أحدثت رسالة "19" حالة طوارئ في الساحة السياسية، حيث توالت ردود أفعال الطبقة السياسية بين مؤيد ومعارض ومشكك، ولمحاولة فهم دوافع هذه الخطوة ارتأت "الحوار" تسليط الضوء على النقطة الأولى التي وردت في رسالة الموقعين المتمثلة في "التخلي عن السيادة الوطنية وهذا بتخلي الدولة عن حق الشفعة". وافق مجلس الوزراء المنعقد في أكتوبر الماضي خلال اجتماع ترأسه رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة على مشروع قانون تمهيدي معدل ومتمم للقانون المتعلق بالاستثمار الذي عرضه وزير الصناعة والمناجم عبد السلام بوشوارب، حيث جاء في القانون عديد الإجراءات التي تخدم المستثمرين الأجانب وعلى رأسها "تخفيف إطار ممارسة الدولة لحق الشفعة في حالة التنازل بالخارج من طرف مستثمر عن أسهمه في مشروع بالجزائر وكذا توجيه المساعدات العمومية للاستثمار نحو سياق جديد تطبعه الشفافية وفعالية المتدخلين وكذا نحو الاستجابة للحاجيات الحقيقية للاقتصاد الوطني". إجراءات عجلت في خروج العديد من الأحزاب السياسية وعلى رأسها ذات التوجه اليساري بقيادة زعيمة حزب العمال لويزة حنون لانتقاد هذا الإجراء الذي اعتبروه انقلابا على أفكار ومقدسات الرئيس بوتفليقة كما جاء في رسالة "19".
فرحات آيت علي: تحول حق الشفعة إلى "حديث قدسي" لا معنى له سياسيا واقتصاديا يرى الخبير الاقتصادي فرحات آيت علي بأن الكلام على حق الشفعة "كمبدأ سياسي أو قناعة شخصية عند الرئيس أو غيره ينم عن جهل تام بمعنى هذا الحق في القانون الجزائري وفي الحقل الاقتصادي من طرف المدافعين عليه حديثا"، مضيفا "أولا بالمنظور القانوني حق الشفاعة في الجزائر مضمون للخزينة العمومية في قانون التسجيل منذ تعديله الأول في 1973 ويخص حصريا بيع العقارات المنقولة وغير المنقولة التي ترى الإدارة أن قيمة بيعها المصرح بها مخفضة بصفة مبالغ فيها، ويسمح للخزينة بموجب القانون شراءها من البائع المصرح شرط إضافة نسبة 10/100 من ثمنها كثمن نهائي للتنازل القصري عنها لصالح الخزينة"، مواصلا بأنه في سنة "2002 أدرجت هذه المادة في قانون الإجراءات الجبائية المستحدث لشمل إجراءات جميع الضرائب، تحت المادة 38 ، بدون تغيير" ومن جانبه تطرق قانون المالية التكميلي سنة 2010 لنفس المادة لإسقاطها على قضية جيزي، "خارج إطارها القانوني الأصلي وعلى جميع التنازلات التي يقوم بها الأجانب على استثماراتهم المحلية، بإعطاء حق الشفاعة للدولة دون تغيير في شروط المادة الأصلية"، وكانت نتيجة هاته التأويلات والاجتهادات الإدارية حسب فرحات آيت علي هي "شراء نصف الشركة بضعف الثمن بعد أعوام من التعنت في فرض منطق لا يوجد أثره في القانون الجزائري". و في 2015 استحدث تغيير على المادة نفسها يضيف المتحدث، "يشمل حق الخزينة في نفس السياق والشروط الأصلية في شراء حصص الشركات التي ترى أن ثمن التنازل عليه منخفض". ولكن لم تشمل هاته التعديلات يؤكد آيت علي أي"حق للإدارة في تعطيل