تتواجد الأرجنتين بعيدة جدا من الناحية الجغرافية عن الجزائر وليس من السهل الوصول إلى غاية هناك، ولم يخطئ من يقول إن الأرجنتينيين يشبهوننا كثيرا من حيث عشقهم الشديد للمجنونة كرة القدم، وذرفت الآلاف من الجماهير الأرجنتينية الدموع أمام مقرّ نادي "ريفر بلايت" وطالبوا جميع مسيري النادي بالرحيل وهذا بعدما أسقطوا النادي العريق إلى القسم الثاني في البطولة الأرجنتينية، وهو سقوط تاريخي لفريقهم، ويعتبر الظاهرة "ميسي" معشوق الجماهير في الأرجنتين، ومن خلال تواجدنا في قلب الحدث يوم الجمعة الفارط عند انطلاق كوبا أمريكا فإننا تذكرنا الأجواء التي كانت تصنعها الجماهير الجزائرية عندما يتعلق الأمر بمباريات المنتخب الوطني في البليدة أو عنابة وكأن الأمر يتعلق بحرب أهلية في الطريق السريع الرابط بين "بوينس إيرس" و "لابالاتا" والتي تبعد بحوالي 50 كيلومترا لكن الرايات التي كان يحملها الأنصار لم تكن كلها للجماهير الأرجنتينية لأن البوليفيين حضروا بقوة هم كذلك بالنظر إلى قرب المسافة، فيما عاشت الطريق المؤدية إلى ملعب "أونيكو لابالاتا" أجواء غير عادية. "الهدّاف" و"لوبيتور" الممثلان الوحيدان للصحافة الجزائرية والإفريقية تعتبر كأس أمريكا الجنوبية للأمم أو كما تسمى ب كوبا أمريكا من بين أقوى المنافسات العالمية وتأتي في الصف الثالث بعد كأس العام وكأس أوروبا للأمم، وأبت "الهدّاف" إلا أن تحضر في هذا العرس الكروي من خلال إيفاد مبعوث خاص إلى هناك ينقل كل صغيرة وكبيرة عن هذا الحدث الكبير الذي تحضره عدة نجوم بارزة في كرة القدم على غرار نجوم المنتخب الأرجنتيني من ميسي، ماسكيرانو، هيغواين وغريهم بالإضافة إلى نجوم البرازيل روبينيو، باتو، نيمار وكذا نجما الأوروغواي فورلان وسواريز، فيما تعتبر "الهدّاف" و"لوبيتور" الممثلتان الوحيدتان عن الصحافة الجزائرية في هذا المحفل ونفس الشيء بالنسبة للصحافة المغاربية والإفريقية. درجة الحرارة 3 تحت الصفر في "بيونس إيرس" صحيح أننا دخلنا شهر جويلية والطقس حار في بلادنا وكذا في مختلف البلدان المجاورة لنا سواء في المغرب العربي أو في أوروبا لكن الأمور مختلفة تماما في الأرجنتين ومخطئ من يعتقد بأن الجزائريين قادرون على العيش والتأقلم مع المناخ في الأرجنتين بسهولة وهذا بالنظر إلى البرد القارس الذي وقفنا عليه من خلال تواجدنا هنا في "بيونس إيرس"، ورغم غياب الأمطار إلا أن درجة الحرارة تصل إلى 3 تحت الصفر وهو أمر لا يطاق لكن حفاوة استقبال الأرجنتينيين أنستنا بعض الشيء هذه الظروف الصعبة بالإضافة إلى قيمة هذه المنافسة العريقة لأنه ليس من السهل مغادرة الجزائر العاصمة التي بلغت فيها درجة الحرارة 40 إلى "بيونس إيرس" التي نزلت الحرارة فيها تحت الصفر. "أنت الصحفي الوحيد من إفريقيا الذي استلم بطاقة اعتماد في كوبا أمريكا" مباشرة بعد وصولنا إلى مطار بيونس أيرس اتجهنا إلى موضع حفظ الأمتعة لاستلام أمتعتنا ومن هناك دخلنا في أجواء كوبا أمريكا أين وجدنا شابين يداعبان الكرة من لاعبي "الفريستايل" الذين يمتعون المسافرين بفنياتهم ولقطاتهم الجميلة بالإضافة إلى أنه كان كل شيء يوحي في المطار بأن هذا البلد يحتض منافسة هي الأعرق على الصعيد الدولي بتعليق عدة رايات في بهو المطار، وهناك ما علقت على هامش الطرقات، في الحافلات وكذا في سيارات الأجرة، وأول ما قمنا به عند وصولنا إلى بيونس أيرس اتجهنا إلى قلب العاصمة وبالضبط إلى مركز الصحافة لأجل