كان رحمه الله يستخدم الكلمات البليغة الأدبية لتوضيح رأيه وللدفاع عن الإسلام، ولم يكن بصدد إصدار أحكام، فهذه لها أصول ولها أهلها من علماء الشريعة، ولم يدع هو ذلك في يومٍ من الأيام. وحول حديثه عن الجهاد، لم يخرج عن قول علماء الأمة عن شرح نوعي الجهاد "جهاد الدفع" و"جهاد الطلب" أي الغزو في سبيل الله، ولم يدع أنه سيتكلم عن الأحكام الفقهية والشروط الشرعية المتعقلة بذلك، وإنما كان يتحدث عن المبدأ والمفهوم. ويواصل الدكتور محمد عبد الرحمان، في توضيح بعض كلمات وآراء سيد قطب فيقول : أ) ففي كتاب "معالم" الذي اشتهر بأن فيه تلك الرؤية التكفيرية الانعزالية، نجده في آخر صفحات الكتاب يتكلم عن الجاهلية والتعامل معها "ليس لنا أن نجاري الجاهلية في شيء من تصوراتها، ولا في شيء من أوضاعها ولا في شيء من تقاليدها مهما يشتد ضغطها علينا، إن وظيفتنا الأولى هي إحلال التصورات الإسلامية والتقاليد الإسلامية في مكان هذه الجاهلية. إن ضغط التصورات الاجتماعية السائدة، والتقاليد الاجتماعية الشائعة ضغط ساحق عنيف.. لا بد أن نثبت أولاً، ولابد أن نستعلي ثانيًا، ولا بد أن نرى الجاهلية حقيقة الدرك الذي هي فيه بالقياس إلى الآفاق العليا المشرقة للحياة الإسلامية التي نريدها. ولن يكون هذا بأن نجاري الجاهلية في بعض الخطوات، كما أنه لن يكون بأن نقاطعها الآن وننزوي عنها وننعزل، كلا إنما هي المخالطة مع التميز، والأخذ والعطاء مع الترفع، والصدع بالحق في مودة والاستعلاء بالإيمان في تواضع.. " (كتاب معالم في الطريق ص 176) ب) ومن أقواله التي نقلت عنه: "إن مهمتنا ليست إصدار الأحكام على الناس ولكن مهمتنا تعريفهم بحقيقة لا إله إلا الله؛ لأن الناس لا يعرفون مقتضاها الحقيقي وهو التحاكم إلى شريعة الله" (من كتاب أعلام الحركة الإسلامية لعبد الله العقيل ص 652 ). ج) كان الشهيد يرفض فرض الإسلام من أعلى على الناس، أو يستخدم العنف والقوة داخل المجتمع، وإنما السبيل للالتزام بالإسلام وإقامة الحكم الإسلامي، هو إيقاظ القلوب وتفهيم الناس وبناء القناعات الصحيحة لديهم. فيقول رحمه الله "ولا بد إذن أن تبدأ الحركات الإسلامية من القاعدة، وهي إحياء مدلول العقيدة الإسلامية في القلوب والعقول، وتربية مَن يقبل هذه الدعوة وهذه المفهومات الصحيحة تربية إسلامية صحيحة.. وعدم محاولة فرض النظام الإسلامي عن طريق الاستيلاء على الحكم قبل أن تكون القاعدة المسلمة في المجتمعات هي التي تطلب النظام الإسلامي لأنها عرفته على حقيقته وتريد أن تحكم به.." (جريدة المسلمون، من مقالة بعنوان، لماذا أعدموني؟ ذكرت كلمات وكتابات له). د) وهاهو الشهيد يصف المجموعة التي تولى تربيتها عام 65، عندما تم اعتقاله تمهيدًا لإعدامه "لقد اتفقنا على مبدأ عدم استخدام القوة لقلب نظام الحكم وفرض النظام الإسلامي من أعلى؛ لأن المطالبة بإقامة النظام الإسلامي وتحكيم شريعة الإسلام ليست هي نقطة البدء، وإنما هي نقل المجتمعات ذاتها إلى المفهومات الإسلامية الصحيحة، وتكوين قاعدة إن لم تشمل المجتمع كله، فعلى الأقل تشمل عناصر وقطاعات تملك التوجيه والتأثير في اتجاه المجتمع كله إلى الرغبة والعمل في إقامة النظام الإسلامي". (كتاب شبهات حول الفكر الإسلامي المعاصر- المستشار سالم البهنساوي ص237، وكتاب العبقري العملاق سيد قطب ص83 للأستاذ إبراهيم منير). ه) وعندما سُئل في التحقيق- وكانت إجاباته من منطلق أنها شهادة للتاريخ؛ حيث كان متأكدًا أنه سيصدر عليه الحكم بالإعدام، سأله المحقق: هل ترى أن هناك فرقًا بين المسلم المنتمي لجماعة الإخوان وغير المنتمي لتلك الجماعة؟ كانت إجابته المدونة في الأوراق "الذي يميز الإخوان أن لهم برنامجًا محددًا في تحقيق الإسلام، فيكونون مقدمين في نظري على مَن ليس لهم برنامج محدد.." ثم سأله المحقق: س: فلم التمييز بين أفراد هذه الجماعة وبين المسلمين قاطبةً وهم جميعًا أصحاب عقيدة وأهداف وبرنامج؟ أجاب: التمييز- في رأيي- ليس تمييز شخص على شخص، ولكن فقط باعتبار أن الجماعة ذات برنامج، وأن كل فردٍ مرتبط بهذا البرنامج لتحقيق الإسلام عمليًّا، وهذا هو وجه التمييز في رأيي". فلم يكن رحمه الله حتى آخر يوم في حياته يعتقد أو يظن أن المسلمين أصبحوا داخلين في نطاق الكفر بل يثبت لهم الإسلام، وأيضًا يتضح أن الشهيد لم يذهب مطلقًا في رؤيته أن ينتقي مجموعة من الأفراد ينعزل بهم عن المجتمع بحجة أنه جاهلي، ليقوم بتربيتهم ثم القفز بهم على السلطة، فهاهو يقرر بوضوح أن الطريق هو تربية أفراد المجتمع وتفهيمهم وإقناعهم القيم والتصورات الإسلامية وكيفية الالتزام الصحيح بها، وأن يشمل ذلك جيلاً بأكمله، فإن لم يكن المجتمع كله، فعلى الأقل نسبة كبيرة فيه تصبح هي الغالبية وتملك التأثير فيه. وقد كانت رؤيته لمجموعة الشباب في 65، أنهم خطوة على الطريق ضمن البداية التي يجب أن تستمر وتتسع لتشمل جيلاً بأكمله.