مبعوثة "الحوار" إلى سكيكدة: مليكة ينون بعد سبع ساعات وصلنا إلى ولاية سكيكدة وبالضبط إلى الحروش، كان التعب والعياء قد نال من كل واحد منا نيْلا عظيما، و قوانا النفسية خارت وأجسادنا ضعفت ولم تعد تقوى على الصمود ومواصلة ما تبقى من الطريق نحو بلدية العربي بن مهيدي وتحديدا " جاندارك"، لكن كان علينا أن نسترجع أنفاسنا لمعاودة الكرة مع رحلة أخرى قصيرة مدتها الزمنية لا تتعدى الساعتين، فأخذنا حقائبنا واستقللنا حافلتين، الأولى انطلقت من بلدية جمال رمضان نحو وسط سكيكدة والثانية نحو "جاندارك"، هناك كانت نقطة نهاية الطريق والرحلة، بيد أنها كانت في الوقت نفسه بعد أخذنا لقسط من الراحة الجسدية والروحية والنفسية، نقطة بداية لاستعراض شريط الصور التي التقطتها أعيننا ونحن في طريقنا إلى ولاية سكيكدة، مشاهد وصور كثيرة وكثيرة عن الطريق السيار شرق غرب وعن المساحات الشاسعة التي تتمتع بها الجزائر، وعن الوديان المهملة والبيوت قصديرية وأخرى مبنية من الطوب هنا وهناك وغيرها من صور أفرزت العديد من التساؤلات عن دور مسؤولي هذه الولايات التي مررنا بها، وماذا قدموا لها من تنمية حتى نسجل مثل هذه الصور القبيحة التي يتخبط فيها السكان في صمت، وفشلت كل المحاولات في إخراجهم من نفق المعاناة؟ انطلقت بنا الحافلة على الساعة التاسعة إلا عشرين دقيقة من محطة الخروبة بالعاصمة، ونحن مستعدون لخوض غمار حرب ضروس مع مسافات طويلة جدا سنقطعها لنصل إلى ولاية سكيكدة، تلك الولاية العريقة التي تزخر بطبيعة خلابة وبأناس طيبين جدا.
* زلزال يضرب الطريق السيار شرق –غرب بالبويرة سارت الحافلة بنا وبعد سويعة وصلنا إلى ولاية بومرداس لتستكمل سيرها على الطريق السيار شرق -غرب إلى ولاية البويرة، هناك ونحن في الحافلة شعرت وكأن زلزالا هزنا وكأن الحافلة تسير على الجبال وليس على الطريق السيار شرق غرب، فهذا الشطر من الطريق الذي اعتقدت في أول المطاف أن كل الذين انتقدوا أشغاله و استهجنوا الطريقة التي أنجز بها وقالوا إنه غير صالح للاستعمال، بأنهم كانوا مخطئين، وأن عمار غول بريء من كل التهم التي لفقت له، تأكد لدي أنهم كانوا على حق، حيث سرعان ما تراجعت عن ملاحظتي، عندما بدأت الحافلة تهتز وتميل يمينا ويسارا، اعتقدت أن ثمة زلزال ضرب المنطقة على حين غرة، بل وانتابني خوف شديد من أن الحافلة ستسقط وسيقع حادث مروري، لكن لمّا سألت من حولي عن سبب تحرك الحافلة على ذاك النحو واهتزازها يمينا ويسارا، قيل لي أن الطريق السيار شرق -غرب في هذا الشطر بولاية البويرة متشقق ومهترئ ولم ينجز وفق المعايير والمقاييس المعمول بها وطنيا ودوليا، كما تأكد لديّ أن منتقدي عمار غول لم يكونوا مخطئين بل كانوا على حق، وتساءلت في الوقت نفسه حول الأسباب التي حالت دون إعادة إنجازه أو بالأحرى تهيئته وإعادة تأهيله من جديد وتسويته بالشكل الذي يريح السيارات والحافلات عند قطعها تلك الطريق، وبالشكل الذي يجنب أي مركبة تسجيل حوادث مرورية أخرى نحن في غنى عنها.
