عبد القادر كشناوي ما إن تأتي أيام الصيف بأدرار ، حتى تبدأ المعاناة والتألم وأحيانا الأمراض الناجمة عن الحرارة خاصة ضربات الشمس ، كيف لا وهو الفصل الطويل والحار بالمنطقة ، والذي يلزم الناس بيوتهم تحت المكيفات الهوائية ويفرض فيه حضر التجوال. فقد صنفت المنطقة الواقعة بين رقان وادرار وعين صالح منذ القدم جغرافيا بالمثلث الحراري ، وهو وصف دقيق نظرا للحرارة الشديدة بالمنطقة التي تحتبس فيها الأنفاس ويفقد كل من كان حديث الوجود بالمنطقة الوعي. والغريب في كل هذا أن مصالح الرصد الجوي لم تفصح لحد الآن عن حقيقة الحرارة بهذه المناطق فغالبا ما نسمع 45الى 48 درجة وهي في الحقيقة تتعدى 50 درجة تحت الظل ، إن الأرقام تبدو أقل مما توحي به الحرارة، كيف لا وشوارع المدينة خالية على عروشها بمجرد طلوع وقت العاشرة صباحا ، حيث تبدأ الحرارة تكشر عن أنيابها ، ومن ثمة يبدآ موعد حضر التجوال ، كما أن مصالح الأرصاد الجوية تخفي أحيانا درجات الحرارة الحقيقية حتى لا تربك الناس ، وحتى لا توصف المنطقة بالمنكوبة حراريا. ونحن نتابع سيرنا ونجوب الأحياء وأزقة المدينة تصادفنا دلاء كثيرة مملوءة بالماء البارد مصطفة أمام كل الدكاكين والمحلات التجارية مغلقة ومشدودة بغطاء من الحلفاء تقيها شر الحرارة وتحافظ على مياهها باردة وضعت خصيصا لسقاية المارة وعابري السبيل، هذا ما قاله لنا أحد المحسنين. وحسب رأي بعض الشباب الذين وجدناهم صدفة مختبئين بأحد الأماكن المظللة بالأقواس قرب السوق الشعبية ، أنهم يعانون شدة الحر ويتألمون ولكنهم تأقلموا معها على حد قولهم ولا يوجد سبيل لذلك ما داموا غير قادرين على مغادرة هذه الجهة باتجاه بنغالوهات الشمال ولأنهم غير قادرين على ذلك لظروف أسرهم وحالتهم المادية. السفر إلى الشمال لمن استطاع إليه سبيلا صرح لنا بعض شباب أدرار بأنهم لا يستطيعون حتى دفع تذاكر السفر المرتفعة التي تبلغ 1500دج برا وأكثر من 8000 دج جوا، فما بالك بنفقات الراحة والاستجمام إلى درجة أن السفر إلى مدينة وهران ومدن الشمال ككل لم يعد متاحا سوى لميسوري الحال من المقاولين و ذوي الدخل المرتفع . أما بأدرار فما أن يأتي منتصف النهار حتى يشرع المواطنون في مغادرة شوارع المدينة وأسواقها ويعودون إلى منازلهم باستثناء من تلح عليه ضرورة العمل بتمديد فترته حتى الثانية تقريبا وتجبره أشعة الشمس المحرقة فيما بعد على التوقف على بعد خطوات من السوق المتواضعة وتحت حرارة تشبه السنة النيران التي تلفح الجسد وبحلول شهر أوت. لا يردد الناس سوى العبارة الشهيرة التي تقول (الموت ارحم من أوت) كيف لا وهو أقصى أشهر الصيف حرا وقساوة ، وهو الشهر الذي قيل لنا انه فيه ينزف الجمل على حد تعبيرهم. إن حديث الشارع الأدراري نادرا ما يكون موضوعه عن شيء آخر إلا عن الحرارة ، فهي بالنسبة إليهم أمر طبيعي أو قدر محتوم لا هروب منه ، فجدران المنازل تختزن طاقة كبيرة من الحرارة خلال النهار إلى درجة الانشقاق والتصدع وعجز حتى المكيفات الهوائية عن تبريدها ، المهم عند أهالي أدرار أنهم لا يتعرضون إلى أشعة الشمس، خاصة خلال الفترة الممتدة بين الحادية عشر والثالثة بعد الزوال. وهي الأصعب والأخطر في نظرهم، فلفحة الشمس قد تكون مضرة بالصحة لذا يعمد السكان إلى قضاء أشغالهم المحدودة وأعمالهم قبل الحادية عشرة صباحا كأقصى تقدير وتختزل الحياة إلى ساعات قصيرة ثم تموت بعدها المدينة ولا يقوى أحد على الخروج ويبطل بذلك ما يشاع عن سكان الجنوب بأنهم اشد مقاومة كالجمال بعد أن كبروا على لحومها فأعطتهم قدرة خارقة تجعلهم يصمدون أمام الحرارة في تحد .