التنازلات بين الشركات ولا في منعها إلى ما لا نهاية"، كما لم يعطها أي حق في اعتبار الثمن مبالغ فيه بل فقط في انخفاضه، وعلى الإدارة عند التدخل وفي الآجال القانونية للإعذار تغيير الثمن أو رفعه تلقائيا، أو "اقتراح شراء الملكية المعنية بالعملية في نفس الملف بزيادة 10/100". فيما يخص قناعة الرئيس بقدسية هذا المبدأ حسب ما صرح به "19" لم يوافق المتحدث هذا الطرح الذي "يتنافى مع أبسط قواعد الاقتصاد والمنطق، فمن يتشبث بالشفاعة ما عليه إلا عدم التنازل بأي شيء للأجانب، والتنازل عن الاستثمارات الأجنبية مبدئيا، وليس إعادة شرائها، شارحا موقفه بأن القوانين المذكورة "اتخذت في ظرف معين ولمعالجة ملف معين من طرف حكومة معينة وبإمكانيات معينة ولقد فشلت فيه"، وحالنا اليوم لا يسمح بالعنتريات ولا بالمغامرات بأموال الشعب إرضاء لأهواء البعض أو ميولاتهم الإيديولوجية". فتحول هذا الإجراء في ذهنية البعض إلى شبه حديث قدسي "لا محل له من الإعراب في الاقتصاد ولا في السياسة".
كمال رزيق: لا يجب إلغاء حق الشفعة والتخفيف منه قد يكون مفيدا وفي ذات الصدد يرى الخبير الاقتصادي كمال رزيق بأن حق الشفعة هو "امتياز قانوني يمنح الأولوية للدولة في شراء استثمار قرر صاحبه بيعه وهذا بالسعر المتفق عليه سابقا"، مضيفا بأنه حق "مقيد وليس مطلقا ولا تستعمله الدولة في كل الحالات بل في المسائل والتعاملات الإستراتيجية وقد سبق أن تحفظت الدولة عن استعماله كما حصل مع مؤسسة أوريدو لكنها استعملته عندما تعلق الأمر بأوراسكوم لأن الدولة صرفت كثيرا في ذلك الاستثمار". وفي ذات السياق أكد رزيق بأن الدولة الجزائرية تشجع وبكثافة الاستثمار والمستثمرين الذين يحققون أرباحا كبيرة نظرا لإعفائهم من الضريبة "التي لا تدخل ميزاينة الدولة، لهذا جاء حق الشفعة للحفاظ على مصالح الدولة في حال قرر المستثمر البيع"، وعن ما ورد في مشروع القانون التمهيدي المعدل والمتمم للقانون المتعلق بالاستثمار أجاب رزيق بأن "التخفيف من استعمال حق الشفعة مفيد لأنه يدفع المستثمرين إلى مواصلة عملهم"، مشددا على أن إلغاء قانون الشفعة بشكل كلي أمر خطير وغير مقبول لأن الجزائر لا تملك بعد اقتصادا قويا وبورصة كما هو الحال في البلدان المتطورة التي تحل هذه الوضعيات بطرق بسيطة وسهلة عبر البورصة.
مبتول: استهلكنا 7 قوانين استثمار دون نتيجة من جهته قال الخبير الاقتصادي عبد الرحمن مبتول بأن "قانون الاستثمار في حد ذاته لن يكون حلا"، مضيفا "لقد عرفت الجزائر سبعة قوانين استثمار منذ الاستقلال فهل خرجنا من التبعية للمحروقات لا"، مؤكدا أن قانون الشفعة وكذلك قاعدة 51 /49 تعرف مشاكل في توقيت التطبيق، حيث استعملت الجزائر سابقا حق الشفعة مع مؤسسة جيزي التي هبطت أسهمها الآن بشكل كبيير وكما أممت مركب الحجار المثقل بالديون، مشددا على "الاستعمال السلبي الذي تنتهجه الجزائر في القوانيين نظرا للتسيير الاقتصادي الذي يعود إلى سنوات السبعينات".