بسم الله الرحمن الرحيم و الصلاة و السلام على أشرف المرسلين السيد رئيس البرلمان، السيد رئيس المجلس الشعبي الوطني، السيدات و السادة أعضاء البرلمان، لقد كلفني فخامة السيد رئيس الجمهورية و منحني شرف تقديم مشروع التعديل الدستوري الذي بادر به على ممثلي الأمة، أعضاء البرلمان المجتمع بغرفتيه طبقا لأحكام المادة 176 من الدستور. جاء هذا المشروع وفاءا للالتزام الذي تعهد به فخامته أمام الشعب في الذهاب بالإصلاحات السياسية إلى غايتها، و ذلك استجابة لتطلعات شعبنا و التحولات الجارية في العالم. وهنا أود التذكير أن رئيس الجمهورية، و حرصا منه على أن يمنح هذا المشروع طابعا توافقيا واسعا، قد اختار كما تعلمون مقاربة شاملة، أساسها الاستشارة الواسعة دون إقصاء، و إشراك مختلف الفاعلين السياسيين و الاجتماعيين و أيضا قانونيين ذوي كفاءات عالية.
فقد عرضت نتائج تلك الاستشارات على رئيس الدولة لإبداء رأيه السامي في مضمونها و مدى ملاءمتها مع الثوابت الوطنية و المبادئ و القيم المؤسسة لمجتمعنا، و التي تجسد تاريخه و حضارته العريقة، و رؤيته المستقبلية القائمة على مبادئ و قيم متقاسمة بين مجموع المواطنين الجزائريين.
علما أن هذه المبادئ و القيم غير قابلة للتغيير و لا التعديل. وفي هذا الإطار، يطيب لي أن أعرض على مجلسكم الموقر فلسفة هذا التعديل الدستوري الذي يرمي أساسا إلى دعم و حماية هوية شعبنا و وحدته و توسيع الفضاء الدستوري لحقوق و حريات الانسان و المواطن و تعميق الديمقراطية و توطيد دعائم دولة القانون و تعميق استقلالية القضاء و وظيفة المراقبة في بلادنا.يتعلق هذا المشروع بالديباجة والأبواب الأربعة التي تهيكل دستورنا الحالي:
أولا فيما يخص ديباجة الدستور
ترمي التعديلات المقترحة أساسا إلى إدراج الديباجة في الدستور لتصبح مرجعا دستوريا معتبرا يوجه عمل السلطات العمومية، لا سيما المجلس الدستوري.
أما التعديلات الأخرى في الديباجة فتهدف بالخصوص إلى:
1.تدعيم المبادئ و القيم خاصة منها المكونات الأساسية: الإسلام و العروبة و الأمازيغية التي تشكل الركن الأساسي لهويتنا و وحدتنا الوطنية، و التي تم إثراؤها و ترقية و تطوير كل واحدة منها، و التي من شأنها تجديد الروابط المتينة لشعبنا مع تاريخه و ثقافته.
2.إثراء دور جيش التحرير الوطني و جبهة التحرير الوطني في استرجاع السيادة الوطنية، و الاستشهاد بالمأساة الوطنية، كمعلم ثابت لشعبنا ضد النسيان، من خلال ترسيخ فضائل الحوار و السلم و المصالحة الوطنية.
3.التأكيد مجددا على تمسك شعبنا بسيادته و استقلاله، و بالطابع الديمقراطي و الجمهوري للدولة.
4.تكريس مبادئ الفصل بين السلطات و استقلالية العدالة بصفتها أسس الدولة.
5.دسترة التداول الديمقراطي بواسطة انتخابات حرة و منتظمة و ترجمة هذا المبدأ في نص الدستور بتحديد عدد العهدات الرئاسية في المادة 74 و كذا إدراجها ضمن المادة 178 من بين المواد التي لا يمكن لأي تعديل دستوري المساس بها.
6.التأكيد على ترقية العدالة الاجتماعية، وبناء اقتصاد منتج متنوع، قادر على التنافس في إطار التنمية المستدامة و الحفاظ على البيئة.
7.إدراج الشباب في النص الدستوري كقوة حية في بناء البلاد مؤهلة لرفع التحديات، ليكون المستفيد الأساسي من ثمار التنمية، إلى جانب الأجيال القادمة.
