هم أطفال في عمر الزهور، شاءت أقدارهم أن يعيشوا في مناطق ريفية، على اختلاف جغرافيتها وتوزعها شمالا وجنوبا، شرقا وغربا، تلتقي في كونها تقع في ظل التنمية، على كل المستويات والأصعدة. فأطفال الأرياف يكادون يحرمون من حقهم في التمدرس، بسبب غياب النقل وندرته، في ظل نفض السلطات المحلية في كثير من المناطق أيديها من المشكلة، وعدم تدخل الوصاية في الموضوع، وإلى غاية تحرك السلطات بوضع خطة شاملة للقضاء على المشكلة، يبقى المستقبل الدراسي لتلاميذنا في الأرياف على كف عفريت، وتستمر رقعة التسرب المدرسي وسطهم في الاتساع.
. يخلعون أحذيتهم أربع مرات في اليوم لاجتياز واد قبلي تلاميذ يعبرون نفقا للمياه القذرة يعج بالجرذان لبلوغ مدارسهم بسكيكدة لم تتغير كثيرا معالم البؤس والشقاء التي تلازم تلاميذ سكيكدة منذ الاستقلال وإلى يومنا هذا، رغم تخصيص عدة حافلات للنقل المدرسي إلا أن التغطية تبقى غير كافية بحافلات النقل المدرسي، وبالتالي فالمعاناة تبقى متواصلة، والتي تتميز بين المشي داخل نفق للمياه القذرة، كما هو الحال بالنسبة لتلاميذ شعبة الزيان ببلدية صالح بوالشعور . أما القرى التي تتميز بمسالكها الصعبة والواقعة بأقصى الجهة الغربية فتلاميذها يستنجدون بالأحمرة للوصول إلى المدارس عبر مسلك غابي يتواجد وسط الحقول تتخلله مخاطر لا تعد ولا تحصى لأنه يعج بالمنحرفين، أين تكثر معاكسة الفتيات والاعتداءات المتكررة على الذكور، وانتشار الكلاب الضالة، بالإضافة إلى قطع الوديان في عز البرد القارس، وهي المعاناة التي وقفنا عليها بقرية أحمد سالم بكركرة أين يضطر التلاميذ إلى نزع أحذيتهم أربع مرات في اليوم لقطع وادي قبلي للوصول إلى متوسطة بورغيدة المتواجدة في الجهة المعاكسة للسكان، والتي تم إنجازها سنة 1993 وسط مخاطر لا تعد ولا تحصى . ومنهم من يعتمد على الأقدام لقطع عشرات الكيلومترات في ظروف مناخية قاسية، كما هو الحال لتلاميذ قرية لعوينة ببلدية بين الويدان غرب ولاية سكيكدة، الذين يقطعون مسافة 3كلم للوصول إلى المتوسطة مرورا بالقرية المجاورة عين رويبح، أو الانقطاع عن الدراسة لأيام عديدة، خياران أحلاهما مرّ حيث يتجرعون المعاناة، خاصة في فصل الشتاء. وعبّر الأولياء في عديد المرات عن استيائهم من المشاق التي يتحملها فلذات أكبادهم يوميا، معاناة أخرى وقفنا عليها ببلديات أقصى غرب الولاية، فتلاميذ المتوسط والثانوي وحتى الابتدائي بمشتة لحسن تبيسي أو الزريبة التابعة لبلدية أخناق مايون لا زالوا يضطرون للمشي وسط الأحراش والغابات للوصول إلى المدارس، إضافة إلى تحملهم البرد والأمطار التي ينقطعون بسببها عن الدراسة، إما عن مرض أو عن سوء حال الطريق، ذنبهم الوحيد أنهم يسكنون في مناطق نائية وآباؤهم من ضعيفي الدخل من جهة، أما تلاميذ الابتدائي بقرى بلديات قنواع والزيتونة والشرايع