استلام بطاقة اعتمادنا إلى جانب أحد زملائنا الصحافيين من إسبانيا "لويس مارتين" من "الباييس" الذي قال لصحفي الهدّاف لوبيتور "ما الذي تفعله هنا في بيونس إيرس" فيما تحدثنا مع مسؤول هناك في المركز الذي قال: "أنت الصحفي الوحيد من إفريقيا الذي استلم بطاقة اعتماد في كوبا أمريكا فيما هناك بعض الطلبات من جنوب إفريقيا لكن أصحابها لم يحضروا بعد". سقوط "ريفر بلايت" يهدد العرس اللاتيني رغم أن الحماس شديد هنا في الأرجنتين بمناسبة احتضان بلاد التانڤو لكأس أمريكا الجنوبية للأمم في نسختها ال 43 في منافسة هي الأقدم في العالم، إلا أن هذا العرس مهدد بالفساد وعدم النجاح في أي لحظة وهذا بالنظر إلى الحداد الذي يعيشه عشاق النادي الثاني الأكثر شعبية هنا في الأرجنتين "ريفر بلايت" بسبب سقوطه التاريخي إلى القسم الثاني لأول مرة في تاريخ هذا النادي العريق والغريم التقليدي ل "بوكا جونيورز"، فالأنصار قاموا بتخريب ملعب "مونيمونتال" الذي سيحتضن نهائي هذه المنافسة فيما تم غلقه من طرف السلطات واللجنة المنظمة تعمل على قدم وساق لأجل أن يجهز لتاريخ المباراة النهائية، وفي الوقت الراهن لا أحد هنا في الأرجنتين بإمكانه أن يقول لك أين ستجري المباراة النهائية وهذا بعد كل ما فعله أنصار "ريفر بلايت" الذين واصلوا التعبير عن غضبهم الذين طالبوا برأس "دانيال باساريلا" وهو أحد لاعبي المنتخب الأرجنيتيني السابقين وبطل العالم في 1978 ثم أصبح مدربا للمنتخب وكذا رئيسا للنادي، وفي يوم انطلاق المنافسة مع إجراء مباراة الافتتاح بين الأرجنتين وبولفييا الجمعة الفارط عنونت الصحيفة الشهيرة هنا في الأرجنتين "أولي" بالبنط العريض سقوط ريفر بلايت يهدد كوبا أمريكا وكذا أجرت ذات الصحيفة حوارا حصريا مع ميسي وتطرقت معه للحديث عن نزول ريفر فيما أكد ميسي على أن تضخيم ما حدث من طرف رجال الإعلام سبب كل ما يجري. الشاحنات ممنوعة من السير أيام مباريات الأرجنتين المنظمون يعملون على قدم وساق لأجل إنجاح هذا العرس اللاتيني الكبير، بحيث أصدرت السلطات العليا تعليمة للمواطنين الأرجنتينيين تمنع منعا باتا سير الشاحنات أيام إجراء مباريات المنتخب الأرجنتيني وأي شاحنة تسير في المدينة فإن صاحبها سيتعرض إلى عقوبة فيما يتم السماح للسيارات الصغيرة والحافلات بالإضافة إلى الدراجات بالسير بحرية في الطريق المؤدية إلى الملعب الذي يحتضن اللقاء، وما وقفنا عليه أيضا من خلال حديثنا مع بعض الأرجنتينيين هو أنهم ينسون كامل همومهم وأشغالهم أيام مباريات رفاق ميسي، وحتى فيما بتعلق بأنصار الريفر بلايت الذين يبحثون عن نسيان أحزانهم بمناصرة منتخب التانڤو وهو ما يشبه كثيرا ما يحدث عندنا في الجزائر لما يتعلق الأمر بمباريات "الخضر". أنصار منتخب بوليفيا بإمكانهم ملء الملعب وحدهم جمعت مباراة الافتتاح بين الأرجنتين البلد منظم الدورة ومنتخب بوليفيا وانتهت بالتعادل أمام صخب كبير من الجماهير الأرجنتينية، لكننا استغربنا كثيرا ونحن في طريقنا إلى الملعب أين وجدنا الآلاف من رايات المنتخب البوليفي والتي كانت تقريبا النصف بالنصف مع الأرجنتينيين وعلى الرغم من أن اللجنة المنظمة خصصت أماكن محدودة لهؤلاء الأنصار إلا أنهم حازوا على 36 ألف مكان في المدرجات وفي حديثنا مع سائق طاكسي أرجنتيني قال لنا: "البوليفيين يستفيدون من امتيازات عديدة هنا في الأرجنتين أين يدرسون بالمجان، يعالجون مجانا أيضا ثم يرسلون الأموال إلى عائلاتهم في