8.تكريس المهام الدستورية للجيش الوطني الشعبي النابع من أعماق شعبنا، الذي يعترف و يعبر له عن امتنانه لما قدمه و لا يزال من تضحيات غالية من أجل المصالح العليا للوطن، و كذا دفاعه عن السيادة و الوحدة الوطنيتين، و حماية البلاد من المخاطر الخارجية، و حماية الأشخاص و الممتلكات من آفة الإرهاب.
و ذلك بالإضافة إلى تكريس تكفل الدولة بالسهر على احترافية و تحديث الجيش و منحه القدرات المطلوبة.
9.إعادة تأكيد المبادئ التي تؤسس عمل الدبلوماسية الجزائرية طبقا للخيارات السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية الوطنية، و دورها في انتصار مبادئ الحرية و احترام إرادة الشعوب و تدعيم وجودها على الساحة الدولية.
ثانيا فيما يتعلق بالمبادئ العامة التي تحكم المجتمع الجزائري
تهدف التعديلات المقترحة في الفصول الخاصة ب "الجزائر، الشعب، الدولة" على التوالي إلى:
1.دعم الوضع الحالي للغة العربية التي تبقى دوما اللغة الرسمية للدولة، و التي هي مؤهلة للإشعاع. و تعميم استعمالها في المجالات العلمية و التكنولوجية، من خلال العمل الذي سيقوم به المجلس الأعلى للغة العربية، الذي تم إنشاؤه لهذا الغرض.
2.دسترة ترقية اللغة الأمازيغية مستقبلا، بصفتها مكونا أساسيا لهويتنا الوطنية إلى وضع لغة رسمية. و كذا استحداث مجمع مكون من خبراء مهمتهم توفير شروط ترقيتها إلى هذا الوضع الرسمي.
3.دسترة الوقاية من الفساد و مكافحته، و إحداث آليات و أدوات ستساعد على أخلقة الحياة العامة، و إضفاء المزيد من الشفافية على تسيير الممتلكات و الأموال العمومية و التقليص من انتشار هذه الآفة و تدعيم الحكامة في بلادنا.
4.تشجيع الديمقراطية التشاركية على مستوى الجماعات المحلية.
5.دسترة ضمان الدولة للاستعمال العقلاني للموارد الطبيعية، و الحفاظ عليها لصالح الأجيال القادمة، و كذا حماية الأراضي الفلاحية و الأملاك العمومية للمياه.
6.دسترة حماية حقوق و مصالح المواطنين القاطنين بالخارج و كذا حماية هويتهم.
فيما يتعلق بحقوق و حريات المواطن تهدف التعديلات المعتمدة إلى:
1.دسترة المناصفة بين الرجال والنساء في سوق العمل و تشجيع الدولة على ترقية تولي المرأة للمسؤوليات في الهيئات والإدارات العمومية و كذا على مستوى المؤسسات.
2.دعم احترام الكرامة الانسانية بمعاقبة المعاملة القاسية اللاإنسانية أو المهينة.
3.دسترة حرية ممارسة المعتقد وضمانه في ظل احترام القانون، و هذا أمر مهم لأنه يهدف إلى تعميق ثقافة التسامح، كمبدأ إسلامي أصيل، و تعزيز روح التعايش السلمي الأخوي بين مختلف الديانات، و بعث الحركية الحضارية في حوار الثقافات.
4.تكريس الحريات الأكاديمية وحرية البحث العلمي في إطار القانون، وكذا ترقية و تثمين البحث العلمي في خدمة التنمية المستدامة.
5.دسترة حرية التظاهر سلميا في إطار القانون.
6.دسترة حرية الصحافة المكتوبة و السمعية البصرية و على شبكات التواصل الاجتماعي، في ظل احترام كرامة و حرية الغير و حقوقهم و الامتناع عن أي شكل من أشكال الرقابة المسبقة. و كذا حرية نشر المعلومات و الأفكار و الآراء، في ظل احترام الثوابت و القيم الدينية و الثقافية للأمة.
فمن اليوم لا تعاقب جنحة الصحافة بعقوبة سالبة للحرية.
دسترة الحق في الحصول على المعلومات و المعطيات و ضمان نقلها مع احترام الحياة الخاصة و حقوق الغير، و المصالح المشروعة للمؤسسات و مقتضيات الأمن الوطني.
7.الاعتراف الدستوري بحقوق وَحريات الأحزاب المعتمدة، دون تمييز.
