يعتبر بورا ميلوتينوفيتش من العارفين لعالم كرة القدم بأدق تفاصيله، ليس كلاعب فقط بل حتى كمدرب، وهذا بعد إشرافه على العديد من المنتخبات ومن قارات مختلفة.. وأغلبها شاركت في المونديال (المكسيك سنة 86، كوستاريكا سنة 90، الولاياتالمتحدة سنة 94، نيجيريا سنة 98 والصين سنة 2002)، وكأس العالم الحالية بالنسبة له ما هي إلا فرصة للتحليل والمتابعة بالرغم من أنه ساهم في تحضير منتخب صربيا للنهائيات، وبما أن كأس العالم على مشارف الإنتهاء فقد كان لنا حديث معه عن العديد من الأمور وخاصة المنتخب الجزائري... أنت الذي سبق لك الإشراف على العديد من المنتخبات في نهائيات كأس العالم، كيف تقيّم الدورة الحالية مقارنة بسابقاتها؟ ليس من المنطقي إجراء مقارنة في هذا الصدد، وهذا لسبب بسيط، وهو أن العديد من الأمور تتغير بين دورة وأخرى، من حيث التشكيلات المشاركة، وتطور أداء اللاعبين أو ركوده في المنافسات التي تسبق الحدث، وانظروا ما حدث للمنتخبين الإيطالي والفرنسي، فهما بطل ونائب بطل الدورة السابقة، انظروا كذلك إلى انجلترا، الجميع كان يرشحها للذهاب بعيدا، هذه المنتخبات خالفت التوقعات، على عكس منتخبات مثل كوريا الجنوبية، اليابان، الأوروغواي والباراغواي التي حققت أهدافها وأكثر، كما أن غانا لا يمكن أن تكون غير راضية عن مشوارها، لذا لا يمكن مقارنة دورة بأخرى. لكن باعتبارك تقنيا، ما هي الخلاصة التي يمكنك استخلاصها من هذه الدورة؟ أعتقد أن المباريات أصبحت جميلة ابتداء من الدور الثاني، ففي دور المجموعات تغلبت الحسابات على أداء اللاعبين والكل كان يتفادى الهزيمة، ولا نرى الوجه الحقيقي للمنتخبات إلا عندما يتعلّق الأمر بإقصاء مباشر وهذا ما جعلنا نشاهد أداء مغايرا ابتداء من الثمن النهائي. وهل أنت مع من يقول أن المستوى كان متوسطا لأننا لم نشاهد لعبا جميلا أثناء المونديال؟ الأشخاص الذين يقولون مثل هذا الكلام يقولونه لأن أحسن المنتخبات أقصيت، وبعض اللاعبين الذين يتمتعون بإمكانات فردية تمت إزاحتهم من الخريطة ولم يقوموا بأي شيء ليبرهنوا على إمكاناتهم، على العكس من ذلك، شاهدنا لاعبين متوسطين لكنهم برهنوا أنهم أقوياء بفضل روحهم الجماعية، وخير مثال على ذلك ألمانيا. لاعبون مثل كلوز، مولر وبودولسكي ليسوا أقوياء فرديا، لكن لما يلعبون سويا يقومون بأشياء مذهلة، وهذا ما أعتبره إزاحة حقيقية للنجوم الذين عوّدوا الجماهير الكروية على أداء راقٍ، ولهذا فإن في قرارة البعض مستوى المونديال منخفض بسبب غياب النجوم عن الأدوار المتقدمة. لماذا كان منتخب غانا الوحيد من المنتخبات الإفريقية التي تأهلت إلى أدوار متقدمة و البقية خرجت مبكرا؟ لا يمكنني التعليق إطلاقا على الخروج المبكر للمنتخبات الإفريقية لأنني لا أدري ماذا يجري داخل كل منتخب ولا أحد بإمكانه تحليل سبب الخيبة الإفريقية في هذا المونديال، لطالما صرحت بأنني أكن كل الاحترام للاعبين الأفارقة الذين يملكون إمكانات فردية كبيرة، لكن على مستوى المنتخبات فإن نجوميتهم تقل ولا يستطيعون تقديم الكثير لا لشيء إلا لأنهم لا يشعرون بحجم المسؤولية الملقاة على عاتقهم وماذا يعني تمثيل الراية الوطنية وقيمة اللعب الجماعي على حساب الفرديات، فكما شاهدنا فقد كان من الصعب على معظم المنتخبات الإفريقية أن تقوم بثلاثة إلى أربعة تمريرات متتالية وعليه فأنا أرى المشكل في الذهنيات لا غير. لما كنت مدربا للمنتخب النيجيري في مونديال 1998 بفرنسا، كان لاعبونا يفهمون الرسالة كما ينبغي وحققنا بعض النتائج الإيجابية كالتأهل إلى الدور الثاني قبل أن نخرج على يد الألمان بسبب أخطاء دفاعية، في بعض الأحيان أقول في قرارة نفسي أنه شيء غير مفهوم أن يخطئ اللاعبون بتلك الطريقة. ربما كل شيء يحسم في الذهن نعم، معك حق، كل شيء يتوقف على التحضير النفسي والذهنيات عند اللاعبين، أعتقد أن أن المدرب “راجيفاتش“ قام بعمل كبير على المستوى الجماعي والتحضير الذهني للاعبي غانا بدليل الوصول إلى أدوار متقدمة. أنت تسانده من دون شك لأنه صديقك وابن بلدك من صربيا ليس لأنه صديقي فقط، بل لأنه ابن المدينة التي أنحذر منها (يضحك). لم نكن نعلم بذلك.. أنا أمازحكم، ليس لهذا السبب أسانده، بل لأنه يقوم بعمل كبير، فقد أضاف الكثير إلى منتخب غانا بحيث عرف كيف يحافظ على الاستقرار ووضع الثقة أكثر في لاعبيه، خاصة الشبان الذين لم يسبق لهم اللعب على هذا المستوى العالي، كما أن الإتحادية الغانية أحسنت صنعا في الحفاظ عليه على رأس العارضة الفنية للمنتخب، على عكس ما حدث مع بعض المنتخبات وهذا أمر مؤسف فمن غير المعقول أن نقيل مدربا قبل أشهر من انطلاق المونديال. ما الذي لم يمش مع المنتخب الجزائري حسب رأيك وهل توافق من يقول إن الجزائر تلعب جيدا؟ ما الفائدة من الأداء الجميل؟ بالنسبة لي الأداء الجميل هو تحقيق الفوز، فلما تنهزم فكأنك لم تقم بأي شيء، خاصة في منافسة كبيرة من حجم كاس العالم التي يحتفظ فيها التاريخ بالنتائج وليس بطريقة الأداء. الجزائر لم تفز بأي لقاء وهي بهذا لم تلعب جيدا مع كل الاحترامات للمنتخب الجزائري، وأنتم الصحافيين من يريدون تغيير النتيجة السيئة إلى جيدة. نفهم أن حصيلة المنتخب الجزائري سلبية ليست سلبية للدرجة التي تتصورونها، وعلى لاعبي المنتخب الجزائري أن يكثفوا من حجم العمل، خاصة في الناحية الهجومية ويعملون أكثر على استعادة الفعالية الهجومية لأن الأهداف هي التي تمنحك الفوز. في الأخير، هل يمكن لنا أن نعرف المنتخبين اللذين ترشحهما للمرور إلى النهائي؟ من الصعب أن أتكهن بمن سيتأهل إلى المباراة النهائية لأن المنتخبات الأربعة تملك نفس المستوى تقريبا وما تواجدها في هذا الدور إلا دليل على أنها قوية. قلبي يميل أكثر إلى المنتخب الإسباني وفي ذهني أرى ألمانيا بطلة للعالم لأنها قوية وفاجأت الجميع بالوجه الذي ظهرت به، وعليه فالمتوج بكأس العالم سيكون بنسبة كبيرة من مباراة ألمانيا مع إسبانيا.