فيضطرون إلى ارتداء الأحذية المطاطية والخروج باكرا لمواجهة مخاطر الطرق الغابية والوديان، والحال لا يختلف بالنسبة لأبناء قرية الحمري ببلدية سيدي مزغيش وأبناء دوار لهوادف وسبالك ببلدية أم الطوب الذين يقاسمونهم المعاناة ذاتها. ونال الثانويون نصيبهم من المعاناة، كما هو الشأن بالنسبة لتلاميذ قرية واد سلسلة ببلدية بوشطاطة الذين ينتظرون حافلات النقل الخاص للتوجه إلى مقاعد الدراسة، متحدّين مخاطر الطريق الوطني رقم 43 والحال نفسه بالنسبة لأبناء قرية الطمر الذين يضطرون للتنقل يوميا إلى بلدية الحدائق وسط رفض الناقلين الخواص نقلهم، الأمر الذي يتطلب تدخل الجهات المعنية. . الأطفال يغلفون أحذيتهم بأكياس البلاستيك اتقاء البلل بلدية "تسخّر" جرار شحن النفايات لنقل التلاميذ بتيبازة يتعجب القارئ لمشاهدة صورة جرار مقطور على متنه مجموعة كبيرة من التلاميذ بمختلف أعمارهم بطريقة خطرة، وربما يقول أن السلطات عاجزة عن توفير النقل المدرسي وصاحب الجرار تفضل بمزية كرما منه لنقلهم في طريقه للتخفيف عنهم من معاناة المشي، إلا انه في حقيقة الأمر الجرار ملك لبلدية بورقيقة بولاية تيبازة برمجته لنقل التلاميذ إلى دواوير نائية لا تتوفر بها إبتدائيات ولا طريق معبد. ومن غرائب الحلول التي قامت بها السلطات المحلية ببلدية بورقيقة هو تخصيص جرار مقطور يستعمل في بعض الأحيان لشحن النفايات وهذا لنقل تلاميذ دوار بن قسمية ومزرعة بلعاليا المعروف لدى العامة حوش "بيرو" وكذا دوار عنان التابع لبلدية مراد المجاورة والذي يبعد مسافة 5 كيلومترات جنوب مقر بلدية بورقيقة بسبب استحالة مرور عربة نقل التلاميذ على أرضية طريق لا تزال على أصلها الترابي الموحلة ومسلكها الوعر وكذا لتوفر حافلة وحيدة فقط على مستوى محشر البلدية. كما يضطر تلاميذ دوار عنان لمواصلة الطريق مشيا على الأقدام من مزرعة بلعاليا إلى مجمعهم السكني على بعد مسافة 3 كيلومترات وسط الأحراش والغابات وما تحمله من مخاطر، وبسبب وضع الطريق المتدهور ينتعل التلاميذ الأحذية البلاستيكية أو تغليف أقدامهم بأكياس بلاستيكية حتى لا تتبلل بسبب برك الماء المنتشرة ونوعية الأرضية الطينية التي تعد المسلك الوحيد لهم للوصول إلى منازلهم. من جهة أخرى أدى هذا الهاجس إلى تشكيل ظاهرة خطيرة في أوساط المتمدرسين الذين وجدوا أنفسهم ضحايا للتسرب المدرسي القهري بسبب المعانات المترتبة عن الوضع المزري، علما أن دواري عنان وبيرو لا تتوفر بهما مدارس ابتدائية ولا أقسام فرعية تضمن حق التعلم لأطفال لا يتعدى سنهم الربيع العاشر قرب بيوتهم وأهلهم، وبينما يواجه التلميذ هذه المشاكل لا يعرف طريقه نحو ظروف جيدة لتحصيل دراسي مميز، وبالتالي رهن سلامة وأمان التلاميذ المتراوحة أعمارهم بين 05 و17سنة ومن شتى الأطوار بحوادث المرور المتربصة بهم أثناء تنقلهم مشيا