يبدو أن السلطات في بريطانيا العظمى لم تحضر فقد لاستقبال أقوى التظاهرات الاولمبية وأشهرها ببناء الهياكل القاعدية وما يتعلق بإنجاح الدورة فقط، بل حضرت أيضا وبطريقة جيدة للتهكم على الوفود المشاركة والنيل من كرامتها، من خلال الصحف المحلية الممثلة بصحيفة “دايلي تلغراف“ الإنجليزية، التي أطلت علينا أول أمس بمقالات عنصرية ومستفزّة للشعوب، وكانت هذه الصحيفة التي كان عليها أن تتناول نقائص الاحتفال والأخطاء التي وقع فيها المنضمون، نشرت تقريراً صنّفت فيه 10 أناشيد وطنية أنها الأسوأ على الإطلاق من بين أناشيد ال 205 دولة المشاركة في أولمبياد لندن 2012، وشملت القائمة النشيد الوطني الجزائري والعراقي. وفي الوقت ذاته أشادت “دايلي تلغراف“ بالملحّن البريطاني فيليب شيبرد على “عمله الفذ“ في تسجيل جميع الأناشيد في صورة مصغرة خلال 50 ساعة عمل فيها معه 36 موسيقياً، حتى يتم ضغط مدة أي نشيد إلى دقيقة ونصف علي الأكثر. وذكرت الصحيفة الإنجليزية أنه سيتم عزف الأناشيد الوطنية ل 205 دوله أثناء الاحتفال لما يزيد عن 800 نصر وتتويج، وصنفتها مابين التقليدي وجميل اللّحن، ومابين الخالي من الكلمات وذو الكلمات غير الجيّدة أو العدائية، ومابين القصير والطويل جدّاً. وصفت النشيد الوطني بالعدائي وتناست نشيد انجلترا المحرّض على إبادة الاسكتلنديين وكما سبق وأشرنا، فقد تطاولت “دايلي تلغراف“ على أحد رموز الدولة الجزائرية عندما اعتبرت كلمات النشيد الوطني الجزائري الذي كتبه الشاعر المجاهد مفدي زكريا ولحنه الموسيقار المصري محمد فوزي، بأنه عدائي وتحديداً لدولة فرنسا، وكأن الجزائر هي من احتلت فرنسا وأبادت منها مليون ونصف المليون شهيد وليس العكس، ودون أدنى احترام لمشاعر ملايين الجزائريين الذين أكدوا من خلال مواقع التواصل الاجتماعي وقنوات الاتصال رفضهم وتنديدهم بخطوة هذه الجريدة. وكما كان الحال مع النشيد الوطني الجزائري، فقد وصفت نشيد العراق، الذي كتبه الشاعر الفلسطيني إبراهيم طوقان، أنه يذكر الناس بمآسي صدام حسين وجبروته، كما تحدّثت عن تضمّنه كلمات فيها تعال وتكبر، وأكثر من هذا وفي موقف يبدو تافها ولا يعقل أن يصدر من جريدة عريقة، قالت إن في النشيد رسالة خطيرة. وكما عودنا الغرب في كل مرة، فقد تحدثت عن نشيد بريطانيا العظمى بحيث لم تتوان في وصفه بأنه الأفضل والأجمل على الإطلاق، لكن ولمن لا يعرف معاني نشيد بريطانيا العظمى، فإنه يتحدّث في آخر أبياته عما حدث في اسكتلندا عندما ثارت الشعوب هناك، بحيث يشيد هذا النشيد “الأفضل و الأجمل على الإطلاق" بأحد “الماريشالات“ الذي تكفل بإبادة الثوار الاسكتلنديين آنذاك. فهل يحلّ للدول الغازية ما لا يحل للدول المحتلة والمغلوبة على أمرها“؟ “لا مارسياز" كلّه حديث عن القتال والأمجاد لكن “دايلي تلغراف“ لم تتجرّأ؟ وبالرغم من أن النشيد الفرنسي لا يهمنا ولا يعنينا، إلا أن هناك ملاحظة يجب التطرّق إليها حتى يظهر جليا أن صحيفة “دايلي تلغراف“ لم تكن بريئة في خرجتها وأنها تبيت نيّة خبيثة تهدف إلى النيل من كرامة دول وشعوب دون غيرها، ولأن الموضوع أو السبب الذي جعل الصحيفة تتحدّث عن الجزائر ونشيدها، هو التحريض على العنف كما قالت، فلماذا استثنت النشيد الوطني الفرنسي أو “لامارسياز"، بالرغم من أن هذا النشيد يحمل في جلّ أبياته كلمات تتحدّث عن القتال ومحاربة الأعداء وكذا المجد الذي تتغني به فرنسا، وتريد أن يشعر به كلّ طفل فرنسي منذ نعومة أظفاره. والإجابة هو أن الجريدة تعلم أن