* مساحات شاسعة غير مزروعة وغير مستغلة لبناء السكنات واصلنا طريقنا نحو سكيكدة، وما كدنا نخرج من ولاية البويرة حتى شاهدنا دخان يتطاير في السماء و زحمة مرورية مريبة أثارت تساؤلات كل الركاب، وفي الوقت نفسه مخاوف من مصيبة قد لحقت بنا، فإذا بنا نشاهد شاحنة مركونة على اليمين احترقت وعطلت حركة المرور لأسباب لم يعرفها أي مسافر ولا سائق حافلة، فتابعنا سيرنا وقد بدأ العياء ينال منا، لكن النافذة التي كنت أطل منها على الطبيعة الخلابة لبلادي الجزائر جذبتني كثيرا وأبهرتني تلك الجبال العالية والشاهقة في شكل سلسلة مشيدة أمام بعضها البعض، لكن ما أثار استغرابنا الشديد تلك المساحات الشاسعة غير المزروعة وغير المستغلة، مساحات خضراء ويبدو أنها صالحة لكل شيء للزراعة وربما حتى للبناء، ما جعلني أتساءل حول جدوى وجود هذه المساحات دون استغلالها فيما ينفع الوطن والمواطن على حد سواء، وكيف لنا أن نهملها ولا نستغلها فيما يحل أزمة السكن. بل أكثر من هذا استغربت عدم استغلالها لزراعة كل أنواع الخضر والفواكه وتحقيق الاكتفاء الذاتي بدل استيراد ما لذ وطاب من الخضر والفواكه من الدول الخارجية، وبدل الاعتماد على" البترول" الذي أدخلنا سعره المتدني مؤخرا، في دوامة التقشف. قلت في قرارة نفسي" لم لا تستغل هذه الأراضي في زراعة الخضر والفواكه ويستفيد منها سكان الوسط وشرق البلاد وحتى سكان ولايات كل الوطن، لم هي مهملة، وهل فكر مسؤولونا مثلما فكرت، أم ثمة موانع طبيعية اقتصادية وطبيعية وفلاحية لا تسمح لنا باستغلالها؟. نفس التساؤل طرحته بشأن هذه المساحات الخضراء حول عدم استغلال جزء منها في بناء السكنات وحل أزمة السكن، سيما وأن مشكل بلديات الوطن وتعطل كل المشاريع السكنية باختلاف صيغها الاجتماعية والتساهمية وعدل بسبب نقص العقار، بل حتى تعطل إنجاز مرافق ترفيهية ورياضية سببه نقص العقار، أم أنه ثمة مانع لا يسمح ولا يرخص لنا باستغلال هذه القطع الأرضية في بناء السكنات.
* بيوت من القصدير والطوب متناثرة هنا وهناك في العراء ما لفت انتباهنا، ونحن في الحافلة وحتى بعد وصولنا لولاية سكيكدة، تلك البيوت القصديرية والبيوت المبنية من الطوب المتناثرة هنا وهناك على سفوح الجبال والمساحات الخضراء. تستغرب وأن تنظر للطبيعة الخلابة وتلك المساحات الخضراء الشاسعة لرؤية بيت قصديري أو من الطوب وأحد لا أكثر مبني وسط قطعة أرضية بعيدة عن المنطقة المعمارية تفتقد لأدنى الشروط الحياتية حتى أننا تساءلنا حول طريقة عيش هؤلاء وكيف باستطاعتهم البقاء في بيت بعيد عن كل المرافق الضرورية لا محل لبيع المواد الغذائية ولا مصحة ولا مدرسة ولا غاز ولا كهرباء، ربما مثلما يقال" الأزمة تلد الهمة"، فهذه العائلات لم تجد حلا لأزمة السكن سوى استغلال قطعتها الأرضية وبناء بيت عليها والاستمرار في الحياة.
* وديان جافة تتحول إلى مفرغة للنفايات وأخرى مياهها ملوثة كانت طبيعة الولايات التي مررنا بها لنصل إلى ولاية سكيكدة جميلة فتانة وخلابة وجبالها مشيدة جنبا إلى جنب وعالية حتى أن عيناك تتعب من علوها وقلبك يسبح لله لروعتها، غير أن ما أثارنا فضولنا واستفزازنا في الوقت نفسه وحرك استغرابنا تلك الوديان التي تتخلل الجبال، هي وديان طويلة جميلة لكنها مهملة بشكل فظيع ومريع، إهمالا يبعث على الغضب والتساؤل حول سبب إغفال هذه الثروة الطبيعة. لم تلمح أعيننا أي واد من هذه الوديان التي مررنا بها على طول الطريق السيار شرق -غرب وادٍ نقي ونظيف جدير بتحويله إلى محمية طبيعة وملجأ للمنتزهين، كل الوديان ومنهم واد الرمال بقسنطينة جفت وتحولت إلى مفرغة للقمامة. بل أكثر من هذا فمياه وديان البويرة كلها ملوثة ولونها أسود، ما استغربنا له ودفعنا لطرح الأسئلة عن أسباب إهمالها وتحويلها إلى مفرغة لرمي النفايات، وهل ثمة مشروع وطني لتنقية هذه الوديان حتى تستغل أحسن استغلال في الترويج للسياحة مثلا، وفي تحويلها إلى منتزه يلجأ إليه سكان تلك المناطق وحتى