بوليفيا" وهو نفس الأمر الذي يقوله أي فرنسي عن مغترب مغاربي (جزائري، تونسي، مغربي) أو ألماني عن مغترب تركي، وأمريكي عن مغترب مكسيكي، فيما ذكرتنا مباراة الأرجنتين مع بولويفيا مباراة فرسنا مع الجزائر بداية هذه الألفية. الأرجنتين تريد السير على طريقة الإسبان في جنوب إفريقيا انتهى اللقاء الافتتاحي الذي جمع أصحاب الأرض الأرجنتين مع منتخب بوليفيا بهدف في كل شبكة، وهو التعادل الذي اعتبره الأرجنتينيون بالكارثة وخالف كل التوقعات، لكن الأنصار وحتى الصحافة الأرجنتينية حاولت تقليل الأضرار والنظر إلى هذا التعادل من الجانب الإيجابي ومحاولة الرفع من معنويات اللاعبين بعد هذه المفاجأة المدوية خاصة أن الأرجنتينيين كانوا واثقين من أنفسهم كثيرا ويؤكدون في مختلف تصريحاتهم على أنهم سيتوجون بهذا التاج القاري فيما يريدون أن يعتبروا تعادل بوليفيا شبيها بما حدث للمنتخب الإسباني في مونديال جنوب إفريقيا حين انهزمت إسبانيا في أول مباراة أمام سويسرا ثم توجت في نهاية المطاف بكأس العالم عن جدارة واستحقاق. "من لا يقفز فهو إنجليزي" والأرجنتينيون لا يحبون الإنجليز درجة الحرارة كانت منخفضة جدا في ملعب المباراة يوم الجمعة الفارط عندما استقبل منتخب الأرجنتين نظيره البوليفي، وغصت المدرجات بالأنصار الذين كانوا يهتفون بحياة الأرجنتين ولم يتوقفوا عن التشجيع حتى أعلن الحكم عن نهاية اللقاء، وكانت الجماهير تجد لنفسها الحل عندما يشعر البعض بالإرهاق حيث يرددون "من لا يقفز فإنه إنجليزي" وهي العبارات التي تلهب الملعب بحكم العلاقات المتوترة بين الأرجنتينيين والإنجليز رياضيا، ووقفنا على حقيقة أنه إذا أردت استفزاز أي أرجنتيني ما عليك إلا بتشبيهه بإنجليزي فإنه يثور في وجهك مباشرة. اللاعبون الأرجنتينيون استقبلوا عائلاتهم إلا ميسي في اليوم الموالي لمباراة الأرجنتين وبوليفيا والتعادل المخيّب للآمال لرفاق ليونل ميسي، فإن مدرب منتخب الأرجنتين "باتيستا" حاول الرفع من معنويات لاعبيه حين سمح لعائلاتهم بزيارتهم في مقر إقامتهم بعد الانتهاء من الندوة الصحفية بالإضافة إلى بعض المقربين منهم على غرار قدوم والد أڤويرو الذي هنأ ابنه على الهدف الذي سجله في اللقاء (أڤويرو زوج ابنه مارادونا)، بالإضافة إلى ذلك فإننا شاهدنا عائلة خافيير زانيتي وكذا عائلة ميليتو دييڤو، زوجة كومبياسو وعدة أفراد آخرين من أقرباء اللاعبين الآخرين، إلا أننا لم نلمح النجم ميسي ولا حتى أي فرد من أفراد عائلته، وهو الذي تفادى الظهور أمام رجال الإعلام ولا يحب الإشهار لعائلته مثلما قال لنا أحد الزملاء من صحيفة "كلارين". ثلاثة أهداف في أربع مباريات حصيلة متواضعة لم يتجرع لاعبو المنتخب الأرجنتيني التعادل الذي انتهى عليه لقاؤهم الأول أمام بوليفيا رغم أنهم استفادوا من زيارة عائلاتهم وأقاربهم إلى أن وصلهم خبر مفرح ويزيل الضغط بعض الشيء عقب تعادل الغريم التقليدي وأبرز منافس للأرجنتين في هذه الدورة منتخب البرازيل في أولى خرجاته في كوبا أميركا أمام فنزويلا والصعوبات الكبيرة التي وجهها رفاق دانيال آلفيش وروبينيو أمام فنزويلا رغم أن هذا المنافس يعتبر من بين المنتخبات الأضعف في هذه الدورة، وانتقد المتتبعون كثيرا ما أسفرت عنه نتائج بداية هذه المنافسة خاصة من الجانب الهجومي لأن النتائج ضيقة والدليل على ذلك تسجيل ثلاثة أهداف في أربع مباريات فقط ويأمل الجميع في أن تتحسن النتائج ونشهد العشرات من الأهداف عن قريب.