8.دسترة الضمانات الضرورية لمحاكمة منصفة، و وجوب إعلام الشخص الموقوف للنظر بحقه في الاتصال بمحام، و استثنائية الحبس المؤقت، و معاقبة وقائع و أفعال الحبس التعسفي.
كل هذه حقوق و ضمانات دستورية من شأنها تقوية حقوق الدفاع و دعم دولة القانون.
9.دسترة حقوق في فائدة فئات اجتماعية محرومة و ضعيفة أو ذات احتياجات خاصة، بما يوافق قيم مجتمعنا في التضامن و المساواة.
حيث جاء تكريسها لتأكيد الطابع الاجتماعي للدولة و تفعيل الاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها الجزائر.
10- إحداث إلزامية الجنسية الحصرية لتولي المسؤوليات السامية في الدولة والوظائف السياسية و ذلك بالنظر لخصوصية وحساسية تلك المناصب التي سوف يحددها القانون.
فيما يتعلق بالواجبات، من المهم إبراز وجوب التزام المواطن بالدفاع عن وحدة شعبه و حمايتها.
ترمي كل هذه الحقوق و الواجبات إلى دعم أسس الديمقراطية و روح التضامن، و تقاليد التعاون و التكافل و ذلك طبقا للتعاليم الإسلامية و الاتفاقيات التي صادقت عليها بلادنا.
ثالثا فيما يتعلق بتنظيم السلطات
ترمي التعديلات في هذا الإطار مع الاحترام التام للتوازنات الأساسية للسلطات و المؤسسات، إلى جعل نظامنا السياسي أكثر انسجاما و وضوحا، من خلال إعادة ترتيب العلاقات بين السلطة التنفيذية و التشريعية لضمان توازن أفضل و نجاعة أكبر لأعمال كل واحدة. و في الأخير، عبر توسيع تمثيل السلطة القضائية في المجلس الدستوري، و كذا توطيد استقلالية القضاء.
فيما يتعلق بالسلطة التنفيذية، تهدف التعديلات المعتمدة إلى:
1.دعم وضع رئيس الجمهورية بصفته حامي الدستور و إحداث شروط جديدة للترشح إلى رئاسة الجمهورية. حيث تأخذ هذه التعديلات في الحسبان الطابع الحساس للوظيفة الرئاسية و أهميتها في الحفاظ على الجمهورية و مؤسساتها.
2.تحديد إعادة انتخاب رئيس الجمهورية مرة واحدة.
3.إرساء استشارة الأغلبية البرلمانية من قبل رئيس الجمهورية، قبل تعيين الوزير الأول.
4.دعم صلاحيات الوزير الأول، لا سيما بالتوقيع على المراسيم التنفيذية و ترؤس اجتماعات الحكومة، و كذلك من خلال السلطة التي منحت له بإخطار المجلس الدستوري.
5.منح الحكومة اعداد مخطط عملها.
6.إلزام الحكومة عرض إعلان السياسة العامة أمام المجلس الشعبي الوطني سنويا.
فيما يتعلق بالسلطة التشريعية تهدف التعديلات المقترحة على الخصوص، إلى تعميق مبدأ الفصل بين السلطات و التعاون بينها و دعم دور البرلمان و منح المعارضة السياسية وضعا دستوريا.
و في هذا الإطار يقترح:
1.دعم وظيفة مراقبة البرلمان على عمل الحكومة بالسماح لكل لجنة دائمة في البرلمان بتشكيل مهمة استعلام مؤقتة حول مواضيع محددة.
2.منح المعارضة البرلمانية حقوقا تسمح لها بالمشاركة فعليا في العمل التشريعي، و مراقبة عمل الحكومة، و ممارسة الدبلوماسية البرلمانية، و حق الاعتراض أمام المجلس الدستوري على دستورية القوانين التي صادقت عليها الأغلبية.
تكرس هذه التعديلات الوجود الدستوري للمعارضة و تؤسس عملها كما تعطي دفعا قويا للحياة السياسية و تدعم الديمقراطية التعددية في بلادنا.
3.تدعيم مصداقية و شرعية البرلمان من خلال إلزامية الحضور الفعلي في الأشغال، و منع كل منتخب في البرلمان من تغيير انتمائه السياسي أثناء عهدته، و ذلك باحترام الطابع الوطني للعهدة، و احترام العقد المعنوي الذي يربط المنتخب بناخبيه.