غيرهم لقضاء أيام جميلة، أم أن الأمر غير ذاك الذي نطمح ونطمع فيه. وصلنا إلى ولاية سكيكدة بعد أن نال منا التعب، لكن حمدنا الله على سلامتنا، فالطريق كان وعرا وطويلا إلى حد كبير، والساعات السبع التي قضيناها ونحن على متن المركبة لم تمر علينا مرور الكرام، فكل من العياء والتعب والمناظر الطبيعية الخلابة وفي نفس الوقت المخربة والمهملة والبيوت القصديرية التي رافقتنا على طول الطريق متناثرة هنا وهناك تخزنت في ذاكرتنا، ورسمت صورتها الحقيقية التي كنا نجهلها. المهم أننا بلغنا مقصدنا ودخلنا ولاية سكيكدة سالمين غانمين، واعتقدنا أن المناظر القبيحة التي شوهت الطبيعة على طول الطريق السيار شرق- غرب، لن نلمحها ونحن نلج سكيكدة ونتغلغل في أعماقها، لكن في الحقيقة اعتقادنا خاب مرة ثانية، فقد سجلنا مع الأسف الشديد نفس المناظر القبيحة المشوهة لجمال أي مدينة، فالمركبة توقفت بالحروش وعلى طول الطريق المؤدي من الحروش إلى وسط سكيكدة كان لزاما علينا أن نقف عند إهمال مسؤولي بلدية "رمضان جمال" وتغيبهم تغيبا كليا عن الموقع وبعث مشروع التهيئة العمرانية، فكل الطرقات غير المعبدة حتى أن المركبة كانت تهتز اهتزازا عنيفا ولشدة اهتزازها اعتذر لنا السائق، وقال لنا إنه يسير ببطء وقلل من سرعة المركبة لأن الطريق الطويل مهترئ عن آخره بشكل جد فظيع. أكثر من هذا فالطريق لم يكن مهترئا فقط بل كان غير منظم وبه فوضى عارمة، فهو معبر للسيارات الذاهبة والآتية وكأن كل سيارة في حلبة صراع للفوز بأمتار تسمح لها بالمرور وقطع هذه الطرقات المهترئة، وتمنينا أن ننتقل لمصالح بلدية "جمال رمضان" بالحروش لأجل نقل المشكل لمسؤول البلدية ومعرفة أسباب تأخر مصالحه ومصالح الولاية عن تعبيده وتنظيمه تجنبا لأي حوادث مرورية سيما خلال فصل الشتاء، حيث يبدو أن الكارثة ستكون كبيرة والحوادث المرورية ستعرف ارتفاعا مريبا.
* "جاندارك" المنطقة السياحية الجميلة وسكان بلا ماء ونحن في طريقنا إلى بلدية العربي بن مهيدي وتحديدا إلى " جاندارك" تلك المنطقة السياحية الجميلة، لم يكن بوسعنا إلا أن نسجل أيضا وضعية كارثية لسكان يقطنون ببيوت قصديرية تبعث على الشفقة والرأفة، حيث يبدو جليا أن أناسها يتجرعون مرارة عيش في بيت مبني بالقصدير وأخرى من الطوب تفتقد لأدنى ضروريات الحياة وينتظرون على أحر من الجمر ترحيلهم إلى سكنات تحفظ ما تبقى لهم من كرامتهم وعزتهم. ويبدو أن سكان" جاندارك" التابعة لبلدية العربي بن مهيدي لولاية سكيكدة لن تخرج من قوقعة التهميش، ولن يتخلص بعد من المشاكل المحيطة بهم من كل جانب، ابتداء من الانقطاع المتكررة للكهرباء، مرورا بغياب سوق منظمة وانتهاء بغياب المياه عن حنفياتهم.
* طرقات "جاندارك" في وضعية كارثية هناك بجاندراك بقينا أياما وعشنا معاناة السكان، فمن المشاكل العالقة، والتي لم تحل لحد كتابة هذه الأسطر، مشكل اهتراء الطرقات المليئة بالمطبات والحفر، حيث يجد الراجلون والراكبون لسياراتهم صعوبة في التنقل سواء خلال فصل الصيف أوفصل الشتاء، أين تتعقد الأمور ويعجز السكان عن عبورها، ويجدون أنفسهم مجبرين على ارتداء الأحذية البلاستيكية. * حنفيات جافة ولا يمكن أن يتجاوز سكان جاندارك مشكل غياب حنفيات عن بيوتهم وحرمانهم من المياه الصالحة للشرب، فالمياه تزور حنفياتهم مرتين في اليوم، في الصباح الباكر لمدة ساعة أوساعة نصف وفي المساء عند السادسة ولساعة واحدة وأحيانا تغيب لمدة يومين، حتى أنهم يجدون أنفسهم في أزمة عطش حقيقية غير قادرين على قضاء حوائجهم ومجبرين على اقتناء المياه المعدنية التي أفرغت جيوبهم. ويقول أحد السكان "لسنا نعلم إن كنا مواطنين كباقي الجزائريين، أم أننا مواطنون من الدرجة الثالثة لا حق لنا في الماء ولا في أي شكل من أشكال التنمية"، متسائلا "أين هو رئيس البلدية"، وأين هي مصالح الجزائرية للمياه لرفع الغبن عنا وتزويدنا كباقي سكان سكيكدة بالمياه الصالحة للشرب على مدار ساعات اليوم دون انقطاع؟.