ولكيلومترات بحواف الطرقات عند تغيب الجرار، وخوض مغامرات تفرض عليهم المشي تحت جنح الظلام في الصباح الباكر ومساء بعد غروب الشمس وسط الغابات والأحراش لا سيما وأن الوضع الأمني متذبذب الإستقرار. وبينما يعاني مجالس بلديات بني ميلك ومسلمون ومناصر واغبال وأحمر العين وسيدي أعمر من نقص رهيب لحافلات نقل التلاميذ خاصة وأن كل البلديات تتسم أقاليمها بتناثر عشرات الدشور والدواوير والقرى على مستوى ترابها، يصعب عليها تغطية نقل تلاميذ جميع المناطق وبالتالي رهن مصير تحصيلهم الدراسي، الوضع الذي أوجد السلطات في موقف حرج ووجب النظر إلى المشكل ببصيرة الجد. . بعد أن عزّت الحافلات واهترأت الطرقات الحمير في خدمة "النقل المدرسي" بالمدية لا يزال تلاميذ فرقة أهل الشعبة ببلدية بني سليمان شرق لمدية،الممثلة في فرق كشاد ،وأولاد قدور، وأولاد زعيمي، تاهمي ،وشابري وطيبي، يعانون من نقض النقل المدرسي عبر طريق المستشفى على مسافة 5.8كم إلى غاية منازلهم، حيث هناك حافلة واحدة ولم تزر القرية لعدة أشهر بسبب اهتراء الطريق الذي لا يصلح للسير تماما. وتعتبر هذه الفرقة من اكبر الفرق من حيث الكثافة السكانية في المنطقة. الشروق تنقلت إلى فرقة أهل الشعبة ب، أين شاهدنا المعاناة الحقيقة للتلاميذ الذين يمشون مسافة 5كم مشيا على الأقدام وعلى ضفاف حقول "حواطة" على الساعة الخامسة مساء حيث أكد لنا أحد أولياء التلاميذ في قرية كساد رقم 02 ( ك. ب) في العقد الرابع من العمر، أن الحافلة كانت تأتي على الساعة الرابعة مساء، ولا تعود رغم أن معظم التلاميذ يخرجون على الساعة 17:00، ولا يصلون إلى البيت إلى غاية الساعة 18:00، نتيجة بعد المسافة وقد أكد التلاميذ أن في الحالات الممطرة نقوم بالركوب مع حافلة نقل المسافرين بسعر 30 دج أو سيارات الكلونديستان، هذا ورغم تفريش هذا الطريق منذ سنة 2010 لفك للعزلة على القرى، وحسب مصادر الشروق فانه سيتم تعبيده لأنه أصبح في حالة كارثية وعزل القرى على العالم الخارجي، إلا أن أولياء التلاميذ يطالبون من السلطات التحرك في اقرب الآجال، من اجل رفع الغبن على التلاميذ الذين ارقهم المشي على الأقدام لمسافة أكثر من11كم ذهابا وإيابا، وتوفير حافلتين أو أكثر لنقل التلاميذ الذين صرح بعض الأولياء أن معظمهم لا يصل إلى مستوى جيد ويتوقف عن الدراسة بسبب الظروف القاسية، التي يتمدرسون فيها منها النقل والظروف الاجتماعية. . فيما لاتزال حادثة التلميذ الذي جرفه الواد على الألسنة براعم تسير جنبا إلى جنب مع الحيوانات المفترسة بقرى القبائل مازال انعدام النقل المدرسي يصنع يوميات الكثير من تلاميذ ولايات تيزي وزو، بجاية وبومرداس خصوصا القاطنين منهم بالقرى النائية والمناطق الحدودية بين الولايات، إذ لا أحد يسمع بوجودهم هنا أو يكترث لاستكمال مشوارهم الدراسي من عدمه، تلاميذ يحملون