الجزء الأول "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ" النمل:30، وردت مرة واحدة في القرآن الكريم كله كجزء من آية في سورة النمل، هي قولة تعالى: "إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ" تسمى اختزالا واقتصارًا "البسملة"، وهي صيغة تسمى "النّحت" كما نقول الحمدلة من الحمد لله، و"الحوقلة" عن لا حول ولا قوة إلاّ بالله، و"الاسترجاع" عن إنا لله وإنا إليه راجعون، وقد ذُكرت البسملة المضافة إلى اسم الجلالة بصيغة "بسم الله" دون إضافة: "الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ" في القرآن الكريم كله ثلاث مرات فقط، في أول سورة الفاتحة كآية منها على رأي السادة الشافعية الذين يرون أن الفاتحة سبع آيات والبسملة أول آية فيها وليست ست آيات فحسب بغير البسملة، التي يراها غيرهم فاصلة قرآنية لازمة بين سور القرآن الكريم كله، أو هي استفتاح فاصل بين بداية كل سورة ونهايتها، بلفظها الكامل: (الحمد لله رب العالمين) الفاتحة: 01، وقد تأتي غير كاملة كجزء من آية كما هو الحال في سورة النمل وفي سورة هود، في حديث ركوب السفينة لحظة بداية الطوفان بقوله تعالى : (باسم الله مجراها ومرساها)هود: 14 ، أو هي جزء من رسالة "رسمية" بعث بها نبي الله سليمان لملكة سبأ بلفظ: (إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم) النمل: 03، بإضافة التسمية لذات الله وليس إلحاقًا بأي اسم آخر من أسماء الله الحسنى لأن اسم الذات "الله" جامع لكل أسماء الصفات وأسماء الأفعال، فالله هو الرحمن وهو الرحيم، الملك، القدوس، السلام، المؤمن، المهيمن، العزيز، الجبار، المتكبر..إلى آخر أسمائه الحسنى، وقد قرأ بعضهم آيات سورة الفاتحة بالوقف عند قراءة الآية: "أنعمت عليهم" وقفا لازما ثم استكمال قراءة بقية الآية: "غير المغضوب عليهم ولا الضالين" لتكون آيات سورة الفاتحة سبعا بغير البسملة. فلو قلنا: باسم الرحمن، أو باسم الرحيم، لا تجزئ لأن الله ربطها باسم ذاته (جل جلاله) ولم يصرفها إلى اسم صفة من صفاته أو اسم فعل من أفعاله، وقد تكررت مع بداية كل سورة من سور القرآن الكريم، إلاّ في بداية سورة التوبة لأسباب سوف نذكرها في محلها، وجاء ذكرها مرة واحدة بلفظها الكامل: في الآية 30 من سورة النمل كما ذكرناه آنفا، وهكذا تكون البسملة بلفظها الكامل: "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ" قد وردت مائة وأربع عشرة مرة، فتساوي عددها مع عدد سور القرآن الكريم (114 سورة) حتى قيل: إن تخلفها في سورة براءة، التي أعلنت المفاصلة النهائية مع المشركين، إنما جاء مقصودا لتحقيق الإعجاز العددي في القرآن الكريم بنزعها من افتتاح سورة التوبة وتثبيتها آية كاملة في سورة النمل، واستدل بعضهم على ذلك بكونها لم ترد في القرآن كله كاملة بهذا النص إلاّ في موضع واحد من القرآن الكريم، مع أن فريقا آخر من العلماء قد استندوا إلى أثر يقول: إن جبريل كان إذا نزل بالوحي من عند الله على رسول الله يبدأه بالسلام ثم يتلو عليه البسملة بصيغتها الكاملة: ثم يُقرؤه ما أمره الله به وحيا، فإذا كملت السورة تنجيما-على فترات قد تكون متباعدة- يبدأ بالبسملة مجددا ليعلمه أن سورة جديدة قد بدأت تتنزل بأمر الله لجبريل (ع) على محمد (ص) ببسملة جديدة، كما أورد معناه الدارقطني عن ابن عمر (رضي الله عنهما).