* ظلام دامس على مدار السنة ويكون غياب الإنارة العمومية هم آخر يطارد سكان " جاندارك"، مثلما يطاردهم قطاع الطرق الذين يستغلون العتمة لتنفيذ اعتداءاتهم على السكان وأملاكهم، ويفرضون بسرقاتهم للبيوت والسيارات حظر التجوال، في الوقت الذي بحّت فيه أصوات قاطني الحي لكثرة نداءاتهم للمسؤولين بالتعجيل في إيصالهم بشبكة الإنارة العمومية ورفع عنهم الظلام الدامس وغلق باب اعتداء المجرمين.
* ناقلون غائبون ويعاني مسافرو جاندارك من غياب كلي لوسائل النقل سيما يوم الجمعة، ما أثر سلبا على مواعيد دخولهم لمقرات العمل والدراسة وكذا رجوعهم إلى ديارهم، مطالبين مديرية النقل ومصالح البلدية استحداث خطوط نقل على مستوى المنطقة، ومتسائلين في الوقت نفسه حول ما إذا كانت منطقتهم ضمن مخططات النقل، أم أن ثمة تلاعبا من قبل الناقلين الذين يرفضون التنقل على مستوى الحي والقضاء على معاناتهم الشديدة في رحلة البحث عن وسيلة نقل تقلهم للعمل والدراسة.
* لا سوق منظمة ويطالب سكان حي "جاندارك "مصالح البلدية إلى التعجيل في إنجاز سوق منظمة، تقضي على المعاناة اليومية التي يتكبدونها خلال رحلة البحث عن الخضار. ويكشف السكان أن المحال التي تبيع الخضر والفواكه غير كافية لاحتواء حاجياتهم، بل يتطلب سوقا منظمة تسمح لهم بقضاء حوائجهم وتوصلهم لما وصل إليه سكان الأحياء المجاورة. وحول ما إذا سبق أن رفع السكان انشغالهم لدى المصالح المعنية، أكدت ذات السيدة "أنهم منذ أن قطنوا هذا الحي وهم في اتصال مباشر مع المعنيين لأجل إنجاز سوق منظمة، لكن لا حياة لمن تنادي، لأن كل الوعود التي تم قطعها لم تجسد على أرض الواقع ليظل الوضع على ما هو عليه ولتطول مدة معاناتهم".
* انقطاع متكرر للتيار الكهربائي ويشتكي سكان حي " جاندارك" من الانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي منذ أكثر من 20 سنة لأسباب، حسب ما أكده السكان، تظل مجهولة. وتؤكد السيدة " سعيدة "، أن مشكل الانقطاع المتكرر للكهرباء قائم منذ سنوات ومحاولاتنا لمعرفة أسباب انقطاعه مرات عديدة في الأسبوع وأحيانا في اليوم تبقى بالنسبة لنا مجهولة، لأن المعنيين بالأمر لم يقدموا لنا لحد اليوم الحلول التي من شأنها أن تضبط شبكة الكهرباء، ومنها تقضي نهائيا على مشكل الانقطاع المتكرر، مشيرة إلى أن الانقطاع المتكرر للكهرباء تسبب في إتلاف أجهزتهم الإلكترونية وفي تكبيدهم لخسارات مالية.
* ضباب وإنارة غائبة على طول الطريق
قضينا ما قضينا من أيام في سكيكدة، وكان لزاما علينا العودة إلى ديارنا، فحملنا حقائبنا وركبنا مركبتنا على الساعة الخامسة صباحا، وانطلقت تشق الطرقات نحو العاصمة، غير أن سير المركبة كان يبعث على الخوف من أن يحدث حادث مروري مروع مثلما كنا نسمع ونقرأ ونكتب عنهم في جريدة "الحوار"، فالطرقات مظلمة ظلاما دامسا لا إنارة عمومية تنيرها وتزيح الخوف، ما جعلنا نتساءل عن سبب التأخر في اتخاذ تدابير استعجالية لأجل إيصال الطرقات بشبكة الإنارة العمومية، وتجنيب المسافرين الحوادث المرورية المروعة التي تسجل يوميا على مستوى كل طرقات ولايات الوطن.