الجزء الثاني فسبحانك يا رب: أنت هديتنا، وأنت علمتنا كيف نعبدك، وكيف نحمد، وكيف نستعينك وكيف نبرأ إليك من صنائع المغضوب عليهم ومن "عبادة" الضالين، وضمنت كل ذلك في سورة قصيرة لا يتجاوز عدد آياتها السبع، وعدد كلماتها الخمس والعشرين كلمة وحروفها مائة وثلاثة عشر حرفا بعدد ما بقي من سورة القرآن الكريم !! سميت الفاتحة لأن القرآن في جميع المصاحف يفتتح بها، فهي أول سورة في ترتيب المصحف الشريف، وهي أول ما يتلوه القارئ وأول ما يكتبه الكاتب، مع أنها ليست أول ما نزل من القرآن الكريم، ولها أسماء كثيرة أشهرها فاتحة الكتاب، وأم الكتاب، والحمد، والواقية، والكافية، والشافية والكنز و"الحمد لله رب العالمين" وهي السبع المثاني والقرآن العظيم. وهي السورة الوحيدة التي لا تصح الصلاة إلاّ بقراءتها في كل ركعة، لاشتمالها على كليات الدين: الإلهيات، والنبوات، والمعاد، والقضاء والقدر، فهي سورة الصلاة لأن الله قسمها بينه وبين عبده نصفين بنص الحديث: "قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين: فإذا قال العبد: الحمد لله رب العالمين، قال الله عز وجل: "حمدني عبدي"، فإذا قال: الرحمن الرحيم، قال الله عز وجل: أثنى عليّ عبدي، فإذا قال: مالك يوم الدين، قال الله عز وجل "مجدني عبدي"، فإذا قال: إياك نعبد وإياك نستعين، قال الله عز وجل: "هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل"، وإذا قال اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين، قال الله عز وجل: "هذا لعبدي ولعبدي ما سأل" رواه مسلم وأبو داود عن أبي هريرة (رضي الله عنه). فهي أساس الصلاة في كل ركعة، فالقائم بين يدي ربه للصلاة يقرأ مع بداية كل ركعة سورة الفاتحة كاملة فإذا كان به عجز عن تلاوتها سكت بمقدار قراءتها باللغة العربية قراءة مطمئنة، ويستطيع المصلي أن يُقسم أي سورة من كتاب الله فيقرأ في صلاته ما تيسر له من الحفظ والقراءة في الصلاة المكتوبة أو النافلة إلا الفاتحة فلا تصلح صلاة ولا تصح إلا بقراءتها كاملة لقوله (ص): "من صلى صلاة لم يقرأ فيها أم القرآن (أم الكتاب) فهي خداج (قالها ثلاثًا) غير تمام" رواه مسلم وأحمد عن أبي هريرة (رضي الله عنه) ويزيد هذا البيان وضوحًا ما رواه الشيخان عن عبادة بن الصامت (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله(ص) : "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب" أي لا تصح الصلاة إلاّ بقراءتها ولو قرأ المصلي القرآن كله عدا الفاتحة لأن المؤمن لا يعبد ربه إلاّ بما شرع اقتداء برسوله (ص) لقوله تعالى : "قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ" آل عمران: 31. يتبع…