في رؤوسهم الصغيرة هموما كبيرة تسيطر عليها مخططات سبل وطرق التنقل للمدارس والعودة منها مساء، خصوصا وأن الكثير من القرى يتطلب أمر الوصول إليها قطع الأودية، وسلك مسالك جبلية موحلة ووعرة كثيرا ما يتقاسمونها والحيوانات البرية. وقد يمثل فصل الشتاء أسوأ المواسم في حياة هؤلاء، حيث تقودهم أقدامهم الصغيرة للأمام وتجرهم المحافظ المكتظة للوراء وسط برك موحلة وتحت زخات الأمطار الغزيرة، ليصل الطفل للقسم نموذجا حيا تفننت الطبيعة في تعذيبه تحت أنظار السلطات، ويصل منهك القوى لأقسام قد تزيد معاناته إن انعدمت بها التدفئة. حالة مشابهة لما تقدم ذكره يعيشها تلاميذ قرية "أيت وكلي" الضائعة بين موقعها الجغرافي وانتمائها الإداري، لتضيع تنمويا واجتماعيا دون ظهور بصيص أمل يغير واقعها المزري، تلاميذ هذه القرية التابعة لبلدية مكيرة بتيزي وزو إداريا ولشعبة العامر ببومرداس اجتماعيا، قلة منهم من يستكمل مشواره الدراسي، لكونه كومة من العقبات ابتداء بالطور الابتدائي الذي يحتم عليهم قطع مسلك موحل بطول 10كم ذهابا وإيابا وإتقان فنون قطع الوادي الفائض طيلة أيام الشتاء بأمان وصولا لمدرسة القرية الفلاحية بشعبة العامر، ليضطروا بعدها بالأطوار الأخرى لانتظار ما يجيد به الطريق السريع عليهم بمكان في حافلة، شاحنة أو مركبة تقلهم على بعد 30كم لبلدية شعبة العامر دائما، الظروف القاهرة التي تعود بالأذهان لأوضاع عاشتها العائلات في عهد الاستعمار، وتحمّلها الصغار حينها، تطلعا لغد أفضل في جزائر مستقلة. وتوجها ناحية شمال تيزي وزو نجد تلاميذ قرية"معشرة" بعطوش في بلدية ماكودة يضطرون لقطع واد يفصل القرية عما جاورها، عبر جسر مكشوف ومنخفض تغمره المياه كلما أمطرت، حيث أكدت مصادر محلية "للشروق" أن قصة التلميذ الذي جرفه الوادي مؤخرا يحفظها كل التلاميذ ويستحضرونها كلما حلّ الشتاء، وبقي الجسر على حاله والنقل المدرسي ظلّ طريقه إليهم. تلاميذ قرية وادي فالي ببلدية تيزي وزو هم الآخرون أخذوا نصيبهم من غياب النقل المدرسي، وأصبحوا عرضة لشتى أنواع المخاطر، دون أن تحرك السلطات ساكنا لإنقاذهم من الضياع، حيث جعل تجاهل السلطات وتأخر تزفيت الطريق الذي يسلكونه وصولا لمدرسة "عزام دحمان" لقمة سائغة لذوي النفوس الضعيفة، خصوصا وأن هذه البراعم البريئة تلقي بنفسها أمام أول سيارة تمر طمعا في إيصالهم لمنازلهم بعد إرهاق شديد، ورغم حالة الذعر التي خلفتها ظاهرة اختطاف الأطفال وحتى الاعتداء عليهم جنسيا، وتناول"الشروق اليومي" لقضيتهم مرارا إلا أن السلطات تستمر في سماع ورؤية ما يحلو لها وتجاهل ما لا يروق لها. وحتى لا نكون في موضع الجاحد، جدير بالذكر أن قطاع التربية قطع أشواطا هامة فيما تعلق بالنقل المدرسي، إلا أن القرى النائية والمهمشة، مازالت خارج دائرة اهتمام السلطات بمختلف القطاعات والمستويات.