جاءت هذه الشهادة للقرضاوي عن سيد قطب في حوار مع ضياء رشوان، الباحث في شئون الحركات الإسلامية، في برنامجه "منابر ومدافع" الذي تبثه فضائية "الفراعين" المصرية – لتفتح الباب مجددا للنقاش حول الفكر التكفيري عند قطب وعلاقته بجماعة الإخوان المسلمين، وتصنيف قطب وانتمائه وهل هو إخواني أم سلفي أم جهادي؟ وقال القرضاوي في الحديث الذي بثته القناة مساء الجمعة 8 يوليو 2009 إن سيد قطب انتمى إلى جماعة الإخوان المسلمين في بداية الخمسينيات من القرن العشرين، وإن انضمامه للإخوان جاء بناء على رغبته واقتناعه بالجماعة، مشيرا إلى أن التغير في أفكار قطب من الاعتدال إلى التكفير ظهر في كتاباته المتأخرة، خاصة تفسيره الشهير "في ظلال القرآن" وكتابه "معالم في الطريق"، ومؤكدا أن هذا التغيير يظهر بصورة واضحة عند المقارنة بين الطبعة الأولى من الظلال والثانية، حيث بدأ يتحدث في الثانية عن "الحاكمية" و"الجاهلية". وأكد القرضاوي أن ما كتبه قطب من أفكار خلال المرحلة الأخيرة من حياته يؤكد "خروجه عن أهل السنة والجماعة بوجه ما، فأهل السنة والجماعة يقتصدون في عملية التكفير حتى مع الخوارج"، قائلا إن أهل السنة لا يكفرون إلا "بقواطع تدل على أن الإنسان مرق من الدين الإسلامي تماما". وأضاف: "أعتقد أن الأستاذ قطب في هذا الأمر بعد عن الصراط السوي لأهل السنة والجماعة"، مرجعا هذا البعد إلى عدة أسباب أهمها أن هذه الكتابات كتبت في السجن، فقد كان يرى أن الدولة من خلال تمكينها للشيوعيين بعدت عن الإسلام. وعلى الرغم من هذا الخروج عن أهل السنة والجماعة يرى القرضاوي أن قطب لو قدر له أن يعيش ويخرج من السجن ويناقش الناس في أفكاره لكان تراجع عن الكثير منها كما تراجع أخوه محمد قطب الذي تخلى عن فكرة التكفير العام للمسلمين (أعدم في 29 أغسطس 1966 بأمر من الرئيس جمال عبد الناصر). وبعد هذا التصريح وردود الفعل حوله بين مؤيد ومخالف نعيد نشر ماقاله الشيخ القرضاوي في مذكراته ابن القرية "ويحلو لبعض الإخوة أن يعقدوا مقارنة بين حسن البنا وسيد قطب محاولين أن يثبتوا أنهما كانا على خط واحد، ونهج واحد، وأن سيدا لم يتجاوز خط البنا ورحم الله الرجلين. وأنا أقول: إن سيدا أشاد بالبنا في كتاباته القديمة التي جمعها في كتاب (دراسات إسلامية) فكتب عن حسن البنا وعبقرية البناء. ولكنه لم يتحدث -فيما علمت- عن فكر البنا ومقاصده، ولم ينقل عنه في كتبه كما نقل عن المودودي والندوي، وإن كان يجمعه بحسن البنا الاتجاه العام لنصرة الإسلام، والذود عن حماه. أما المنهج فكان لكل منهما شخصيته وتميزه، من حيث المنطلق، ومن حيث الغاية، ومن حيث الوسيلة ومن حيث الروح العامة. فأما المنطلق -وإن كان إسلاميا لكليهما- نجده مختلفا كثيرا بينهما، فحسن البنا ينطلق من أن الأمة الإسلامية موجودة، وأن المسلمين موجودون، ولكنهم يحتاجون إلى عمل كبير لتفقيههم بالإسلام، وتربيتهم عليه، بدءا بالفرد المسلم، فالبيت المسلم، فالشعب المسلم، فالحكومة المسلمة، فالأمة المسلمة. وسيد قطب ينطلق من أن الأمة المسلمة قد انقطع وجودها منذ زمن، ولا بد من إعادتها من جديد، وكل الموجودين اليوم من سلالات أقوام كانوا مسلمين، وأوطانهم كانت من قبل دارا للإسلام، ولم تعد اليوم دارا للإسلام، وإذا لم يكونوا مسلمين، فعلينا أن ندعوهم إلى اعتناق العقيدة الإسلامية، وأن يدخلوا في الإسلام من جديد. حسن البنا يرى أن الإسلام -باعتباره دينا- قائم وموجود، وأن هناك أمة تؤمن به من المحيط إلى المحيط، وأن الأمة المسلمة من أشد الأمم في الأرض تمسكا بدينها، وأن الإنسان العاصي أو المفرط من عامة المسلمين نجد أصل الإيمان مغروسا في أعماقه، ولكنه إيمان نائم أو مخدر، وهو في حاجة إلى إيقاظ وبعث وتنبيه، وهذه مهمة الدعوة الإسلامية ورجالها. نجد حسن البنا يقول في رسائله: يا قومنا -وكل المسلمين قومنا- ندعوكم إلى كذا وكذا. بخلاف سيد قطب، فهو يرى أن الإسلام قد انقطع وجوده من الأرض، فلا توجد أمة مسلمة، ولا يوجد مجتمع مسلم، بل لا يوجد أفراد مسلمون، لا بمعنى أنهم ارتدوا عن الإسلام، بل لأنهم لم يدخلوا أصلا في الإسلام؛ لأن دخول الإسلام لا يتحقق إلا بشهادة أن (لا إله إلا الله)، بما تتضمنه من إفراد الله تعالى بالحاكمية، وهم لم ينطقوا بالشهادة بهذا المدلول. وهذا هو المفهوم الذي أنكره العلامة الندوي على سيد وعلى المودودي من قبله، وسماه (التفسير السياسي للإسلام). حسن البنا يشعر بوجود الإسلام وأمته، ويتعاطف معها، ويعيش بهمومها، وسيد قطب لا يحس للإسلام ولا لأمته بوجود من حوله، بل يقول: قومنا على ملة، ونحن على ملة وهم على دين ونحن على دين آخر. غاية حسن البنا أن يصحح فهم المسلمين للإسلام الذي يعتنقونه بحيث لا يقتصر على المعنى اللاهوتي أو التعبدي الشعائري، بل يجب أن يفهموه بشموله وتكامله وتوازنه: عبادة وجهادا، ودينا ودولة، خلقا وقوة، ثروة وغنى، تربية وتشريعا، وبعد تصحيح الفهم تبدأ عملية تجديد الإيمان وغرس المعاني الربانية والأخلاقية. وغاية سيد قطب: أن يعلن رفض هذا المجتمع كله من حوله، فهو مجتمع جاهلي، لم يدخل بعد في الإسلام المطلوب: أن ندخل الناس في الإسلام من جديد، وندعوهم إلى اعتناق عقيدته، كما دعاهم الرسول وأصحابه وأن نشعرهم بأنهم شيء ونحن شيء وأن نصارحهم بذلك بلا وجل ولا خجل حتى يعرفوا حقيقة أنفسهم. يتبع….