أيّ خروج عن النص أو تحدّث بسيط على الجارة فرنسا قد يكلف الجريدة وحتى الدولة غاليا، كما أن الفرنسيين لن يرضوا بمثل هذا التدخل في أحد الرموز التي تعتبر من ثوابت الأمم وسيادتها. في بريطانيا فقط السياسة تخلط بالرياضة وما حدث مع بعثة كوريا الشمالية خير دليل ومع أن الدول التي سبق ونظمت عرض الأولمبياد على غرار استراليا والصين كانت تحرّض في كل مرّة على إبعاد السياسة عن الرياضة، مثلما سبق في عديد الدورات عندما شاهدنا صورا رائعة كدخول وفد كوريا الشمالية وجارتها الجنوبية جنبا إلى جنب وأمثلة أخرى عديدة، إلا أن “بلاد الضباب“ يبدو أن لها رأيا آخر، حيث بدأت بخلط السياسة والرياضة منذ الدقائق الأولى، وذلك عندما وضعت علم كوريا الجنوبية ورافقته لاسم منتخب كوريا الشمالية لكرة القدم، ما خلف احتجاجا واستياء كبيرين من الوفد، إلا أن صحيفتنا المحترمة لم تتحدّث عن الأمر. الشيء الذي يمكن لنا أن نقوله في الوقت الحالي أن شعار الألعاب الأولمبية، منذ أن أسّسها “بيار دي كوبرتان“، عام 1892، أن لا سياسة في الرياضة، ولا رياضة في السياسة، لكن العديد من الجهات ووسائل الإعلام البريطانية اجتهدت من الساعات الأولى للافتتاح في تقديم تحليلات وتقارير تفوح منها الكراهية والعنصرية والحقد الدّفين. حتى رياضيو اسكتلندا وبلاد الغال سئموا ورفضوا ترديد نشيد بريطانيا العظمى ومن خلال متابعتنا لأطوار الألعاب الأولمبية لمسنا شيئا يكون قد تفطن إليه الكثيرون، وهو رفض الرياضيين التابعين لاسكتلندا وبلاد الغال “ويلز" تأدية النشيد الخاصّ بالمملكة البريطانية، ما يجعلنا نتحدّث عن إخضاع وإكراه، وكان على الصحف البريطانية و“دايلي تلغراف“ أن تخوض فيها، حيث يوجد عديد الأمثلة على غرار اللاعب الويلزي راين ڤيڤر الذي يشارك ضمن المنتخب الأولمبي البريطاني، حيث رفض غناء النشيد الخاصّ بالمملكة ما يعني أنه لا يرضى إلا بنشيد بلاده ويلز هذا من جهة، ومن جهة أخرى قد يتساءل البعض عن إجبار المملكة للاعبين من اسكتلندا وبلاد الغال تمثيل المنتخب البريطاني. وفي مثال آخر رفضت اللاعبة الاسكتلندية “كيم ليتل“ التي تمثل هي الأخرى منتخب بريطانيا لكرة القدم غناء النشيد الخاص بالمملكة، حيث تبدو هي الأخرى غير فخورة بحمل ألوان بريطانيا والدفاع عنها. فلماذا لا تتطرّق “دايلي تلغراف“ لهذا الأمر وتقدّم تحليلاتها وتقاريرها الدقيقة والمؤسّسة؟ الشارع الجزائري ساخط ويطالب الجريدة بالإعتذار ولأن النشيد الوطني الجزائري يبقى رمزا من رموز الثورة التحريرية المجيدة، فقد كان ردود الأفعال ساخطة من جانب الشارع الجزائري، الذي اتخذ من مواقع الاتصال الاجتماعي منبرا له من أجل التنديد بخرجة صحيفة “دايلي تلغراف“، والتي اعتبروها إهانه للشهداء وتقزيما لهذا البلد الذي يملك سيادة وطنية ولا يحقّ لأي كان أن يتدخّل في رموزه. وأكثر من هذا فقد طالب الشارع الجزائري من هذه الصحيفة بالاعتذار الرسمي من الشعب الجزائري، مطالبة في نفس الوقت السلطات الجزائرية المخولة بالتحرّك وردّ الاعتبار. الجدير بالذكر أنّ عزف النشيد الوطني، هو تقليد في دورة الألعاب الأولمبية منذ عام 1924، حيث كان الملحن البريطاني فيليب شيبرد، المسؤول عن ترتيبات تسجيل الأناشيد في هذه التظاهرة الرياضية العالمية الكبيرة، وذلك في تسجيل جميع الأناشيد وضغطها في 90 ثانية، الأمر الذي استغرق 50 ساعة متواصلة من العمل والجهد، حيث استدعى للعمل معه 36 موسيقياً حتى يتم ضغط مدّة أي نشيد إلى دقيقة ونصف على الأكثر.