الحلقة12 ومن العجب العجاب أن يستدل في حصة آخر الكلام بقناة النهار بقوله تعالى:(وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون)وما درى أن العالم إذا لم يكن هديه وعلمه ومقصده وعمله في الاتجاه الإلهي سقط في فخ الطمع في مال الأغنياء، أو في فخ الرغبة أو الرهبة في جانب الأمراء فيخيط لهم من الدين تزييفا وتحريفا لباسا على المقاس، فتراه على أبواب أرباب المال متسولا، وعلى عتبات الأمراء والسلاطين ذليلا مكبلا، وعلى الله ورسوله متقولا، وهو في قرارة نفسه يبرر سقوطه هذا بأن الأمة تخلت عنه ولا ناصر له ولا معيل ولا معين فاضطر إلى السقوط في فخ الأغنياء والسلاطين، فهو يأكل من ميتتهم غير باغ ولا عاد، ناسيا أو متناسيا أن الله أخذ عليه كما أخذ على الأنبياء والرسل الميثاق الذي يفرض عليه أن يموت في حال رفض الأمة له على أيديها أو على يد المترفين والسلاطين كالنبي يحي والإمام الحسين، أو يعيش سعيدا متمكنا إذا ساندته كداوود وسليمان عليهم جميعا أفضل الصلاة والسلام، وفي كل الأحوال فإن المرور على المحنة أثناء الدعوة إلى إصلاح الأمة وإحيائها هو من الأمر الإلهي المقضي ولذلك قال "يهدون بأمرنا لما صبروا" وما ذلك إلا لإسقاط حجة من سقط في فخ الأمراء الظالمين والمترفين الفاسقين مباشرة بعد "التخرج" فأصبح موظفا لدى هؤلاء وهؤلاء دون أن تلفح جلده حمارَّة القيظ، ويقرصه زمهرير الشتاء، وإذا وجد المساندة المباشرة من أول يوم من الأمة التي استغنى بها عن هؤلاء وهؤلاء اتخذ دعمها مطية للعيش على نمط الأمراء والسلاطين والمترفين فينافسهم في أعلى وأغلى طراز مما يركبون ويسكنون ويأكلون وينكحون، حتى إذا تفطنت الأمة إلى أنه خدعها بالله وعبأ بفضلها خزائنه التي تضمن له مستقبل الأولاد وحتى الأحفاد لم تساند كل داعية بعده لأن المؤمن لا يُلدغ من جحر مرتين حسب قياسها هذا العالم بالذي جاء بعده من الدعاة، فيكون هذا الذي اتخذ من الدين والعلم مطية للمآرب الشخصية أخطر على الأمة من ظلمة السلاطين ومن مردة الشياطين لأنه لا يصد الأمة في الحاضر فقط عن سبيل الله بل يصد الأمم التي تأتي بعدها لأنه قدم لها نموذجا منفرا عن العلماء والدعاة. والأصل أن هذا الشعار ينبغي أن يكون بالصيغة التالية "الحكم بما أنزل الله فيه حكمه" لتصبح القضية محصورة في تلك الأحكام الإلهية التي قل تطبيقها أو انعدم، حتى في زمن ازدهار شعار الحكم بما أنزل الله، وعلى هذا الأساس ألف علي عبد الرزاق كتابه الإسلام وأصول الحكم في عشرينيات القرن الماضي وفضح كذبة الحكم بما أنزل الله. ذلك أن عدم الامتثال لتطبيق الحكم بما أنزل الله الذي جاء في معرض الحديث القرآني قد جاء على ثلاثة صيغ هي: أ"ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون" وهذا يتعلق بمن قال بالكلية أنا لا أعترف بأن هذا الحكم حكم الله ولا أطبقه ولا أحبذه وإن كان حكم الله فالكفر هنا ينطبق عليه، وهو يرى أن عقله يكفيه في الاهتداء والاقتداء، لكن هل في الحكم الإسلامي أمر بقتله؟ ذلك هو الإشكال لأن الحريات التي كفلها النبي تطبيقا وضمنها القرآن تحقيقا لم تأمرنا بقتل من لم يمتثل لحكم الله إن كان غير مسلم وحتى إن كان مسلما فهو من أصحاب الصيغة الثانية. ب-"ومن لم يحكم بما انزل الله فأولئك هم الفاسقون" والسواد الأعظم من المسلمين في كثير من تصرفاته لا يطبق حكم الله ومنطوق هذه الآية ينطبق عليه، وهذا الأمر لا يعود إلى مسألة عقلية بل إلى مسألة نفسية تدور كلها بين الهوى والشهوات.