمكن تصورها".
ثالث اعتداء يعدّ هجوم الاثنين، الثالث الذي يطال الحرمين الشريفين، بعد حادثة 20 نوفمبر 1979، حين استولى أكثر من 200 مسلح على الحرم المكي، مدعين ظهور المهدي المنتظر (محمد بن عبد الله القحطاني) إثر مزاعم أطلقه "جهيمان بن محمد العتيبي"، وذلك إبان عهد الملك السعودي "خالد بن عبد العزيز"، وهزت تلك العملية العالم الإسلامي برمته، فمن حيث موعدها فقد وقعت مع فجر أول يوم في القرن الهجري الجديد، ومن حيث عنفها تسببت بسفك للدماء في باحة الحرم المكي، وأودت بحياة بعض رجال الأمن والكثير من المسلحين الذين تحصنوا داخل الحرم ثمّ لاذوا ببئر زمزم، وجرى حسم الأمور بعد اقتحام الحرس الوطني السعودي للحرم المكي وجرى إعدام 61 من الجناة وكانت الحادثة الثانية في موسم الحج، في الساعة العاشرة مساء من العاشر جويلية سنة 1989، حيث حدث تفجيران الأول في أحد الطرق المؤدية للحرم المكي والآخر فوق الجسر المجاور للحرم المكي، ونتج عن ذلك مصرع شخص واحد وإصابة ستة عشر آخرين، ثم ألقت الشرطة السعودية القبض على 20 حاجا كويتيا، اتهم منهم 16 بتدبير التفجير وعرضت "اعترافات" لهم على التلفزيون السعودي، ثم عرضوا على المحكمة في جلسة واحدة لتلقي الحكم ولم يحضر تلك الجلسة ممثلون من السفارة الكويتية كما هي العادة لضمان سير الأمور بشكل سليم، ولم يسمح للمتهمين بتعيين محامين، كما لم يسمح إلا لبعضهم بالتحدث ذويهم في مكالمات قصيرة مدتها دقيقتين. وبعد بضع أيام أمر الملك "فهد بن عبد العزيز" بضرب أعناقهم بالسيف"، وتم تنفيذ الحكم فجر 21 سبتمبر 1989.