4.إحداث دورة عادية واحدة للبرلمان و تحديد التشريع بالأوامر في حالة شغور المجلس الشعبي الوطني، و خلال العطل البرلمانية حول مسائل عاجلة.و ذلك لتعزيز وظيفة التشريع في البرلمان، وتأكيد ديمومة عمله.
5.منح مجلس الأمة حق المبادرة وتعديل القوانين في مجالات محددة و خضوع المصادقة عليها لنفس الأغلبيات المطلوبة في المجلس الشعبي الوطني. بالإضافة إلى تحديد كيفيات تسوية الخلاف بين غرفتي البرلمان و تحديد الآجال لاجتماع اللجنة المتساوية الأعضاء، و كذا آجال إجابة أعضاء الحكومة على أسئلة البرلمانيين الشفوية و الكتابية. كل ذلك من شأنه إحداث توازن أفضل بين غرفتي البرلمان، وإضفاء وتيرة أسرع على النشاط البرلماني و الحكومي.
6.تحويل مواد خاضعة لمجال القوانين العادية إلى مجال القوانين العضوية، نظرا لأهميتها وتأثيرها في الحياة السياسية. وهنا أذكر على سبيل المثال القانون المتعلق بالجمعيات.
و أخيرا، توسيع الموافقة الصريحة لغرفتي البرلمان على المعاهدات و الاتفاقيات قبل مصادقة رئيس الجمهورية، إلى الاتفاقيات المتعلقة بمناطق التبادل الحر و بالمجمعات و الاندماجات الاقتصادية.
فيما يتعلق بالسلطة القضائية، تهدف التعديلات المقترحة خاصة إلى:
1.منح رئيس الجمهورية صفة حامي استقلالية السلطة القضائية.
2.إحداث مبدأ التقاضي على درجتين في المجال الجزائي طبقا للمعايير العالمية والاتفاقيات التي صادقت عليها الجزائر.
3.إدراج إلزامية تعليل الأوامر القضائية لإضفاء الشفافية على العمل القضائي.
4.ضمان تنفيذ الأحكام القضائية و تعزيز حماية القاضي و المحامي و منح المجلس الأعلى للقضاء الاستقلالية الإدارية والمالية.
كل هذه التعديلات، سيدي الرئيس، سيداتي و سادتي، من شأنها تدعيم حماية القاضي و حقوق الدفاع و تعزيز أسس المحاكمة المنصفة و تعميق استقلالية القضاء، و بالتالي توطيد أسس دولة القانون في بلادنا.
رابعا فيما يتعلق بالرقابة ومراقبة الاِنتخابات والمؤسسات الاستشارية
بعنوان المراقبة، تهدف التعديلات أساسا إلى عصرنة المجلس الدستوري وتدعيم صلاحيات مجلس المحاسبة. حيث يقترح بخصوص المجلس الدستوري:
1.تقوية الوظيفة القضائية للمجلس الدستوري في المجال الانتخابي، فعليه النظر في جوهر الطعون المتعلقة بالنتائج المؤقتة للانتخابات الرئاسية والتشريعية.
2.ضمان تمثيل متوازن للسلطات الثلاث في تشكيلته و تدعيم صفة أعضائه.
3.تعميق استقلالية المجلس الدستوري بمنحه الاستقلالية الإدارية والمالية و بتعزيز حماية أعضائه بمنحهم الحصانة القضائية في المجال الجزائي أثناء عهدتهم و توسيع الإخطار إلى الوزير الأول و الأقلية البرلمانية، و كذلك إلى المواطن عن طريق الدفع بعدم الدستورية.
فمن شأن هذه التعديلات أن تبعث حركية جديدة في المجلس الدستوري و تعزز مكانته وتدعم موقعه في الصرح المؤسساتي، وكذا دوره في مسار بناء دولة القانون، وتعميق الديمقراطية التعددية، وحماية حقوق وحريات المواطن.
فيما يتعلق بمجلس المحاسبة، يمنح مشروع التعديل الاستقلالية لهذه الهيئة، و يوسع مهام مراقبة رؤوس الأموال التجارية التابعة للدولة و المساهمة في تطوير الحكم الراشد والشفافية في تسيير الأموال العمومية.
كما يعد المجلس تقريرا سنويا يسلم إلى كل رئيس غرفة في البرلمان و إلى الوزير الأول.
أما عن مراقبة الانتخابات، يدخل المشروع آلية جديدة هامة و هي هيئة عليا مستقلة لمراقبة الانتخابات، مكونة من قضاة وكفاءات مستقلة تسهر على شفافية ونزاهة الانتخابات و الاستفتاءات، من استدعاء الهيئة الناخبة إلى إعلان النتائج المؤقتة.
إن هذه الهيئة مدعوة، بالنظر إلى المهام الموكلة لها، ومكانة واستقلالية أعضائها، إلى إضفاء مصداقية أكبر على هذه الانتخابات، وتعزيز الشرعية الديمقراطية لمنتخبي الشعب.
و فيما يخص المؤسسات الاستشارية، تتعلق التعديلات بإحداث مجالس استشارية جديدة مثل المجلس الأعلى للشباب و المجلس الوطني للبحث العلمي والتكنولوجيات وتمنح هذه التعديلات وضعا دستوريا لهيئات قائمة مثل الهيئة المستقلة للوقاية من الفساد ومكافحته والمجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي واللجنة الوطنية الاستشارية لترقية وحماية حقوق الانسان.
خامسا وأخيرا، فيما يخص الباب المتعلق بالتعديل الدستوري
يتعلق الأمر فقط، بإدراج مبدأ إعادة انتخاب رئيس الجمهورية مرة واحدة، ضمن المبادئ التي لا يمكن المساس بها و المحددة في المادة 178 من الدستور، ويضفي ذلك على هذا المبدأ ضمان ديمومته والحفاظ عليه.
تلك هي أيها السادة و السيدات الفلسفة العامة لمشروع التعديل الدستوري.
مشروع طموح و واعد لشعبنا يتميز بتنوع الموضوعات الدستورية التي تناولها و كثافة الأحكام الوجيهة التي يقترحها. و هو معروض في هذا اليوم التاريخي لمصادقة برلمانكم الموقر.
سيداتي و سادتي
أود في الختام أن أذكر أن هذا المشروع هو نتاج المساهمات الوجيهة التي قدمتها التشكيلات السياسية التي تنتمون إليها، ومواقفكم الشخصية وآراء المجتمع المدني، على السواء. و قد تميزت هذه المساهمات بالعدد الوفير للموضوعات و تنوعها و ثرائها ، و أثرها على حقوق وحريات المواطن، وعلى تدعيم استقلالية العدالة، وتفعيل الحياة السياسية في بلادنا.
كما تميزت بتعميق مبدأ الفصل بين السلطات، ومنح كل واحدة من مؤسساتنا الوطنية المكانة والدور المحددين لها.
فمن المهام الموكلة لكم من قبل الدستور الجديد، من تفرض نفسها بنجاعتها وستكتسي أهمية متزايدة في مناقشاتكم و حواراتكم.
و أذكر على الخصوص وظيفة الرقابة، وتحديث المجلس الدستوري، والوضع الجديد للأقلية البرلمانية، و مساهمة الدبلوماسية البرلمانية.
و يسجل تطور ديمقراطي آخر في منح المعارضة وضعا دستوريا يؤسس لوجودها ويحدد عملها، وكذا حقها في إخطار المجلس الدستوري حول القوانين المصادق عليها من قبل الأغلبية.
إن عملا كبيرا ينتظركم إذا نال هذا المشروع موافقتكم، و هو ما لا أشك فيه، لأنكم مطالبون بتجسيد مختلف أحكامه و ترجمتها إلى قوانين باسم الشعب الذي منحكم الثقة الغالية.
إن التعبير عن إرادة الشعب هي مهمتكم الأصيلة و المشروع المعروض عليكم يشكل وثبة ديمقراطية معتبرة، كما يمثل في نفس الوقت، حصنا منيعا ضد التقلبات السياسية والأخطار التي تهدد أمننا الوطني.
بمصادقتكم على المشروع الرئاسي للتعديل الدستوري الذي سيطبع الصرح الدستوري في بلادنا، فإن التاريخ سيسجل لكم، أنكم ساهمتم بكل حرية، استجابة لنداء الضمير، في إحداث التجديد الجمهوري الذي تطمح له الجزائر.
فهذا المشروع يسمح لنا أن نسجل على دفاتر التاريخ مشاركتنا في ارساء ملامح جزائر القرن الواحد و العشرين.
كما أن الروح التي تكتنف مجلسكم الموقر هي نفسها التي تسكن الضمائر الحية المؤمنة عندما يدعوها الواجب إلى أداء الشهادة.
و قد قال الله تعالى :
"و أقيموا الشهادة لله"
شكرا على كرم الإصغاء، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.